الأربعاء 14/مايو/2025

إسرائيل و«الاستثمار في مجاعة»

إسرائيل و«الاستثمار في مجاعة»

تفاقمت أزمة الجوع في الصومال إلى درك شديد الإيلام. وعن ذلك كتب بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة، مقالاً حشد فيه معلومات وأخباراً، مستقاة من شهود عيان، تقطّع نياط القلب.

ومما أورده كي مون ومتابعون آخرون عن كثب، كدنا نعاين مشهد اللاجئين الصوماليين المتهالكين يسوقون ماشيتهم الضامرة العجفاء، ويتساقطون إعياء وموتاً وهم في طريقهم على أمل النجاة إلى كينيا وإثيوبيا.. ومشهد الأيتام الذين يتيهون وحدهم في قفار أرض غريبة عنهم، بعد وفاة والديهم عطشاً وجوعاً.. ومشهد الأسر التي تحترق قلوبها وهي ترى أطفالها يتضورون جوعاً إلى الموت واحداً تلو الآخر، دون أن يملكوا لأسباب الموت دفعاً…

ومشهد حليمة عمر “التي كانت ذات حين من الأغنياء، وأمست بفعل قسوة الجفاف لا تجد ما يطفئ ظمأها أو يسد رمقها. وقد انتقل أربعة من أولادها الستة أمام ناظريها إلى الرفيق الأعلى، فانفطر فؤادها حزناً…”، ومن ذا الذي يقوى على ذلك، حتى وإن كان من أولي العزم؟

الصومال ذات الثمانية ملايين نسمة هي اليوم؛ بعد خمسة عقود من الاستقلال وسبعة وثلاثين عاماً من عضوية بيت العرب الكبير (الجامعة العربية)، تعد من أفقر بلاد الدنيا.. بحيث لا يتوقع للإنسان عند الولادة أن يبلغ السنة السادسة والأربعين عمراً، وتصل نسبة الأمية بين سكانها إلى 75%. ولأن 70% من هؤلاء السكان يحترفون الزراعة وتربية الماشية التي تدر 65% من الدخل الوطني، فإن موجة الجفاف الراهنة، وهي الأقوى خلال الخمسين سنة الأخيرة، تهدد بإبادة ثلثي الصوماليين عن بكرة أبيهم!

حين التحقت الصومال بالجامعة العربية عام 1974، تساءل بعض أدعياء الغيرة على العروبة عن حاجة العرب ونظامهم الإقليمي إلى دولة لا تضيف إلى قوتهم، وقد تكون عبئاً مضافاً عليهم. حدث هذا بلغة استعلائية، مع أن الفقر والغنى ومعدلات الأمية والتعليم ومستوى التقدم والحداثة، ليست من معايير الالتحاق بهذه المؤسسة القومية. ويبدو أن رؤية هؤلاء المستكبرين بغير الحق، هي التي سادت ولا تزال إلى ساعتنا، وإلا لما تعرض هذا البلد الطيب أهله من العرب والمسلمين بنسبة 99%، للهجران والنسيان والتجاهل، حتى الوقوع فريسة للموت جوعاً، والعرب قيام ينظرون!

المدهش والمستفز أن الصهاينة والإسرائيليين كان لهم رأي آخر أبعد غوراً. لقد امتطوا صهوة حال الصومال المزري، واجتهدوا في ممارسة دور المنقذ من الهلاك. وفي مناخ الجفاف وتوابعه المريرة وحروب ملوك القبائل وأمراء الحرب الأهلية، ومن خلال سلوكهم العملي، بدا الإسرائيليون كمن يعلم عن الصومال ويبصر فيه ما لم يعلمه أو يبصره أكثر العرب، على الصعيدين الرسمي والأهلي.

نلمس ذلك، مثلاً وبلا حصر، من مبادرات المستثمرين وعدد من رجال الأعمال الإسرائيليين، وعلى رأسهم أبراهام شلافيت، أحد أنشط الصهاينة الليكوديين. فقد انقض هؤلاء كالجوارح على منطقة ما يعرف بـ”جمهورية أرض الصومال” الشمالية، التي لم يعترف بها أحد، وبسطوا أمام قادتها المنشقين عدداً من المشروعات المغرية للسكان ويسيل لها لعابهم..

لقد وعدوهم بتحويل المنطقة إلى جنة إفريقية، عبر إنشاء ميناء بحري كبير، وتوسيع المطار القائم، وتأسيس مشروعات للصيد البحري التجاري، وتعليب اللحوم والمنتجات الزراعية وتصديرها، وتشييد مسلخ كبير وتطوير الري بالتنقيط. وحين آنسوا ترحيباً بهذه العطايا، سارع المستثمرون إياهم إلى التنفيذ، واستجلبوا كل المواد الأولية اللازمة لذلك من “إسرائيل”، بما فيها معدات الحفر والتنقيب عن النفط واليورانيوم!

لنا أن نلاحظ بالخصوص، كيف قدم الصهاينة عروضاً تصعب مقاومة جاذبيتها، كونها تتسق مع كل من أشواق الصوماليين وترضي احتياجاتهم من ناحية، وتوافق مواردهم من ناحية أخرى.. وكأنهم ابتدعوا مشروعات من طين هذا البلد وعجينه، ولم يستخفوا به كدأب بعض العرب.

ونحسب أنه في إطار ظروف ومحددات طبيعية واجتماعية وسياسية تطحن الصخر، وطالما أنهم وجدوا من يواسيهم ويعدهم ويمنيهم، فلن يأسى أو يأسف الصوماليون الشماليون، والبقية تأتي، على العرب والعروبة.. فلننظر ونتأمل ونتعظ.

[email protected]

صحيفة البيان الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...