الثلاثاء 06/مايو/2025

الرابحون والخاسرون بعد المصالحة الفلسطينية

عز الدين أحمد إبراهيم

جرت رياح المصالحة بما لا تشتهي سفن كثير من الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية، والاختراق الذي حصل في ملف المصالحة الفلسطينية لا يمكن أن يكون مرضيًا لجميع الأطراف المهتمة، فهناك بلا شك من اعتبر ما حصل إنجازًا وطنيًّا، لكن في المقابل هناك من ينظر إليها باعتبارها تهديدًا لمصالحه ومكتسباته التي حصدها طيلة سنيّ الانقسام السوداء.

على مستوى الرابحين من هذه المصالحة، لا نشك بأن الشعب الفلسطيني بكل فصائله وقواه الحية ربح، وحقق إنجازًا وطنيًّا انتظرناه طويلا، وإن كانت آثار الانقسام لا تزال ماثلة وتشكّل قلقًا لدى كثيرين بشأن تسريع التخلص منها، أو تخوفات من عودة الأمور إلى المربع الأول عند بروز شياطين التفاصيل حال بدء التطبيق العملي للاتفاق.

أما الخاسرون، وكما حصل في الاتفاقات السابقة سعى ويسعى من يرى في المصالحة تهديدًا لوجوده إلى إفشالها ونسفها بكل الوسائل الممكنة، فالمسألة بالنسبة له مسألة حياة أو موت، لذلك لا نستغرب الآن الأداء البوليسي البغيض لأجهزة دايتون – مولر في الضفة الغربية المحتلة بحق أنصار حركتي حماس والجهاد رغم توقيع المصالحة.

حدثني أحد الأصدقاء في الضفة ممن يعملون في الحقل الإعلامي بأن المخابرات في الضفة قامت باستدعائه بعد أيام من توقيع المصالحة، وسألوه لماذا لم يخرج في مسيرات تأييد المصالحة التي خرجت بدعوة من حركة حماس في الضفة، فقال لهم مستغربًا: الأصل أن تسألوني في حال شاركت بها وليس العكس، وأضاف بأن الأجواء الآن هي أجواء مصالحة فلماذا يتم استدعاء من شاركوا ومن لم يشاركوا في المسيرات؟ فرد عليه أحد الضباط الكبار والمعروفين في محافظته: “نحن لا علاقة لنا بالتهريج الذي حصل في القاهرة، وعملنا يتم بمعزل عن ما تسمونه مصالحة”.

هذا النموذج من الأداء الأمني لأجهزة دايتون – مولر يشكّل بلا شك عقبة كأداء أمام تحقيق المصالحة واقعًا على الأرض، وهذه هي نتيجة طبيعية جدًا للعقيدة الأمنية اللاوطنية التي زرعها دايتون ومولر في هذه الأجهزة بمباركة سلام فياض وبرضى حركة فتح التي لم ولن تدرك حتى الآن أنها لن تكون بمعزل عن ضرر هذه الأجهزة التي ستأكل من ربّاها وتبناها.

يروي الفلسطينيون في الضفة حكايات كثيرة عن عدد كبير من قيادات الأجهزة الأمنية التي تحولت في ظل الانقسام من مجرد موظفين في السلطة إلى أباطرة حرب يتحركون ضمن مواكب لها أول وليس لها آخر، هؤلاء لن يقبلوا أن تذهب هذه المكتسبات أدراج الرياح، وليذهب الشعب وفصائله وقواه الوطنية إلى الجحيم!.

إقليميًّا، لا نشك لحظة أن الكيان الصهيوني فقط هو المتضرر الأول من هذه المصالحة، وسيعمل معنويًّا وماديًّا على نسفها، سواء من خلال الطابور الخامس في أجهزة دايتون – مولر، أو بأدواته المباشرة من خلال افتعال مواجهة مع المقاومة في غزة او اغتيال قيادات سياسية أو عسكرية في الضفة أو القطاع، وهنا لا بد من التعجيل في التوافق على آلية وطنية من كل الفصائل للتعامل مع هذه السيناريوهات التي تقترب مع اقتراب التطبيق العملي لاتفاق القاهرة.

أما من تبقى من دول الاعتدال العربي، فلا نعتقد أنه وبعد الروح الجديدة لمصر الثورة أن ثمة من يرى في المصالحة خسارة له، أو تهديدًا لمصالحه ودوره، وثمة قناعة تتشكل لدى دوائر صنع القرار في هذه الدول بأن هامش التحرك بحرية بمعزل عن القرار الأمريكي والصهيوني بات أكبر، بل إن هناك من سارع قبيل توقيع الاتفاق إلى طرح مواقفه الجديدة للتدليل على التغير الذي طرأ على رؤيته للملف الفلسطيني برمته.

ما فرضته الإرادة الفلسطينية في القاهرة، شكّل مفاجأة للولايات المتحدة وهو ما أقرت به كبريات الصحف الأمريكية نقلا عن أوساط في البيت الأبيض والكونغرس، وبالتالي نفترض أن واشنطن ستكون متضررة من دور مصري جديد أحد أهم إفرازاته هو المصالحة الفلسطينية، لذا ستعمل على وضع العصيّ في دواليب هذا الاتفاق بالضغط على عباس بشتى الوسائل.

في عالم السياسة يقولون إن هناك مصالح مشتركة ولا وجود لصداقة دائمة، وفي الحالة الفلسطينية يجب أن نخرج عن هذا الإطار لنرسخ أن هناك مصالح مشتركة وصداقة دائمة، بل ومصيرًا واحدًا، وهذه المعادلة كفيلة بلفظ من يرى في المصالحة خسارة له سواء كان في الداخل الفلسطيني أو في المحيط الإقليمي والدولي.
 
* صحفي وكاتب أردني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

صنعاء- المركز الفلسطيني  للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...