الإثنين 12/مايو/2025

داعيات من قرية عين ماهل…عطاء في طريق النور

داعيات من قرية عين ماهل…عطاء في طريق النور

البداية

ضيفتنا لهذا العدد هي الحاجة وجيهة عبد الرحيم أبو ليل (أم خالد)، في العقد السادس من عمرها، وقد استقبلتنا مع زوجها سعيد في بيتهما المتواضع في قرية عين ماهل، وهما يحدثان سويا أن الله تعالى لم يرزقهما بالأبناء، لكنهما يعتبران أولاد المسلمين أولادهما، وقد نذرا نفسيهما لخدمة الدعوة على اختلاف مشاربها.

تقول الحاجة (أم خالد): ولدت في قرية عين ماهل لعائلة محافظة لكنها لم تكن ملتزمة وكانت مكونة من 6 أشقاء و5 شقيقات، وفي طفولتي تعلمت في المدرسة الابتدائية في القرية حتى الصف الثامن، وانتهت بي المرحلة التعليمية نهائيا مع العلم أني كنت ناجحة جدا في المدرسة لكن والدي سامحه الله، رفض أن أكمل دراستي في مدرسة الناصرة الثانوية حيث كان يقول “أنا بنتي تركب بالباص وتروح تتعلم بالناصرة؟” وأصر على ذلك، وبذلك كان علي أن أمضي وقتي في المطبخ، وكانت هناك محاولة لأتعلم الخياطة في مشغل فتح في القرية، لكن خرجت كما دخلت، إذ لم يكن في مخيلتي أن أتعلم خياطة لأنني كنت أحب موضوع التمريض، فتركت المشغل لصالح العمل البيتي، وكما هو معلوم فإن البنت مصيرها الزواج فتزوجت من “أبو خالد” في سن مبكرة، ولم نكن ملتزمين، فهو كان لا يصلي ولا يعرف الدين وكذلك أنا كنت ألبس القصير، وفي هذه الفترة التي طالت سنين طويلة انقضت بالعلاج لأجل إنجاب الأطفال إلا إننا لم نرزق بهم، وبعد 20 سنة من الزواج توقفنا عن العلاج والحمد لله على ما أنعمه وقدره.

تجربة قاسية

تقول الحاجة أم خالد: بعد زواجي بسنتين، وكنت ما زلت ألبس لباسا غير شرعي، جاء إلينا صديق زوجي فقدمت لهما القهوة وعدت إلى المطبخ فأخذت حفنة ماء لأغسل وجهي، وما أن وضعت الماء على وجهي حتى تبدل النور عندي ظلاما فانطفأ نور عيني وأصبحت الدنيا ظلاما في ظلام مستمر، وسقطت على الأرض، فأخذ زوجي بيدي وحماتي في يدي الأخرى وأوقفاني وبدأت مسيرة علاج استمرت سنتين؛ طفت خلالهما من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب لدى أطباء العيون، لكن لم أستفد شيئا، حتى أن أحد الأطباء أعطاني دواء وقال لزوجي إن لهذا الدواء تأثيرا على الحمل فإما أن يعود نظر زوجتك أو الحمل فاختار زوجي النظر، ومع ذلك لم ينجح في إعادة نظري، وبقيت فاقدة للبصر مدة سنتين، حتى كنت ذات يوم في العيادة مع ابنة عمي لحاجة ما.

وعندما خرجت من العيادة سألتها فجأة: لماذا ينيرون مصابيح الشوارع في النهار؟ فتعجبت لأمري، وتحسست عيني وإذ بي أرى أمامي كل شيء. وعدت إلى حماتي( وهي بالمناسبة عمتي) وقلت لها إنني أراها فلم تصدق. وسألتني: ما لون ملابسي؟ وما لون كذا وكذا وأنا أرد عليها فأيقنت أن بصري عاد بحمد الله، فبدأت تزغرد، وهكذا عاد بصري فجأة كما فقدته فجأة، والحمد لله رب العالمين.

العودة إلى الله

كنت أسير في القرية بلباسي غير الملتزم فشاهدت امرأة تسير وهي ملتزمة بكامل لباسها، وقد كانت قبل ذلك تلبس مثلي فأخذت نفسي تحدثني: لم لا أكون مثلها؟ وهكذا بقيت أفكار تراودني حتى وصلت البيت فجلست لأقرأ القران، حيث كنت أحب قراءة سورة مريم، وكنت أقرأها مرتين وثلاثا في اليوم حتى حفظتها عن ظهر قلب، وقلت لزوجي: أنا أفكر بلبس اللباس الشرعي. فرد قائلا: مستحيل هذا الأمر! وبقيت أحاول معه لمدة شهر، وكنت أرى رؤىً كلها تشجعني على اللباس الشرعي، حتى أنه قال لي ذات يوم وهو يحاول ثنيي عن ذلك: “إذا لبستيه وعدت لخلعه سأطلقك”، فذهبت إلى الناصرة واشتريت الجلابيب والخمار معا ولبستهما، عندها قال لي أبو خالد: إلى أين نذهب؟فأنا لا أمشي معك”، فذهبنا إلى بيت والده، الذي كان يجلس في شرفة تطل على الشارع، ولما رآنا قال: ” من هذا المأذون القادم علينا؟”، وكان يقصدني فعدت إلى بيتي مقهورة. وواجهت صعوبات وتحديات من أهلي ومن إخوتي ولم يشجعني أحد منهم.

وتضيف: حافظت على التزامي وعبادتي في البيت حيث لم يكن عندنا داعيات، وكنا نجلس بعض الأخوات في المسجد نتدارس القرآن ونحضر المهرجانات في مختلف البلدان، وبقينا على هذا الحال حتى تخرج الشيخ عبد الناصر حبيب الله وتزوج امرأة من كفر مصر، فأصبحت صديقتي وسرنا في مشوار في الدعوة معا، وكانت تعطي دروسا في المسجد وفي الأحياء وتشجعني أكثر وأكثر للخوض في غمار الدعوة رغم أنني أنهيت الصف الثامن، وبقيت معها حتى انقسام الحركة عام 1996، حيث أكملت مشواري مع الوضع الدعوي الجديد إلى اليوم.

هكذا كان التزام الداعية “أم خالد”، وهي تطلب من الله الغفران على تقصيرها في حقه في بداية حياتها.

الدعوة النسائية

تقول الداعية أبو ليل: رغم أني أنهيت الصف الثامن لكن كان مجال الثقافة والتربية في الحركة الإسلامية مفتوحا، وقد شاركت في عدة دورات تربية وتعليم وإرشاد عند الداعيات مثل الأخت “أم معاذ”، زوج الشيخ كمال خطيب، وبفضلها بعد الله قرأت العديد من الكتب لكبار علماء المسلمين ودعاتهم مثل القرضاوي ومحمد قطب وعلي راشد وسعيد حوى وعبد الله علوان، وللحقيقة أقول إنني اكتسبت ثقافة واسعة من خلال الحركة الإسلامية وفي العمل النسائي في الحركة، كذلك لا أنسى الأخت “أم عمر”، زوج الشيخ حسام أبو ليل؛ مسؤولة الدعوة في القرية، فهي كذلك شدت من أزري.

والآن أعمل مدرسة في مدرسة “حراء” لتحفيظ القرآن، حيث أتابع 35 بنتا؛ منهن من تحفظ 3 و4 و5 أجزاء من القرآن الكريم، وكذلك أؤدي مهمة مندوبة مؤسسة “مسلمات من أجل الأقصى”، وكنت مع “صانعات الحياة” وما زلت أعمل في صندوق الألف الخيري وفي مؤسسة الصدقة الجارية، وفي المعسكرات الإسلامية، وفي مسيرة البيارق، وعضو في إدارة الدعوة المحلية، وأشارك في كل فعالية للحركة الإسلامية من مظاهرات واعتصام ومهرجانات.

خمسٌ يساوين ألفا

تحدثنا ( أم خالد) عن كيفية انضمامها إلى “صندوق الألف الخيري” فقالت: كانت إحدى الأخوات من قرية الرينة مريضة وعندما شفاها الله دعت مندوبات “مسلمات من أجل الأقصى” إلى مأدبة غداء دعي إليها رئيس الحركة الاسلامية الشيخ رائد صلاح حفظه الله، وبعد الغداء تحدث الشيخ عن صندوق الألف الخيري الذي كان قد بدأ في صفوف الرجال، وقال الشيخ إن كل امرأة تحب أن تنضم يمكن أن تدفع 500 شيكل شهريا، وهي ألف دولار في السنة، وعندما عدت إلى البيت سجلت أسمي كأول مشاركة وفي الدرس الأسبوعي تشاورت مع الأخت “أم عمر” حول فكرة أن تدفع المشتركة100 شيكل شهريا وبذلك تحصل كل 5 نساء على عضو في الألف الخيري، فأعجبتها الفكرة وطرحت ذلك في الدرس فتسجلن 15 أختا على الفور ليصبح لدينا 3 عضوات مرة واحدة، وبدأت أعمل للصندوق وأسجل أخوات حتى وصل العدد قرابة 200 أخت مشاركات والحمد لله رب العالمين.

متفرقات

تحاول الداعية أم خالد أن تتحدث عن كل شيء في المسيرة الدعوية وتقول: يعجبني كل شيء في الحركة الإسلامية، فكل مؤسساتها تعمل تحت سقف واحد وتعجبني المهرجانات التي تنظمها الحركة، فهي تجمع عشرات آلاف المسلمين في موقع واحد، وهذا يزيد من الترابط ويزيد من توصيل الرسالة إلى الناس مثل مهرجان الأقصى ومهرجان العودة، فالهدف هو الرسالة التي تصل إلى الناس وتسعدني جهود توحيد شطري الحركة، حيث سيكون المسلمون أقوى شوكة وأصلب عودا.

وتضيف: أشياء كثيرة تعجبني تختزنها الذاكرة. فمثلا كنا في اعتصام أمام سجن الرملة عندما كان الشيخ أسيرا، وتحدث الشيخ كمال الخطيب بكلمة أبكى جميع الحضور، وأحب كذلك أن أسمع دروس وخطب الشيخ حسام أبو ليل دروسا وخطب، فيما يعجبني من المشايخ العالميين الشيخ محمد حسان والشيخ وجدي غنيم، لكنني لا أحب أن أشارك في الأعراس الجاهلية وحتى في الأعراس الإسلامية تختلط فيها بعض الأمور الجاهلية، حتى أصبحت في حاجة إلى ضبط.

القدس والأقصى

وتتحدث الداعية أبو ليل عن علاقتها بالمسجد الأقصى فتقول: الأقصى هو روحي وعيوني وهو بصري، هو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولى القبلتين، كيف لا يكون كذلك ولم يتبق من يدافع عن الأقصى إلا من قال إني مسلم في هذه الديار، فمهما حصل له من اعتداءات من قبل المحتل فإننا نزداد تمسكا به ونعمره دائما. ونحن من خلال مسيرة البيارق، وبصورة دائمة نعمل على زيارته، كما شاركت في دورة إرشاد حول معالم الأقصى، فالأقصى خالص للمسلمين ولا حق لأحد في ذرة تراب فيه، وإن ما يحصل من منع المشايخ من إلقاء الدروس في ساحاته ومنع دخول الشبان في بعض الأحيان هو محاولة للسيطرة عليه وتهويده، وهذا لن يكون بإذن الله، وأدعو الله أن يعود الشيخ رائد شيخ الأقصى إلى البلاد بعد أن ينتصر على ظالميه من الانجليز، كي يواصل رفع قضية الأقصى على مائدة الدبلوماسية العالمية.

وصية وأمنية

توصي الداعية أم خالد البنات غير الملتزمات بالعودة إلى الله والالتزام باللباس الشرعي وبدين الله والدخول إلى المسجد بقوّتهن قبل أن يدخلن على عكاز أو محمولات على الأكتاف للصلاة عليهن، فطريق الجنة هي بالالتزام، وتتمنى أبو ليل أن يتحرر الأقصى والقدس والمقدسات الإسلامية.

فلسطينيو48، 19/9/2011

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات