سؤال خالد سعيد

الأحكام العسكرية تلاحق شباب الثورة وحالة من اللين مع المفسدين
دم خالد سعيد لم يجف بعد. وإذ تحل ذكرى استشهاده اليوم (6/6) فإننا نكاد نلمح وجهه في فضاء مصر متسائلاً ومعاتباً. لست أشك في أن روحه تهللت حين قامت الثورة، واستشعرت سكينة ورضا حين كانت جريمة قتله من بين الشرارات التي فجرت الغضب ودفعت الناس إلى الخروج في تظاهرة 25 يناير، التي انتهت بإسقاط الذين اختطفوا مصر واغتصبوها، وبينهم الذين قتلوه وشوهوا وجهه، والذين قتلوا ما لا حصر لهم من أبناء مصر الشرفاء والأبرياء.
أكاد أسمع صوته وهو يسأل: أيمكن بعد الثورة أن يترك الذين قتلوه دون حساب حتى الآن؟ السؤال مطروح علينا جميعاً، وعن نفسي فإنني لا أجد ما أرد به، وأخجل من الصمت إزاءه. ولا أظن أن أحداً من الذين سيخرجون في الخامسة بعد ظهر اليوم للوقوف على الكورنيش في القاهرة والإسكندرية إحياء وإجلالا لذكراه يملك رداً على السؤال. وحسناً فعلوا إذ جعلوها وقفة صامتة، لأنهم لا يستطيعون أن يجيبوا عن السؤال، ناهيك عن أن الألسنة تنعقد والكلمات تسقط في الحلوق إذ حاول أي أحد أن يعتذر أو يبرر.
لقد قتل خالد سعيد (28 عاماً) إثر اعتداء وحشي تعرض له اقترن بتعذيب هشم رأسه، اتهم فيه اثنان من المخبرين في الإسكندرية (أمين الشرطة محمود صلاح محمود ورقيب الشرطة عوض إسماعيل سليمان). وقد ذكر الشهود أنهما انقضا عليه في مقهى بالقرب من منزله الواقع في حي كليوباترا بالإسكندرية، وقالت الرواية الرسمية إنهما حاولا إلقاء القبض عليه لتنفيذ حكم جنائي صادر ضده، وإنه كان يحمل لفافة «بانجو» ابتلعها حينما شعر باقتراب رجلي الأمن منه، ولكنها تسببت في خنقه وأدت إلى وفاته. وقد أيد تقرير الطبيب الشرعي هذه الرواية، في حين نفتها أسرته واتهمت الأمن بتلفيق التهمة ومحاولة طمس معالم الجريمة، وهو ما تحدثت عنه أم خالد سعيد، السيدة ليلى مرزوق، فيما نشرته صحيفة «الشروق» على لسانها في 11/6/2010، إذ قالت إن قتل ابنها تم بتوجيه من ضابط أمن الدولة وتنفيذ اثنين من عملاء الجهاز وأن السبب في ذلك كان مختلفاً. ذلك أن خالد كان «حصل على فيديو يحتوي على لقطات لأحد ضباط قسم سيدي جابر والمخبرين، وهم يقومون بالاتجار في «الحشيش» وقام بتوزيع الفيديو على أصدقائه وذلك قبل نحو شهر من قتله، كما أعلن أنه سوف يدشن مدونة لفضح الضابط والمخبرين، أضافت الأم أنها قامت بتحذيره أكثر من مرة من نشر الفيديو «حتى لا يقومون بإيذائه»، وقد فعلوها دون تردد.
التطورات التي حدثت بعد ذلك معروفة، من التظاهرات الغاضبة والعارمة التي خرجت في القاهرة والإسكندرية تنديداً بمقتله ومطالبة بمحاسبة الذين قتلوه، إلى صفحة «كلنا خالد سعيد» على موقع «الفيس بوك» التي انضم إليها منذ إنشائها في صيف عام 2010 نحو مليون و371 ألف شخص، إلى عرض القضية على محكمة جنايات الإسكندرية، التي أجلت النطق بالحكم عدة مرات، حيث يفترض أن يتم ذلك في 30 يونيو الحالي، في حين أن ثمة شائعات قوية تحدثت عن هروب المتهمين من السجن، أثناء حالة الانفلات الأمني التي شهدت هجوماً على بعض أقسام الشرطة قبل شهرين تقريباً.
لا يزال مصير قضية خالد سعيد معلقاً. تماماً كما أن ذلك مصير قضية سيد بلال (31 سنة)، الشاب السلفي الذي قتل بسبب التعذيب، بعدما تم استدعاؤه في 4 يناير الماضي. من قبل مباحث أمن الدولة عقب التفجير الذي وقع أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية في ليلة رأس السنة (31 ديسمبر)، وحين سلمت جثته إلى أهله فإن آثار التعذيب الوحشي كانت بادية عليها، وهي الآثار التي أثبتتها النيابة في سجلاتها.
بدورها تمت لفلفة القضية التي لا يعرف مصيرها حتى الآن، وكل ما نعرفه أن دم الشهيدين لا يزال رطباً ولم يجف، وأن الذين قتلوهما لم يحاسبوا، تماماً كما أن أحداً لم يحاسب الذين قتلوا نحو 850 شهيداً من ثوار 25 يناير كما شوهوا وأصابوا ستة آلاف مصري آخرين.
المدهش والمحير أن الثورة نجحت في إسقاط نظام مبارك بكل عتوه وجبروته، لكنها لم تستطع حتى الآن أن تحاسب الأيدي القذرة التي استخدمها النظام للفتك بالشعب وإذلاله. وأخشى أن تطول بنا الحيرة، حين نجد أن الأحكام العسكرية تلاحق بسرعة وشدة بعضاً من شباب الثورة، حتى الذين تظاهروا أمام السفارة الإسرائيلية، في حين أن محاسبة الذين قتلوا الشعب وأذلوه تتسم بلين يبعث على الدهشة.
إنني أقاوم بشدة أي محاولة لإساءة الظن في تفسير هذه المفارقة، لكنني أرجو أن نشهد خطوات جادة تتسم بنفس القدر مع الحزم الذي اتبع مع أبناء الثورة، لكي يتعزز لدينا إحسان الظن بما يجرى. إن تقديرنا للقائمين على الأمر لا شبهة فيه، لكن إعزازنا لشهدائنا لا تدانيه معزَّة أخرى، ولا تحيرونا أكثر من ذلك رجاءً!
صحيفة الشرق القطرية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...

الصحة تعلن ارتفاع عدد ضحايا الإبادة بغزة إلى 52908 شهداء
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 52908 شهداء و119721 مصابا منذ 7 أكتوبر/...

أمن السلطة يقتل الشاب رامي زهران في مخيم الفارعة
طوباس - المركز الفلسطيني للإعلام قتلت عناصر أمن السلطة، الشاب رامي زهران بإطلاق نار مباشر -اليوم الثلاثاء- في مخيم الفارعة شمال الضفة الغربية....

الأمم المتحدة: عدد الوجبات اليومية المقدمة في غزة تراجع بنسبة 70%
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن عدد الوجبات اليومية المقدمة للفلسطينيين في قطاع غزة انخفض هذا...