الثلاثاء 13/مايو/2025

إسرائيل تصدّر أزمتها

إسرائيل تصدّر أزمتها

القاسم المشترك الأعظم بين “الإسرائيليين” جميعاً هو العداء للفلسطينيين والعرب، فهذا الشعار يوحدهم، ويغطي على التناقضات الداخلية بين جماعاتهم الإثنية، التي تحدد مدى الحقوق المدنية والاجتماعية التي تتمتع بها هذه الفئة أو تلك من اليهود الغربيين (الأشكناز)، مقارنة مع الفئات الأخرى من اليهود الشرقيين (السفارديم).

أيضاً فإن هاتين الفئتين تنقسمان إلى جماعات تعتمد على الدولة/الدول التي جاءت منها هذه الجماعة أو تلك، فاليهود الأمريكيون والأوروبيون على رأس كل الفئات والجماعات اليهودية من زاوية الحقوق التي يتمتعون بها، مقارنةً مع الذين جاؤوا من دول أوروبا الشرقية، وهكذا دواليك في متتاليةٍ لا تنتهي من الفوارق التي تؤجج نار الصراعات الداخلية في الشارع الصهيوني. هذا إلى جانب التناقضات الطبقية القائمة في “إسرائيل”، وما تسببه من ظواهر انقسامية: اقتصادية، اجتماعية، إثنية.

لكل ذلك وعندما تطفو هذه الفوارق والإشكالات على السطح ويجري التعبير عنها في مظاهر احتجاجية كالأحداث الأخيرة التي تشهدها “إسرائيل” مؤخراً، من اعتصامات واحتجاجات ومظاهرات عارمة احتجاجاً على الغلاء في أسعار المواد الحياتية، وعلى ارتفاع أسعار السكن للشقق والبيوت، وارتفاع أجرتها، وعلى انخفاض الأجور لقطاعات مهنية عديدة، إضافة إلى اختلافات سياسية في واقع الدولة الصهيونية، كلما بانت هذه القضايا حراكاً تلجأ الحكومة “الإسرائيلية” المعنية إلى تصدير هذه الأزمة من خلال التركيز على الخطر الفلسطيني العربي المحيق بالدولة الصهيونية والمهدد لوجودها، وهكذا دواليك من الشعارات الرنانة حول الصراع مع الأعداء العرب.

لجأت “إسرائيل” إلى هذه السياسة منذ نشأتها وحتى اللحظة، وكانت قادرة دوماً على تصدير أزماتها المختلفة، من خلال الحروب العدوانية والاعتداءات التي تشنها، ومن خلال المجازر التي تقترفها، وبخاصة أن هذه السياسات تتواءم مع جوهر وجودها.

استغلت “إسرائيل” ولا تزال عملية إيلات الأخيرة في القصف المستمر لقطاع غزة وقتل وجرح العشرات من الفلسطينيين، واستغلت إطلاق الصواريخ البدائية على مدينة عسقلان وغيرها من المواقع في النقب. ومؤخراً تتطلع سلطات الاحتلال لإبعاد 384 شخصية مقدسية بذريعة نشاط هذه القيادات في أوساط الفلسطينيين وتحريضهم للتصدي لمخططات الاحتلال التهويدية والاستيطانية. فوفقاً لما ذكرته الصحف والأنباء فإن وزير الأمن “الإسرائيلي” يتسحاق اهرونوفيتش أوصى الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية لتكون على أهبة الاستعداد وعدم التردد بإبعاد الشخصيات التي تواصل – وفق وصفه – نشاطها التحريضي ضد “إسرائيل”.

تسعى سلطات الاحتلال عبر هذه الإجراءات لقمع المقاومة الشعبية في القدس المحتلة، فهي تعتمد الإبعاد سلاحاً للنيل من القيادات، في محاولة منها لتصفية نضال المقدسيين، حيث أصدرت العام الماضي عشرات أوامر الإبعاد بحق العديد من القيادات أبرزها: نواب القدس المعتصمون بمقر الصليب الأحمر منذ العاشر من يونيو/ حزيران الماضي.

 “إسرائيل” كثفت الاستيطان مؤخراً في مدينة القدس وضواحيها وفي الضفة الغربية، في محاولة واضحة لاستباق مبادرة السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة في 20 سبتمبر/ أيلول الحالي لانتزاع الاعتراف الدولي بدولة فلسطين على حدود عام 1967، هذه القضية تستغلها “إسرائيل” في التعبئة الداخلية ل”الإسرائيليين” من أجل تصدير أزمتها بل أزماتها الكثيرة، فهي تصور الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية وكأن ذلك بداية لنهاية “إسرائيل”، في الوقت الذي يدرك فيه القاصي والداني صعوبة تحقيق هذا القرار (في حالة صدوره) واقعاً على الأرض.

 “إسرائيل” تنتقل من هذه الأسطوانة إلى قضية خطر الأسلحة السورية على أمنها، وإلى الخطر الذي تشكله إيران في حالة مضيها في برنامجها النووي، رغم تأكيد الأخيرة أن هذا البرنامج هو للأغراض السلمية. “إسرائيل” تتحدث أيضاً عن الخطر الذي يشكله الجيش المصري على أمنها وبخاصة بعد التغيير الذي جرى في الدولة الأكبر على المستوى العربي، بالرغم من إعلان المجلس العسكري الأعلى تمسكه بكافة الاتفاقيات الدولية التي سبق أن وقعتها الحكومات المصرية السابقة.

 “إسرائيل” وفي محاولة أخرى على طريق تصدير أزماتها المختلفة، تؤكد الخطر الذي تشكله أسلحة المقاومة الوطنية اللبنانية على وجودها، رغم أن لبنان وعلى مدى تاريخه لم يقم بشن حرب عليها، بل هي التي بادرت إلى حروبها التي شنتها على لبنان في عام 1982 واحتلت على أثرها الجنوب اللبناني ووصلت إلى بيروت، وحرب عام 2006 بهدف القضاء على سلاح المقاومة.

التهديدات على ألسنة القادة السياسيين والعسكريين “الإسرائيليين”، لم تأت من فراغ، فإذا ما استمرت الأزمة في “إسرائيل” فهي بالحتم ستعمل على المزيد من أجل تصديرها عبر حروب جديدة على الفلسطينيين والعرب

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات