الإثنين 12/مايو/2025

تدليل البجاحة الإسرائيلية

تدليل البجاحة الإسرائيلية

أقلّ ما توصف به مسالك السياسة الإسرائيلية تجاه مصر وتجاه الحقوق الفلسطينية هذه الأيام هو كلمة بجاحة. ويبدو أن هذه البجاحة التي أدمنتها حكومات “اليمين” الإسرائيلي ليست فحسب نتاجاً لتوجهات أيديولوجية تتصل بالأطماع في الأرض العربية وبتصورات الهيمنة، بل هي أيضاً نتاج لإحساس بأن التأييد الغربي وبخاصة الأميركي مضمون في أي مواجهة سياسية مع الأطراف العربية.

فلننظر في الادعاء الذي قدمه نتنياهو بأنه يقبل حل الدولتين بعد أن ظل وفياً بطريق صريحة لمبدأ حزبه “الليكود” بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة وهي “إسرائيل” إلى ما قبل عام واحد فقط.

إن لعبة نتنياهو قامت على نزع فتيل الغضب الدولي والضغط الأميركي بقبول حل الدولتين صورياً مع تفريغه عملياً بسياسة الاستيطان وفرض شروط تعجيزية مثل الرغبة في ضم غور الأردن ومطالبة الفلسطينيين بالاعتراف ب”إسرائيل” كدولة قومية للشعب اليهودي.

عندما أصاب اليأس السلطة الفلسطينية من فخ المفاوضات الذي لا يؤدي إلى أي نتيجة وقررت اللجوء إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بالدولة جاءت البجاحة السياسية الإسرائيلية على صورة إعلان بأن هذا الإجراء سيعد تصرفاً أحادي الجانب وهو ما يعطي “إسرائيل” بالمثل حق التصرف من جانب واحد بإعلان ضم كتل الاستيطان الكبرى.

لقد ذهب بعض كتاب “اليمين” أبعد من هذا عندما قالوا إنها فرصة ذهبية أن يتوجه الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة لنحل أنفسنا من اتفاقيات أوسلو ونعلن ضم غور الأردن أيضاً. المشكلة أن الأميركيين يهددون باستخدام “الفيتو” وبقطع المعونة عن السلطة الفلسطينية، ويكررون أنه لا طريق إلى الدولة الفلسطينية سوى بالعودة إلى المفاوضات، وهم يدركون أن المفاوضات إلى حدود الرابع من يونيو. أليس من حق حكومة “إسرائيل” إذن أن تتبجح وتهدد الفلسطينيين ما لم يعودوا إلى فخ المفاوضات؟

انظر أيضاً إلى تبجح السياسة الإسرائيلية تجاه جريمة اقتحام سيناء وقتل ستة جنود مصريين. لقد رفضت حكومة نتنياهو تقديم اعتذار رسمي وراحت تلقي على مصر مسؤولية تأمين الحدود لمنع عمليات الاقتحام لأراضيها وتهربت من تحمل المسؤولية بادعاء أنها تجري تحقيقاً حول قتل الجنود المصريين.

وعندما قال رئيس وزراء مصر في حديث لقناة تلفزيونية تركية إن معاهدة السلام قابلة للتعديل وإنها مفتوحة للنقاش، سارع مدير عام الخارجية الإسرائيلية “رافي باراك” في اليوم التالي للحديث باستدعاء السفير المصري في تل أبيب ووجه على مسامعه نقداً حاداً إلى كبار المسؤولين المصريين لحديثهم عن فتح المعاهدة للنقاش وطالبهم بإظهار المسؤولية في تصريحاتهم وهي عبارة شديدة البجاحة.

الغريب أن حديث د.”شرف” وحديثاً مشابهاً لوزير الخارجية المصري يتمشيان تماماً مع الفقرة الرابعة من المادة الرابعة من معاهدة السلام، التي تمنح الطرفين الحق في المطالبة بإعادة النظر في الترتيبات الأمنية.

السؤال كيف سمحت الخارجية الإسرائيلية لنفسها بهذا الخروج على الأعراف الدبلوماسية، والإجابة تحملنا إلى حالة التدليل الأميركي التي تحظى بها خاصة مع الدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية وتنافس المرشحين على إرضاء التبجح الإسرائيلي ضد كل الأطراف العربية.

صحيفة الاتحاد الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات