الخميس 08/مايو/2025

هل يمكن أن تؤيد إعلان دولة فلسطينية في سبتمبر؟

د. أسامة الأشقر

 

من أصعب المواقف على المرء أن يختار بين أمرين هما الغاية في السوء، إذ لابد له إذا اختار في نهاية الأمر أن يلحقه سواد الموقف، وأن يتلطّخ بالسوء رغم أنفه وهو الطاهر البريء مما التصق به.

أن تؤيد قيام دولة فلسطينية في أيلول سبتمبر القادم وفق قرارات الأمم المتحدة المعدّلة التفاصيل في مفاوضات عبثية طويلة بين منظمة تحرير فلسطينية ضعيفة وكيان محتل متحكِّم، ومع إصرار قيادة هذه المنظمة الكرتونية على استمرار المفاوضات أولاً وثانياً وثالثاً رغم كل الخيبات وحتى إن لم تصل لأي قارورة زيت من شجرة فلسطينية على أرض صغيرة ذات سيادة ؛ إن معنى أن تؤيد هذا الإعلان أنك قد وقّعت وثيقة تنازل عن أرضك المحتلة عام 1948، أي أنك تخليتَ عن هويتك وتاريخك وتخليتَ عن دمك وروحك، تخليتَ عن أبيك وجدك، تخليت عن نفسك.

وإن معنى أن أؤيد قيام هذه الدولة الممسوخة أنني لن أعود إلى قريتي المحتلة في الرملة، ولن يُسمَح لأحد من عائلتي وشعبي أن يعود من حيث طرِدوا وأهينوا وشُرِّدوا في المنافي والمخيمات، وضاع حقي في العودة إذ ستكون هذه الدولة الورقية هي مشروعي المستقبلي المحتمل لإنهاء ملف قضية عودة شعبي.

وإن معنى أن تؤيد قيام هذه الدولة أنك أصبحتَ بقدسٍ مشتركة جعلوها شرقية وغربية ومتداخلة، يحاصصك اليهودي الأجنبيّ في كل بلاطة وحجر، وفي كل جذر زيتونة، وفي كل ملمس هواء، ثم ينال هذا اليهودي الغريب اللون والشكل واللغة والمزاج من حصتك ويضيف ذلك كله إلى حصته لأنه يملك بندقية مذخّرة لا يجوز لي أن أحملها، لأن دولتي المرتقبة ستكون منزوعة السلاح.

إن معنى تأييدي لهذا الإعلان أنني شريك في مؤامرة تضليل أهلي وقومي بهذا الإعلان الذي لا يحمل أي قيمة على الأرض ما دام لم يحظَ بالمباركة الأمريكية، والموافقة الصهيونية، وكل قيمته أنه إعلان سياسيّ يتيح للمتفاوضين عشر سنوات أخرى من الكذب وإعادة امتهان حرفة التفاوض ليعتاشوا من ورائها ويربّوا كروشهم وعروشهم وأرصدتهم البنكية، ونستمر نحن في التسول وانتظار الهبات والمنح الأجنبية.

ومع أني واثق أن هؤلاء القوم يقامرون بوطنٍ سبق لهم أن قسّموه وغيّروا حدوده بالنقصان الفاحش دون مشورة أحد إلا أنني أكثر ثقة اليوم بأنهم أجبن من أن يدخلوا هذه اللعبة التكتيكية ما دامت لم تحظَ بعدُ بالموافقة الكاملة والتفاهم المشترك مع المحتل وحلفائه، وهم كعادتهم سيناورون للحصول على نجمة صغيرة يسمونها ” إنجازاً سياسياً ” أيّاً كان هذا الإنجاز إذ إنه سيكون أصغر من وصفه،  سيضعه هؤلاء المتغلِّبون في دفتر الإجابات الناقصة مصحوبةً بـ” أحسنتم يا شُطّار “.

لا ينقصنا أن نعيش لحظات إحباط أخرى فثقتنا المعدومة بقيادة منظمة التحرير تخوض أكثر في الاستفال، وقد بلغ بنا الإحباط بسببهم مداه، ولا مزيد لمستزيد، لكنهم يصرّون على دغدغة عواطف منهارة، ويجرحون أجساداً مغمّسة بمسكّنات الزمن الذي يكبّر حجم المشكلة ولا يصغرها فغدت المصيبة أحسن منها، لأن المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر حتى تزول أو يزول أثرها في النفوس، أما مصيبتنا في قيادتنا فهي تنحدر ككتلة الثلج الهابطة من أعلى قمة الفساد السياسي والفشل المريع.

ولكن أسوأ ما يمكن أن يواجهني به أولئك الفاشلون الفاسدون أنني بموقفي هذا أتفق مع الموقف الأمريكي الإسرائيلي الذي لا يريد المصلحة لفلسطين وشعبها، فأنا إذن منهم!!

تصوروا هذه المأساة التي أعيشها بسبب هذا المنطق السريع الساذج الذي يمر على عقول بعض العامة ببراءة يملؤها السخف، فالأعداء عندما يرفضون منطق إعلان الدولة فلأنهم ينتظرون مزيداً من التنازل، فالسوق رخيصة، والبضاعة لا يشتريها غيرهم، كما أنهم يخشون من الخدوش التي يمكن أن تصيبهم إذا نمت فلسفة الصراع المدني الناعم وجرحوا هيبة الحيوان الإسرائيلي المفترس برفع شكوى ضده في محافل العالم الذي باعنا من قبلُ ثم بعث لنا مناديل ورقية مغمورة الأطراف بدمعات اصطناعية تعزّينا في المذبحة التي ارتكبوها بحقنا، أما نحن فإننا نبحث عن وطن ونقاتل من أجل الحصول عليه، ولا نتطلع أبداً إلى تحديد معالم سجن جديد بأبواب دولية أو صهيونية يسمونها زوراً دولة.

إن هذا العالم لا يحترم الضعفاء ولا يشعر بهم، ولا يعترف بالحق إلا إذا وجد له رجالاً يدافعون عنه ويعيشون له، وإن الذي أرغم العالم على الوقوف بانتباه لمعركة غزة عام 2009 ليس الدم أو مشاهد الدمار فتلك ساعات يعكسها الإعلام لساعات بعد إنجازها وتبقى ذكرى أرشيفية، ولكن الصمود العجيب لتلك الفئة المجاهدة هو الذي أجبر الكاميرا أن تبقى لتشاهد تفاصيل الفيلم الكبير مشهداً مشهداً.
ــــــــــــــــ

* مدير مؤسسة فلسطين للثقافة، أمين سر المكتب العربي لمقاومة التطبيع الثقافي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

10 أعمال للمقاومة في الضفة خلال 24 ساعة

10 أعمال للمقاومة في الضفة خلال 24 ساعة

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام تصاعدت أعمال المقاومة بالضفة الغربية المحتلة، خلال الـ 24 ساعة الماضية، ورصد مركز معلومات فلسطين "معطى"، تنفيذ...