العنصرية الصهيونية المتصاعدة ضد عرب الداخل

وفي هذا السياق، جاءت التجربة العنصرية في جنوب أفريقيا، وتشابهها أو اختلافها مع التجربة العنصرية الإسرائيلية المستمرة في فلسطين، لتشكل موضوعاً للبحث والتأويل بخصوص التشابهات والجوامع المشتركة، بل والمقولات التبريرية المدعاة سواء كانت تاريخية أو عرقية أو دينية. ومع استمرار انسداد الأفق لتسوية سياسية وإغلاق حكومة اليمين الإسرائيلي الاستعمارية/ “الاستيطانية” بزعامة نتنياهو الطريق أمامها، وفي ظل ترسيخ هذه الحكومة، عمليّاً، لنظام “آبرتايد” عنصري يحرم الشعب الفلسطيني حقه في الحرية والاستقلال الوطني، وتعالي أصوات عالمية أدركت ألا مجال لاستتباب الأمن إلا عبر إيجاد تسوية سياسية للقضية الفلسطينية.
كشفت صحيفة “هآرتس” النقاب عن الوثيقة الإسرائيلية الهادفة للاستيلاء على أراض في الضفة الغربية لتمزيقها ومنع التواصل الجغرافي لدولة فلسطينية مستقلة، حيث كانت “الإدارة المدنية” الإسرائيلية قد أعدت وثيقة تنظم ملكية الاحتلال للأراضي المحاذية للتجمعات “الاستيطانية”، مثل غوش عتصيون، وأريئيل، ومعاليه أدوميم، وفي مناطق استراتيجية في الأغوار وشمال البحر الميت.
ومعروف أن هذه الممارسات، مع ضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، ستمنع التواصل الجغرافي لأي دولة فلسطينية، وستحول دون إمكانية لتبادل للأراضي، الأمر الذي يفشل -عمليّاً- اقتراح أوباما بإقامة الدولة الفلسطينية في حدود 67، طبعاً مع تبادل متفق عليه للأراضي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
لقد باتت ممارسات الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة أمراً مألوفاً، وهي مرشحة لأن تشهد نموّاً وتصاعداً. ففي مقال كاشف يقول الكاتب “بوعز أوكون” في “يديعوت أحرونوت”: “ليس كلمح البصر ولا بشكل فوري، بل بانجراف متواصل، نحن نفقد حدود المسموح والممنوع. العادة السيئة تصبح طبيعة ثانية وحقوق الإنسان تُداس بمعاذير فظة لاعتبارات الأمن التي ليست سوى غطاء لاعتبارات ديموغرافية هدفها تشويش الحقيقة الفظيعة في أن سياسة من قبيل الأبرتايد تحظى منذ الآن بشرعية كاملة.
كذا حصل الآن في الخليل”. ويختم: “الأبرتايد كالمرض. فهو يبدأ صغيراً. ويبدو أن الجرثومة باتت موجودة هنا. هذا إضافة إلى المؤشرات الأخرى: تشريع ضد منظمات حقوق الإنسان، محاولة إسكات خطوات احتجاج شرعية، والأجواء العامة لـ«إما أنك معنا أو ضدنا»، كلها تدل على أن المرض يستشري”.
والمتابع للمزاعم الإسرائيلية، وخاصة تلك المتعلقة بقوانين الأرض والسكان، يدرك الرغبة الإسرائيلية في إنجاح حل/ خطة التفرقة العنصرية. ومن أبرز أدواتها جدار الفصل العنصري الذي يتكون من سلسلة من الحواجز تمتد على طول ما يسمى “الخط الأخضر” (حدود خط الهدنة بين 48-1967). والجدار هو جدران إسمنتية ارتفاعها ما بين مترين وثمانية أمتار، وأسلاك شائكة، وسياج مكهرب، ونقاط مراقبة إلكترونية مزودة بأجهزة إنذار مبكر، بالإضافة إلى منطقة عازلة على طول “الخط الأخضر” بعمق ما بين 2 إلى 10 كيلومترات، وتصل في بعض المواضع إلى 20 كيلومتراً، ويبلغ طول الجدار بأكمله 648 كيلومتراً! وبذلك، يصبح الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد، بعد انتهاء سياسة العزل العنصري في جنوب أفريقيا، الذي يعيش في معازل أقرب إلى السجون ومحروم من التنقل داخل أرضه.
وبسبب “الخطر الديموغرافي الفلسطيني”، نجد ما هو أخطر من هذا كله. فمثلًا، يضع “آلون مروم” سيناريو -يستعيره من تهجير الصهيونيين للفلسطينيين في 1948- يراه قابلًا للتطبيق فيقول: “الخياران هما نظام الأبرتايد العنصري، أو الكوكتيل اللبناني. سنقلب ونقلب المسألة: لا حاجة إلى إضاعة الوقت في تخطيط أصيل للترحيل. كل شيء جاهز في أرشيف الجيش الإسرائيلي. ببساطة ما علينا غير نفض الغبار عن الخطة «د» لقوات الهغناة (المطبقة في 1948): بداية نطرد القرى حول محاور السير الرئيسة في المناطق، بدعوى أن من شأنها أن تساعد الجيوش العربية التي قد تغزو!
ومن المحاور، نواصل إلى مناطق الحدود في ظل استخدام ذات الحجة. في هذه الأثناء تقام وحدات شبه عسكرية من أفضل «فتيان التلال» وقدامى التنظيمات السرية اليهودية وترسل إلى مهمات ردع في القرى المتبقية. وإذا ما ذبحوا قليلًا، لا بأس، فإن أيدي الجيش الإسرائيلي لن تسفك الدماء. الفزع الذي سيعربد في أوساط باقي الفلسطينيين سنغذي ناره، سنبعث بمبعوث لكل مختار يهمس في أذنه بأن وحدات المتطرفين اليمينيين تشق طريقها إليه. وعندما يهرب السكان، مرة أخرى لن تكون أيدينا ملوثة بهذه الفعلة”!
إزاء هذه المخاطر، يبرز سؤال: ما العمل؟ ربما نختار نهجاً اختاره كل من “بنغاني نجيليزا” من جنوب أفريقيا، و”أدري نيوهوف” من هولندا، اللذان استخلصا من دراستهما عن جنوب أفريقيا أنه: “على مدى أكثر من ثمانية عقود، خاض «المؤتمر الوطني الأفريقي» تجربة كفاحية متواصلة وشاقة من أجل الحرية والديمقراطية في جنوب أفريقيا.
وهذه التجربة الكفاحية الغنية، التي تتوجت في النهاية بالانتصار على نظام الفصل العنصري «الأبارتايد»، تحتوي على الكثير من الدروس المهمة والملهمة، خاصة بالنسبة لنضال الشعب الفلسطيني ضد النظام الاستعماري- الاستيطاني- العنصري في فلسطين (الأبارتايد الإسرائيلي). وأهم ما يمكن أن تقدمه هذه الدروس للكفاح الفلسطيني يكمن في إلهام الفلسطينيين لاستكشاف وبلورة استراتيجيات جديدة للنضال.
ولعل إحداها تتمثل في التفكير بضرورة إعادة النظر في كيفية إعادة بناء منظمة التحرير وهيئاتها الوطنية وبرنامجها الوطني؛ كحركة سياسية تمثل الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وتعيد تنظيم الكفاح الفلسطيني والسير به قدماً لتحقيق أهدافه”.
أو ربما نختار نهجاً آخر، نابعاً من وحي الانتفاضات السلمية العربية وغير العربية التي تنادي -لاعتبارات عسكرية لا تخفى على أحد- بانتفاضة “شموع” وليس بانتفاضة “دموع” أي انتفاضة شعبية سلمية شاملة. غير أن الأمر الواضح هو أنه -أمام هذين النهجين- لا يمكن ولا يجوز لنا -فلسطينيين وعرباً- أن نبقى في موقف المتفرق/ المنقسم/ المتفرج على ما تقترفه إسرائيل ضد الفلسطينيين وعموم العرب!
الاتحاد، 2/9/2011
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...