الثلاثاء 13/مايو/2025

مصادفة وتذكير

مصادفة وتذكير

“إسرائيل” لا تترك أمراً للصدفة كما يقول كثيرون، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنها ستنجح على الدوام في وضع مسار الأحداث والوقائع كما تريد، ولعل ما نراه من هجومها الضاري على توجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن الدولي أواخر هذا الشهر، لطرح مشروع قرار اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية على حدود الأراضي المحتلة عام 1967، يشي بحجم المخاوف “الإسرائيلية” ليس من الخطوة بحد ذاتها، بل من تبعاتها وآثارها على مركزها وصورتها على الصعيد الدولي.

المؤشرات على التباس الموقف “الإسرائيلي” أمام ما يحدث أو سيحدث بالغة الوضوح، وليس أقلها أهمية، ما بدأنا نسمعه ونقرأه من آراء متباينة على مستوى كبار قادة الكيان، الذين باتوا يضربون أخماساً بأسداس، ما يدل على خوفهم من الخسارة، بل وترجيحهم إياها في بعض الأحيان، ومن ذلك ما صرحت به السفيرة السابقة للكيان لدى الأمم المتحدة غابرئيلا شاليف، من أن موقع “إسرائيل” على الصعيد الدولي، وفي المنظمة الأممية تحديداً بات “في الحضيض”، إضافة إلى ما دقت نواقيس الخطر حياله من إمكانية تحول النظرة العالمية لكيانها المحتل إلى اعتباره “نظام أبارتهايد”، كما كانت جنوب إفريقيا في ذروة عنصرية النظام. ناهيك عما زعمت أنه إمكانية تخلي الولايات المتحدة عن دعم “إسرائيل” بالفيتو المفروغ منه.

ومع أنه لا مجال لاختلاف عاقلين على أن منطق العلاقات الدولية، وتحديداً العلاقة الأمريكية “الإسرائيلية”، يؤكد ألا مجال لتصويت أمريكي بغير اتجاه “الفيتو”، وألا مؤشراً على المدى المتوسط على الأقل لتراجع زخم العلاقة، إلا أن حديث هذه المسؤولة التي لم توفر وسيلة في المنظمة الدولية لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وانتهزت كل سانحة لتصمهم بأبشع الصفات وتكيل لهم الاتهامات ب “الإرهاب” وتهديد أمن الكيان، يكشف حجم الخوف “الإسرائيلي” من انقلاب الأوضاع ضد مصالح وصورة الكيان في العالم.

على الجانب الفلسطيني، تبدو المصادفة العجيبة بين رقم المقعد المأمول للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، التي ستغدو الدولة رقم (194)، في المنظومة الدولية، ورقم القرار الأممي الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجّروا منها، وديارهم التي سلبتها عصابات الصهيونية العالمية، مرتكبة أبشع الجرائم والمجازر بحق شعب بأكمله، ذات دلالات تتجاوز الصدفة الصرفة إلى نذير وتذكير للعالم بشكل عام والفلسطينيين على وجه الخصوص، بهذا الحق الثابت غير القابل للمساومة ولا السقوط بالتقادم.

فأية دولة كانت ستكون بلا طعم ولا لون ولا رائحة، وبلا معنى من دون شعبها، من دون مواطنين يحملون جنسيتها، ويرفعون ألوان علمها، وستكون منقوصة العناصر إذا اجتزأ هذا الشعب أو حرم جزء منه أو معظمه من حقه الثابت في أرضه وبيته، والعودة إلى وطنه حينما يشاء، من دون شروط أو قيود، من دون مساومة تضع على كفتي الميزان العودة في كفة والحرمان من الأرض في الأخرى.

معركة الفلسطينيين على مستوى الدبلوماسية الدولية لن تقف عند مشروع الاعتراف بدولتهم التي أقرت بوجودها الشرعية الدولية منذ عقود طويلة، فمن بعدها تبدأ المسيرة الأصعب نحو إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والعودة إلى الديار، ومجابهة الحرب “الإسرائيلية” المفتوحة على مختلف الجبهات، سواء كانت على مستوى التغول الاستيطاني المستعر، الذي يواصل نهب أراضي الفلسطينيين وبناء المستعمرات عليها، والحرب المفتوحة حصاراً على قطاع غزة، وتقطيع أوصال الضفة الغربية المحتلة، وغيرها من ضروب العدوان، ما يؤكد حاجة الفلسطينيين إلى الإسراع في توحيد أنفسهم ولم شتاتهم، ووضع برنامجهم الوطني الموحد واضح الرؤية والبوصلة، وعدم الاعتماد على مصادفة قد لا تأتي أبداً.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات