السبت 10/مايو/2025

مستقبل العلاقات مع تركيا في المنظور الصهيوني

مستقبل العلاقات مع تركيا في المنظور الصهيوني

تمهيد

بعد الفوز الأخير لحزب العدالة والتنمية، ستشهد العلاقات التركية-الإسرائيلية تحسناً وتقدماً خلال الفترة القادمة، وستغير “إسرائيل” من سياسة “ضبط النفس الدبلوماسية” -التي اتبعتها منذ توتر العلاقات بينها وبين أنقرة على خلفية أحداث أسطول الحرية العام الماضي- إلى سياسة أخرى تأخذ هي فيها بزمام المبادرة، وستُقدِم على خطوات أكثر فاعلية لتحسين هذه العلاقة. هذه النقلة في العلاقة لها أسبابها ومعطياتها السياسية والاقتصادية، كما تمليها التغييرات الإستراتيجية التي تشهدها المنطقة. التقرير التالي يسلط الضوء على مستقبل العلاقات التركية – الإسرائيلية في المنظور الإسرائيلي.

قراءة الانتخابات التركية إسرائيليًا

لم تهتم إسرائيل الرسمية والإعلامية والأكاديمية بالانتخابات التركية، بقدر ما اهتمت بانعكاس نتائجها على مستقبل العلاقات بين البلدين؛ وذلك نابع بالأساس من أن النتائج كانت محسومة لصالح حزب العدالة والتنمية، وتتفاوت التقديرات حول تأثير الانتخابات على مستقبل وآفاق العلاقات التركية الإسرائيلية، ويمكن القول: إن نتائج هذه الانتخابات أخذت مساحة في النقاش الإسرائيلي بسبب تأثيرها المحتمل على العلاقات بين البلدين، كما اهتم الإسرائيليون بوجهة تركيا الحضارية بعد الانتخابات؛ فقد انصب التركيز الإعلامي والسياسي والبحثي الإسرائيلي بالأساس على مستقبل تركيا بعد هذه الانتخابات من الناحية الثقافية، بمعنى: هل سينجح حزب العدالة والتنمية في “جر” تركيا: سياسةً وثقافةً نحو الشرق؛ وذلك من خلال المزيد من الخطوات السياسية والدستورية، أم أنه سوف يخفق في ذلك؟ وهذا يدل على أن موضوع التعديلات الدستورية أو “أسلمة” الدستور كان الهاجس الإسرائيلي الأساسي وليس صيرورة الانتخابات أو نتائجها القريبة.

وتعتقد الباحثة “غيلا لندشتراوس” أن الانتخابات مثّلت الثقة التي يُولِيها الشعب التركي للحزب ولشخص أردوغان نفسه، وقدرة الأخير على الاستمرار في التنمية الاقتصادية لتركيا، إلا أنها تعتقد من جهة أخرى أن هنالك خيبة أمل في صفوف حزب العدالة من نتائج الانتخابات؛ فعلى الرغم من حصول الحزب على حوالي 50% من الأصوات إلا أنه تراجع في عدد المقاعد من 331 مقعدا في الانتخابات السابقة إلى 326 مقعدا في الانتخابات الحالية، وهذا يفرض على الحزب أن يتعاون مع أحد أحزاب المعارضة.

من جهة أخرى، فإن الباحث والسياسي الإسرائيلي ألون ليئال -الذي ألّف عدة كتب عن تركيا، وشغل منصب سفير إسرائيل في أنقرة- قال في محاضرة ألقاها في جامعة تل أبيب ضمن مؤتمر لتحليل نتائج الانتخابات التركية: إن العلاقات الإسرائيلية-التركية هي علاقات تأثرت وسوف تظل متأثرة بالواقع الإقليمي في المنطقة، وليس لاعتبارات أيديولوجية وسياسية تركية؛ فنتائج الانتخابات لن تؤثر سلبا أو إيجابا على العلاقات التركية-الإسرائيلية بل إن الأوضاع في المنطقة، مثل الثورات العربية، والمسار الإسرائيلي الفلسطيني، هي التي ستؤثر عليها أكثر. في المقابل هنالك من يعتقد أن التوجه التركي نحو الشرق هو توجه إستراتيجي، وهذا التوجه الإستراتيجي سيبقى يلعب دورا مؤثرا في العلاقات مع إسرائيل، وذلك مهما حاولت إسرائيل أن تحسّن من هذه العلاقات، وهذه خسارة كبيرة لإسرائيل وللغرب.

العلاقات التركية-الإسرائيلية

يعتقد الإسرائيليون أن التدهور الحاصل في العلاقات مع تركيا لا يزال “مرحليا ومؤقتا” لأنه حاصل ضمن البنية السياسية، والدستورية، والثقافية القديمة (علمانية وغربية). لكن هذا التدهور – في اعتقادهم – يمكن أن يتحول من المرحلي إلى “الإستراتيجي” إذا تم في ظل بنية تركية سياسية ودستورية وحضارية جديدة (إسلامية وشرقية)، وكان التخوف الإسرائيلي أن يحدث هذا التغيير بعد الانتخابات البرلمانية إذا حصل حزب العدالة والتنمية على نتائج تؤهله لذلك، وبعد أن اتضح عكس ذلك كان هنالك ارتياح في إسرائيل.

وبالرغم من تدهور العلاقات التركية-الإسرائيلية في أعقاب الحرب على غزة عام 2008، ووصول هذا التدهور إلى ذروته في أعقاب الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية عام 2010، وقتل مواطنين أتراك؛ فإن هناك تفاؤلا إسرائيليا بانفراج هذه العلاقات في المرحلة القادمة وخصوصا بعد الانتخابات التركية، التي يرى الإسرائيليون أنها سوف تنقل العلاقات من مرحلة التدهور إلى مرحلة انفراج؛ حيث تشير تقديرات إسرائيلية إلى أن جزءًا من الخطاب التركي الناقد لإسرائيل في المرحلة السابقة كان أيضا لأسباب انتخابية؛ حيث إن القواعد الاجتماعية لحزب العدالة والتنمية هي قواعد معادية لإسرائيل. وليس صدفة أن تبدأ إسرائيل مبادرتها للتقارب مع تركيا بعد الانتخابات، بالإضافة إلى العامل البنيوي الذي أشرنا إليه أعلاه.

بدأت إسرائيل في أعقاب الانتخابات باتخاذ خطوات، في محاولة لتحسين علاقتها مع تركيا، وأول شيء قام به نتنياهو هو إرسال رسالة مباركة لأردوغان هنّأه فيها بفوزه في الانتخابات، ودعاه إلى حل الخلافات بين البلدين، أما الخطوة الثانية فهي إحالة مسؤولية ملف العلاقات بين البلدين إلى نائب رئيس الحكومة ووزير الشؤون الإستراتيجية الجنرال المتقاعد “موشيه بوغي يعلون”، وهذه الخطوة تحمل دلالات مهمة، خصوصا وأن الطرف التركي أرسل للمباحثات مدير عام وزارة الخارجية “فريدون سينيرلولو”، وهو موظف وليس مسؤولا سياسيا رفيع المستوى كالمسؤول الإسرائيلي، ولم يؤدِّ ذلك إلى اعتراض الأخيرة، وهذا يدل على:

– أولاً: أن علاج الملف التركي هو مسألة ذات أبعاد إستراتيجية، وتدخل ضمن التصور الإسرائيلي الإستراتيجي العام للمرحلة القادمة، وهي مرحلة مثقلة بالأحداث المفصلية على المستوى العربي (ثورة الشعوب العربية، عدم الاستقرار على الجبهة السورية، وغيرها)، وعلى المستوى الفلسطيني.

– ثانياً: إخراج هذا الملف من وزارة الخارجية الإسرائيلية، ووزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان الذي يعارض بشدة أي اعتذار إسرائيلي عن قتل أتراك في أحداث أسطول الحرية، والدور الذي لعبه نائبه داني أيلون (وهو أيضا عضو في حزب ليبرمان) في توتير العلاقات بين البلدين عندما أجلس السفير التركي على كرسي منخفض كدلالة رمزية لإذلال تركيا.

وتحاول إسرائيل أن تنقل رسالتين لتركيا في هذا الشأن، هما:

1- أن وزارة الخارجية تتحمل جزءا من المسؤولية عن توتر العلاقات بسبب تصرف وزيرها؛ لهذا فإن إسرائيل وكبادرة رمزية تسحب هذا الملف منها.

2- تأكيد أن إسرائيل “الرسمية” تتعامل مع تركيا وفق المصالح المشتركة وليس وفق مفاهيم “الكرامة الوطنية” كما يفعل ليبرمان في سياسته الخارجية؛ مما قد يعطي مؤشرا للأتراك أن إسرائيل مستعدة للاعتذار بطريقة أو بأخرى (اعتذار سري، اعتذار بلغة أقل حدة، مثل القول: إن إسرائيل تأسف على أحداث أسطول الحرية، وليس عن قتل الناشطين فيها).

ووفق التصور السياسي الإسرائيلي، فإن إسرائيل تحتاج إلى تحسين العلاقات مع تركيا في هذه المرحلة، خصوصا وأن إسرائيل لا تستطيع أن تحتمل هذا التوتر أربع سنوات أخرى من حكم حزب العدالة والتنمية ورئاسة أردوغان؛ لهذا فهي مستعدة للتنازل عن جوانب معينة من التقرير لصالح هذه العلاقات، ويمكن الإشارة إلى العوامل التي ترى إسرائيل أنها ستساهم في تحسين العلاقات بين البلدين في النقاط التالية:

– رسم كاريكاتوري ظهر في صحيفة “هآرتس” بتاريخ 24 يونيو/حزيران2011، وفيه يظهر الصراع بين أردوغان وبشار الأسد، واستعداد نتنياهو لتقديم المساعدة لأردوغان.

– فوز حزب العدالة في الانتخابات لن يمكِّنه من تغيير بنيوي ودستوري في تركيا يهدد بشكل كلي هذه العلاقات، وتركّز القلق الإسرائيلي على هذه النقطة تحديدا في الانتخابات.

– التغييرات الكبيرة والعميقة في العالم العربي تفرض على إسرائيل عدم خسارة حليف إستراتيجي مهم مثل تركيا؛ فالواقع الجديد يفرض على البلدين التعاون من وجهة النظر الإسرائيلية لاستيعاب التغييرات القادمة التي لا يمكن توقع نتائجها النهائية.

– تفكك أو بداية تفكك ما تسميه إسرائيل محور تركيا-سوريا-إيران؛ فالأحداث في سوريا ساهمت في توتير العلاقات التركية-السورية بشكل كبير جدا، كما أن الموقف المختلف لتركيا وإيران من أحداث سوريا ساهم في تعكير صفو الأجواء، وزاد من ذلك أيضا الاختلافات في رؤية البلدين حول مستقبل المنطقة. هنالك وجهة نظر إسرائيلية تعتقد أن العلاقات التركية-الإيرانية ليست علاقات أيديولوجية، فتركيا تؤيد تسوية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، بينما تريد إيران إبادة دولة إسرائيل، وهذا ينسف أية علاقة أيديولوجية بين الطرفين. وهذه الأحداث تجعل إسرائيل في المرحلة القادمة طرفا مهما في منظومة العلاقات التركية في المنطقة، كما ستؤدي الأوضاع في سوريا إلى إضعاف الحلف الإيراني-التركي؛ وهو ما يساهم في تقريب العلاقات الإسرائيلية-التركية اللتين لهما مصلحة واحدة بالنسبة للأوضاع في سوريا.

هنالك تصور إسرائيلي أن أردوغان يواجه واقعا محرجا لسياسته الخارجية؛ فالدول التي حاول أن يشيد معها محورا لبناء شرق أوسط جديد من وجهة نظر تركيا، لم تعد مصدر قوة لهذا المحور. وقد عبّر أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين عن فرحة إسرائيل بهذه النتيجة بقوله: “انتصر أردوغان في الانتخابات إلا أنه انهار في العالم” (هآرتس، يونيو/حزيران 2011).

أن الحدود السورية، وهي حدود مشتركة مع إسرائيل وأيضا مع تركيا، تفرض على البلدين التنسيق على المستوى الإستراتيجي لتفادي الانعكاسات الاقليمية لهذه الأحداث عليهما.

مركز الجزيرة للدراسات، 5/7/2011

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات