قبل سبتمبر وبعده

المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية يبحث خيار التوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطين، وتحديد مسار التحركات السياسية التراكمية للوصول إلى سبتمبر/ أيلول المقبل، موعد انعقاد الجمعية العمومية.

حتى اللحظة تراود البعض شكوك في ما إذا كان هذا التوجه جدّياً، أم من قبيل التكتيك السياسي الهادف إلى دفع “إسرائيل” نحو العودة للمفاوضات، علماً بأن “إسرائيل” تدرس من جانبها سبل إجهاض التحرّك الفلسطيني، وهي تملك أوراقاً مؤثّرة وربما حاسمة لتحقيق هدفها. لكن، مع الأخذ في الحسبان هذا العامل “الإسرائيلي”، ما مدى جدوى هذا التوجّه؟

من حيث المبدأ لا ضير في تمسّك القيادة الفلسطينية بالموعد والمناسبة والخيار، مهما كانت الضغوط والمعيقات، بل قد يكون مدمّراً وقاتلاً أي تراجع فلسطيني عن هذا الخيار، وبخاصة تحت الضغوط، ذلك أن الحركة الدبلوماسية الفلسطينية فقدت كثيراً من رصيدها في مراحل سابقة بسبب التراجعات الناجمة عن ضغوط.

لكن، وقد بقي على الموعد شهر وأيام قليلة، جدير أن تراعي القيادة الفلسطينية شرطين أساسيين من شأنهما أن لا يجعلا التحرّك ضاراً، في حال لم يؤد إلى النتائج المرجوة. الأول إنجاز المصالحة على نحو فوري بحيث يتوجه الوفد الفلسطيني، أياً كانت تركيبته، مسلّحاً بموقف موحّد قائم على أساس هدف “الحد الأدنى”، وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كل الأراضي المحتلة عام 67 الكاملة السيادة والخالية من أية مستوطنات، وعاصمتها القدس، والتمسّك بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وفق القرار الأممي رقم 194.

الشرط الثاني استمرار الحملة الدبلوماسية المدعومة عربياً على الحلبة الدولية، لحشد أوسع جبهة دولية مؤيّدة ومتبنية لمطلب فلسطيني مستحق منذ عقود، وفقاً لجزء من حق فلسطيني أصيل واستناداً إلى قرارات الشرعية الدولية.

يجدر أيضاً التذكير بأنه يجب التعامل مع عامل المصالحة باعتباره ضرورة فلسطينية خالصة، بمعزل عن استحقاق سبتمبر، وحاجة لا بد منها لمواجهة تداعيات ما بعد سبتمبر، سواء في حال تم تمرير الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية، وهي خطوة لن تأتي بالدولة على نحو تلقائي، بل تحتاج إلى عمل جاد ومضن ومتواصل، أو في حال إجهاض الخطوة، وهو أمر متوقّع بل مرجّح بفعل الفيتو الأمريكي.

ندرك أن العمل السياسي ليس ترفاً، وأن الزمن بالنسبة للشعوب المناضلة من دم ومعاناة، ومن هذا المنطلق ينبغي التعاطي مع القضية بمسؤولية أعلى من جانب منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة وكل الفصائل، ذلك أن قضية الشعب والوطن ليست قضية حزبية أو فئوية، ولا بد من الأخذ في الحسبان كل الظروف والاحتمالات الممكنة في سبيل حماية هذه القضية، وتعزيز صمود الشعب في المراحل التي تتراجع فيها مقوّمات التقدّم.

ولا بد من ملاحظة أن عملاً كبيراً مطلوباً من الكل الفلسطيني في مواجهة حالة الترهّل السائدة والناجمة، بمعظمها، عن حالة الانقسام التي طال أمدها، وعن تعثّر مسيرة التسوية أيضاً، بعدما أسهمت عوامل كثيرة في رفع سقف التوقّعات من دون مبررات علمية أو استناد إلى قراءة حقيقية وعلمية لموازين القوى وطبيعة المشروع الصهيونية والقوى الداعمة له والمتحالفة معه، على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، الأمر الذي لا يبقي للفلسطينيين خياراً سوى الاعتماد على أنفسهم وعلى من بقي ذا ضمير حي في هذا العالم.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية