الأربعاء 14/مايو/2025

ذلك السيناريو

ذلك السيناريو

لم يكن الهجوم الثاني على السفارة “الإسرائيلية” في القاهرة مساء يوم 9/9/2011 حادثاً عابراً، أو غير متوقع، ولذلك لم يمر من دون تداعيات ربما لم تظهر حتى الآن كلها، الأمر الذي يستدعي التوقف أمامه وترتيب مشاهده التي لم تبدأ مساء ذلك اليوم، لعل هذا يساعد على فهم تداعياته.

الحديث عن هذا الهجوم يفرض العودة إلى الهجوم الأول، وقبله إلى يوم الخميس 18/8/2011، عندما لاحق جنود الجيش “الإسرائيلي” وحدة عسكرية مصرية على أرض سيناء وقتلوا من أفرادها ضابطاً وأربعة جنود (توفي الجندي السادس متأثراً بجراحه يوم السبت 10/9/2011). على إثر ذلك الاعتداء كان لمصر ثلاثة مطالب من أجل تجاوزه: تقديم اعتذار “إسرائيلي” رسمي، وتعويض عائلات الشهداء، والتعهد بعدم تكرار ما حدث. الحكومة المصرية قررت في البداية سحب السفير المصري في تل أبيب، ثم سحبت القرار، والحكومة “الإسرائيلية” لم تُقْدم على تنفيذ أي من المطالب المصرية الثلاثة، نتيجة لذلك شعر المصريون بالإهانة، وتذكروا أنهم خرجوا إلى الشوارع والميادين دفاعاً عن كرامتهم، الإنسانية والوطنية، فكظموا غيظهم في انتظار ما ستفعله حكومتهم. في الأثناء، بنت السلطات المصرية سوراً أسمنتياً لحماية السفارة “الإسرائيلية”، بدلاً من متابعة مطالب الشعب.   

كانت ائتلافات شباب الثورة وعدة أحزاب وحركات سياسية قد دعت إلى مليونية يوم الجمعة 9/9/2011 سمتها (جمعة تصحيح المسار)، وكان الجميع، داخل مصر وخارجها، في انتظار هذا اليوم. بين المنتظرين كانت مجلة (فورين بوليسي- 7/9/2011) الأمريكية الشهيرة والنافذة التي نشرت مقالاً لأحد كتابها يقول: ستظهر هذه المظاهرة أيهما الأقوى، ميدان التحرير أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة. نجح الداعون إلى المظاهرة في حشد عشرات الآلاف الذين وصلوا إلى الميدان ومعهم جملة من “الانتقادات الحادة إلى المجلس العسكري ووزارة الداخلية، مؤكدين أنهما يريدان سرقة الثورة من خلال شق الصف بين القوى السياسية والشعبية التي قامت بالثورة، رافعين لافتات نددوا فيها بالمحاكمات العسكرية للمدنيين، مطالبين بمحاكمة رموز النظام السابق في الصحافة والاقتصاد، وهدم السور الذي بني أمام السفارة “الإسرائيلية”” (المصري اليوم- 10/9/2011).

عصر يوم الجمعة، توجهت مسيرة من ميدان التحرير إلى موقع السفارة “الإسرائيلية” بالجيزة، انتهت بإنزال العلم “الإسرائيلي” عن مبنى السفارة (للمرة الثانية)، ووقوع اشتباكات مع الشرطة وقوات الأمن المركزي. في اليوم التالي، “تبرأت القوى الثورية والسياسية من أحداث اقتحام السفارة “الإسرائيلية”، ومن الاعتداء على مديرية أمن الجيزة، واتهمت فلول النظام السابق والسلطة الحالية وأمريكا و”إسرائيل” وبعض الدول العربية بالوقوف وراءها لتشويه صورة الثورة. واستنكر خبراء ومحللون الغياب الواضح للداخلية عن بداية الأحداث وصمت المجلس العسكري بعد وقوعها، حيث ظهرت قوات الأمن متأخرة واستخدمت قنابل مسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين وامتدت الاشتباكات إلى الشوارع المحيطة بالسفارة… ورفض الدكتور أحمد دراج، المنسق المساعد بالجمعية الوطنية للتغيير، تحميل الثوار مسؤولية ما جرى، متهماً فلول النظام وجهات أجنبية وعربية بالضلوع في الأحداث. وفي مؤتمر صحفي (عقدوه يوم 10/9)، أكد ممثلو ائتلافات شباب الثورة أن الأمن والشرطة ظلا غائبين عن الأحداث لمدة 3 ساعات. واستنكرت أحزاب الوفد والتجمع والجبهة والتحالف الاشتراكي والمصري والديمقراطي الأحداث مشيرين إلى أنها ترجع إلى استفزاز الجدار العازل. (المصري اليوم- 11/9/2011).

يوم السبت 10/9/2011، بث التلفزيون المصري بياناً أدلى به وزير الإعلام أسامة هيكل، أعلن فيه أن “المجلس العسكري قرر تفعيل قانون الطوارئ واتخاذ إجراءات رادعة ضد المظاهرات التي تعطل حركة العمل، وتطبيق قانون الطوارئ للحفاظ على الدولة وهيبتها… وأن المجلس الأعلى انتهى إلى ضرورة إحالة المقبوض عليهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ، وتمت إحالة 38 شخصاً من مثيري الشغب إلى نيابة أمن الدولة العليا”. وناشد وزير الإعلام جميع القوى السياسية والإعلامية تحمل مسؤوليتها أمام ظاهرة الانفلات الأمني والأخلاقي، مؤكداً أن ما حدث كان خروجاً على القانون ولا يمكن وصف المشاركين في الأحداث بأنهم شرفاء…” (المصري اليوم- 11/9/2011).

في السياق، كان من المفروض أن يدلي كل من المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان يوم الأحد 11/9 بشهادتيهما في محاكمة حسني مبارك بخصوص مسؤوليته في قضية قتل المتظاهرين، لكنهما اعتذرا عن ذلك لعدم تمكنهما من القيام بذلك بدعوى انشغالهما بسبب “الظروف الأمنية في البلاد”. وكان هناك من رأى أن ما حدث ربما كان مخططاً له بهدف صرف النظر عن مطالب (جمعة تصحيح المسار) الناجحة. وأيضاً، من ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك… أحمد الصاوي، كتب في صحيفة (الشروق- 12/9/2011): “لم تبذل الدولة ما يمليه عليها واجبها في حماية السفارة، وأغرت الغاضبين الثائرين الذين زاد غضبهم التخاذل الرسمي عن رد الإهانة “الإسرائيلية” بالمضي قدماً. ربما كان كل ذلك مقصوداً، ليس لدي دليل واحد على ذلك، لكن وفق المعطيات العامة هناك انفلات في الشارع قابله تواطؤ وتخاذل رسمي كان يرغب في إنتاج هذه الصورة بكل تأكيد…”. أما مرشح الرئاسة المحتمل، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، فصرح على صفحته الشخصية على “تويتر”، رافضاً بشدة الإجراءات الأمنية الاستثنائية التي تمثلت في إعادة تفعيل قانون الطوارئ، وعبّر عن خشيته من أن تكون تلك الإجراءات “جزءاً من سيناريو معد سلفاً للالتفاف على الثورة”، محذراً السلطة الحاكمة من المضي قدماً في هذا المسلك، مضيفاً: “أرجو أن يعلم الجميع أن الشعب المصري لن يسمح بتمرير مثل تلك السيناريوهات ولن يسمح بإجهاض ثورته تحت أي مبرر” (الشروق- 12/9/2011).

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...