الأحد 11/مايو/2025

كابوس عسكري صهيوني في ليلة صيف

كابوس عسكري صهيوني في ليلة صيف
أصيبت إسرائيل العام 1969 بركود اقتصادي. ودفعت الخيبة واليأس إلى نشوء موجة هجرة من البلاد، أو على الأقل إلى موجة من الحديث عن الهجرة. كما أن روح العجز قادت إلى خلق ونشر كمية من النكات التي توجهت أساساً ضد رئيس الحكومة، ليفي أشكول. واحدة منها تحدثت عن أنه تم تعليق لافتة في مطار اللد: «على آخر من سيغادر أن يطفئ الأنوار». ولكن خلال أقل من عام خرجت إسرائيل من الركود، وحلّ مكان الأزمة الاقتصادية ازدهار ومكان الإحباط فرح وبهجة.

كان سبب هذا التغيير حرب الأيام الستة. ليس هناك البتة أي ذرة إثبات على أن القيادة السياسية في إسرائيل كانت لها مصلحة في شنّ الحرب. بل إن معظم الوثائق التاريخية لتلك الفترة تثبت أن إسرائيل لم تخطط لشن الحرب، وأنها فوجئت لدرجة الشلل من خطوات الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي أدخل جيشه إلى شبه جزيرة سيناء، وانتهك اتفاقاً مبرماً وسرّع تصعيداً قاد إلى الحرب.

ولكن بعد حرب الأيام الستة أطلقت رغم ذلك تقديرات وأثيرت اتهامات بأنه كانت للقيادة السياسية مصلحة في تسخين الحدود مع سوريا بسبب أعمال تحويل مصادر نهر الأردن التي قامت بها دمشق، ومن أجل صرف الأنظار عن الركود في إسرائيل. ومن تمسك على وجه الخصوص بهذه الاتهامات كان المعلقون والخبراء العرب. وكتب المحرر الأسطوري لصحيفة «الأهرام» في عهد عبد الناصر، محمد حسنين هيكل، في مناسبات عدة أن القيادة الإسرائيلية تعدّ لمغامرة عسكرية كلما وقعت أزمة داخلية.

وفي التاريخ المعاصر وقعت حروب أحدثت ازدهاراً اقتصادياً وحرفت النقاش عن مشاكل كانت تضر بالسلطة. والولايات المتحدة خرجت من الأزمة الاقتصادية الكبرى ليس بسبب «الصفقة الجديدة» لرئيسها، فرانكلين روزفلت، وإنما أيضاً بسبب الحرب العالمية الثانية التي زادت من قدرة الاقتصاد الأميركي الانتاجية. وفي الأسابيع الثلاثة التي مرت على انطلاق ثورة «الشعب يريد العدالة الاجتماعية»، قلة فقط تجرأت على الإعراب عن خشيتها من احتمال قيام رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بإحداث أزمة أمنية، مثل تسخين الحدود الشمالية أو شن عملية ضد حماس، من أجل الإفلات من الضغوط. وبين هذه القلة عضو الكنيست زهافا غالئون (ميرتس)، التي قالت مثل هذا الكلام ليوسي فيرتر في «هآرتس» الأسبوع الفائت.

وثمة تلميح آخر يمكن ملاحظته في أقوال الوزير سيلفان شالوم هذا الأسبوع في مقابلة تلفزيونية، حتى إذا لم يقصد ذلك. فقد ذكر شالوم أن أحد أسباب نشوب الاحتجاجات يكمن في الهدوء الأمني السائد في السنوات الأخيرة والذي يسمح للجمهور بالتركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وكل من يؤمن بنظرية المؤامرة، يمكنه أن يستخلص من أقواله أن هذا الهدوء قد يكسر بين عشية وضحاها، بشكل يقود إلى اضمحلال الاحتجاج وعودة الأجندة الأمنية المحبوبة، المعروفة والمريحة كثيراً لحكومات إسرائيل. غير أن شالوم نطق بالموقف المعروف لمعظم وزراء الحكومة – كمعلق ومراقب محايد، لا يتحمل أية مسؤولية – وليس تحديداً كمعبر عن سياسة.

إن خيار العملية العسكرية المبادر إليها يسمع حتى في الغرف المغلقة، في الأحاديث الخاصة وحتى في المهرجانات الحاشدة أيام السبت في تل أبيب. فالسيناريو الأسهل والأريح، والذي يحظى بتعاطف جماهيري، لا يتمثل في عملية عسكرية وإنما بصفقة للإفراج عن جلعاد شاليت، وهي الصفقة التي عارضها نتنياهو جداً، أو للدقة، عارض الثمن المطلوب من إسرائيل دفعه مقابلها. وأيا تكن الحال، من الواضح أن الخشية من مغبة فعل مغامر كوسيلة لصرف الأنظار عن إخفاقات الحكومة في الميدان الاجتماعي تشهد أولاً وقبل كل شيء على أن نتنياهو فقد ما تبقى من ثقة الجمهور به. والتقدير السائد كان أنه «مؤهل لفعل أي شيء» من أجل الخروج من الخطر الذي يتهدد حكمه.

وفي أساس هذه التقديرات توجد سابقة من الماضي: قرار اغتيال خالد مشعل من تنظيم حماس العام 1997، أثناء ولاية نتنياهو السابقة كرئيس للحكومة. صحيح أن الهدف كان الثأر وليس صرف أنظار الجمهور عن قضايا أخرى، ولكن هذا الحادث يمكنه أن يشير إلى أنماط سلوك نتنياهو، الذي يمكن أن نستخلص منه سلوكه الراهن.

لقد أمر نتنياهو بتنفيذ العملية ضد مشعل إثر العمليات التي نفذتها العام 1997 منظمات إرهابية فلسطينية في القدس. وعمليا، استخدم كامل ثقله. ويتذكر أحد الضالعين في اتخاذ القرار حينها أنه «فعلاً طلب العملية». وبحسب شهادات فإن رئيس الحكومة لم يستشر حينها لا رئيس الشاباك، عامي أيالون، رئيس شعبة الاستخبارات موشي يعلون ووزير الدفاع اسحق مردخاي. ولحسن حظه، فإن نتنياهو وجد حينها أذناً صاغية لدى رئيس الموساد الجديد والعديم الخبرة، داني ياتوم الذي أراد إرضاء سيده وكي يثبت لقادة الموساد، أنه يستحق المنصب. والنتيجة كانت قراراً عديم المسؤولية باغتيال مشعل، الذي كان حينها في منصب ليس الأعلى نسبياً في حماس في الأردن.

صحيح أن نتنياهو مسؤول عن الفشل، غير أنه له شركاء في مقدمتهم ياتوم (الذي كان بوسعه كبح جماح رئيس الحكومة)، وعدد من قادة الشعب في الموساد، الذين لم يعارضوا العملية المغامرة، رغم أنها تهدد العلاقات الاستراتيجية الخاصة مع الأردن.

وسبب إضافي للخشية البادية هذه الأيام يعود لعدد من سمات رئيس الحكومة. فهو يعتبر شخصاً متسرعاً، قليل الإتزان، من النوع الذي يغير قراراته (وإن ليس قناعاته الأساسية) وهو لا يدخر وسعاً لخداع الجمهور. وربما أن بالوسع العثور على هذا البعد في شخصية رئيس الحكومة في التصريحات المعاندة لرئيس الموساد السابق، مئير داغان، الذي سعى لتحذير الجمهور من الخطر الكامن في مهاجمة نتنياهو، و/أو وزير الدفاع إيهود باراك لإيران.

ومع ذلك فإن لنتنياهو أيضاً سمات يمكن أن تبعده عن المغامرة العسكرية: فهو يعتبر زعيماً متردداً، لا ينزل للتفاصيل، وهو فوق كل شيء يخشى من تحمل المخاطر. لذلك فإنه في ميزان تحليل المخاطر والفرص، فإن احتمال إقدام رئيس الحكومة على محاولة المبادرة لعملية عسكرية يبدو ضعيفاً جداً.

وفي كل حال، فإن القرار بعملية الحسم في المجلس الوزاري أو على الأقل في الهيئة السباعية، وليس مستبعداً أن الوزراء المتزنين أمثال دان ميريدور وبني بيغين سيعارضون ذلك. كما أن رئيس الأركان، وجنرالات الجيش، رئيس الموساد ورئيس الشاباك لن يسمحوا لنتنياهو باستخدامهم وقيادة خطوة كارثية من أجل المحافظة على كرسيه. يمكن الافتراض أن رئيس الحكومة يفهم أنه يصعب معرفة كيف ستنتهي خطوة عسكرية كهذه. فالخطر الأكبر من ناحيته، أو من ناحية أي وزير آخر يتسلى بفكرة شن عملية عسكرية كمخرج من الأزمة، هو أنه إذا انكشف الأمر فإنه سوف يتعرّض لاتهام بمغامرة عديمة الأثر وبالمسؤولية عن مقتل الشبان.

وهذه الخشية وحدها، ربما تكفي لردع رئيس الحكومة. فضلاً عن ذلك فإنه على الدوام يأمل أن يندثر الاحتجاج من ذاته أو بسبب حر آب، أو أن العرب يثبتون مرة أخرى أن بالوسع الركون إليهم وارتكاب كل الأخطاء الممكنة التي تنقذ رئيس الحكومة المقيم حالياً بين ضائقتين. ولم نذكر أيلول بعد.

هآرتس، 10/8/2011

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات