الإثنين 12/مايو/2025

أسبوع حافل في الأمم المتحدة

أسبوع حافل في الأمم المتحدة

كان الأسبوع الجاري في الأمم المتحدة خطيراً ومثيراً للقلق، فبعد كل تلك الضجة التي سبقت انعقاد دورة الجمعية العامة استقر الأمر على ثلاث حقائق لا تبعث على الارتياح، فالفلسطينيون على رغم جهودهم المضنية وشجاعتهم الواضحة للحصول على دولة لم يقتربوا حتى الآن من تحقيق هدفهم، فيما الإسرائيليون وإن كانت عزلتهم قد تعمقت أكثر إلا أنهم الآن أكثر جرأة ووقاحة، أما الولايات المتحدة فقد حصدت مزيداً من الضعف في مواقفها وتراجعاً حقيقيّاً لثقة العالم فيها كقوة عظمى قائدة يمكن الاعتماد عليها بعد أداء رئيسها وخطابه المثير.

وقد طغت على الأسبوع أيضاً الخطابات واللقاءات المرهقة، فضلاً عن المشاورات والمباحثات الجانبية حول كيفية التعامل مع الطلب الفلسطيني للحصول على العضوية كدولة مستقلة.

والحقيقة أن الخطابات هي التي كشفت للمتتبع مجمل القصة، فالرئيس الفلسطيني ألقى خطاباً يُفترض أن يكون هو الأفضل في مسيرته السياسية، حيث أعاد سرد تاريخ القضية الفلسطينية بحماس وصدق، مستعرضاً بداية الاحتلال والمفاوضات الطويلة وصولاً إلى المطالبة بالدولة. وقد بُث الخطاب مباشرة على شاشة مقسمة بين جلسة الأمم المتحدة، حيث يلقي محمود عباس الخطاب، وبين ساحة “عرفات” في رام الله بالضفة الغربية. وأثناء الخطاب علت التصفيقات في أكثر من مناسبة خلال الجلسة، وكان أداء الرئيس الفلسطيني بمستوى اللحظة التاريخية، وعندما رفع بيده نسخة من الرسالة المسلمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة التي يطلب فيها الفلسطينيون الدولة ضج المكانان بالتأييد والتصفيق.

وعقب عباس جاء دور نتنياهو، لإلقاء خطابه الذي حرص فيه على تأكيد حقوق اليهود في كامل الضفة الغربية فيما كان يصر في الوقت نفسه وفي تناقض صارخ على زعم البحث عن سلام متفاوض عليه. وليس جديداً إذا قلنا إن نتنياهو مراوغ من الطراز الأول حيث برع في استعراض هذه المهارة طيلة الخطاب، فعلى سبيل المثال وللتدليل على زعمه بأن السلام غير ممكن مع الفلسطينيين أعاد نتنياهو على أسماعنا نفس القصة المملة الممجوجة، وغير الصحيحة في جميع الأحوال، عن رفض الفلسطينيين لفرص السلام خلال مناسبتين سابقتين! والحال أن مفاوضات عام 2001 مع إيهود باراك كان الإسرائيليون هم من وضعوا حدّاً لها بسبب الانتخابات المنتظرة التي خسرها باراك! أما العرض الثاني الذي تحدث عنه نتنياهو ويخص أولمرت، فما كان له أن ينجح لأن أولمرت كان ضعيفاً وغارقاً في الفضائح وينتظر المحاكمة، وكانت أمامه أسابيع قليلة فقط قبل أن يغادر السلطة فيما تدنت شعبيته إلى 6 في المئة، ولذا لم يكن بمقدوره التوقيع على اتفاق حتى لو وافق الفلسطينيون على ذلك! كما كرر نتنياهو مغالطة مكشوفة أخرى تقول إن إسرائيل “سلمت عباس مفاتيح غزة” عندما انسحبت منها! والحقيقة أن إسرائيل انسحبت من القطاع بشكل انفرادي. وعلى رغم المطالب الأميركية والأوروبية بضرورة التنسيق مع السلطة الفلسطينية فقد رفضت إسرائيل ذلك، ممهدة الطريق للفوضى ولسيطرة “حماس” على غزة!

لكن عدا تزييف التاريخ والحقائق انخرط نتنياهو أيضاً في عملية تحريض مكشوفة يعبر عنها المقطع التالي الذي انتقد فيه من “يواصلون الضغط على إسرائيل لتقديم المزيد من التنازلات من دون ضمان أمنها أولاً، فهم يشيدون بمن يغذون تمساح الإسلام الجهادي ويصفونهم بالشجاعة، فيما يصورون البعض منا على أنهم أعداء السلام لأنهم يصرون على بناء حاجز قوي لإبقاء التمساح بعيداً، أو على الأقل حشر قضيب حديدي بين فكيه المفتوحتين”! واللافت أثناء خطاب نتنياهو ذلك الصمت المطبق الذي استُقبلت به مزاعمه في الأمم المتحدة خلافاً للتصفيقات الحارة التي خص بها الكونجرس الأميركي نتنياهو!

ولكن الأداء الأكثر إزعاجاً خلال الأسبوع الجاري جاء من الرئيس الأميركي، فقد بدأ أوباما خطابه باستعراض تاريخ الأمم المتحدة، ليذكر أيضاً، وإن بدون قصد، لماذا تعتبر الأمم المتحدة المكان المثالي لتسوية المسألة الفلسطينية، غير أنه بعد دفاعه عن الأمم المتحدة ودورها في العالم انحرف 180 درجة عندما اعتبر القضية الفلسطينية الاستثناء الذي لا علاقة للأمم المتحدة به! ولا يسع المتابع وهو يستمع إلى خطاب أوباما الأخير إلا تسجيل الاختلاف الكبير بينه وبين خطابيه السابقين في المكان نفسه، ناهيك عن خطاب القاهرة في عام 2009 الذي خطب فيه ود العالم الإسلامي. إذ فيما استعرض أوباما معاناة اليهود وأسهب في تفصيلها لم يشر بكلمة واحدة إلى محنة الفلسطينيين، والحقيقة أن الإعلام الأميركي فهم جيداً السياق الذي جاء فيه خطاب أوباما، حيث وضعت نشرة “ذي هوتلاين” السياسية عنواناً دالًا يختصر موقف أوباما مشيرة إلى بدء حملته للانتخابات الرئاسية. فبعد الانتقادات التي وجهها له الخصوم الجمهوريون يبدو أن أوباما استغل الخطاب لحشد التأييد بين أصوات اليهود، بل لقد جاء الخطاب بعد انتقادات لاذعة من بعض المنافسين الجمهوريين، مثل ميت رومني الذي اتهم الرئيس بأنه يرغب “في رمي إسرائيل تحت الحافلة”، وحاكم تكساس، ريك بيري، الذي زار نيويورك لالتقاط صور مع قادة إسرائيليين ويهود، واصفاً سياسة أوباما في الشرق الأوسط بأنها “ساذجة ومتغطرسة وخاطئة وخطيرة”.

ولكن بعد خسارة أميركا لقدرتها على القيادة كما أظهر ذلك أوباما في خطابه، وإصرار الفلسطينيين على طلب الدولة، سارع الدبلوماسيون إلى إيجاد حل، وما تلا ذلك كان محاولة عبثية ومثيرة للشفقة، فقد كان الرهان هو مساعدة أميركا على تجنب اللجوء إلى “الفيتو” لإحباط المسعى الفلسطيني خوفاً من إثارة ردة فعل غاضبة ومعادية لأميركا في العالم العربي. ولذا تُرك الأمر للأوروبيين في تحرك أخير لإقناع الفلسطينيين بتأجيل التصويت لإنقاذ أميركا من استخدام “الفيتو” لتتمكن هذه الأخيرة بدورها من إنقاذ إسرائيل من قيام دولة فلسطينية! ومرة أخرى طُلب من الطرف الضعيف اتخاذ الخطوة الأصعب لإنقاذ الطرف الأقوى من القيام بالصواب، والنتيجة تعزيز عزلة إسرائيل، ولكن في الوقت نفسه ضمان حمايتها وبروزها أكثر فجاجة ووقاحة، وهي نهاية مؤسفة لأسبوع طويل ومرير وحافل بالمصاعب في الأمم المتحدة.

صحيفة الاتحاد الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات