تحول الاتجاهات في أوروبا ضد الكيان الصهيوني

من الممكن أن تكون كوبير والآخرون في الجامعة التي تحظى باحترام كبير قد أخفقوا تماماً في ملاحظة الصلة الواضحة هنا -إن ما هو أكثر من المرجح، أن يكون تكاثر متاحف الهولوكوست مثل الفطر قد أسهم فعلياً في إثارة مشاعر الاستياء تجاه الدولة اليهودية. وسوف يعمد أولئك الذين يميلون إلى تفسير المحرقة اليهودية على أنها رسالة كونية وأخلاقية ضد العنصرية والظلم، إلى تعريف الدولة اليهودية أيضاً وبكل وضوح باعتبارها عدواً أساسياً للبشرية والإنسانية. وأخمن أن الألمان والآخرين كانوا يتوقعون من اليهود أن يكونوا في الصفوف الأولى من المعركة ضد العنصرية. أما ما يحدث فعلياً، فهو أن الدولة اليهودية شكلت نفسها بحيث تكون النقيض الكامل: إنها المنتهك والمسيء الرئيسي والرائد لحقوق الإنسان. وهي دولة إرهابية وعنصرية، تحتجز الملايين خلف الجدران والأسلاك الشائكة.

شملت الدراسة المعنونة “التعصب، التحيز والتمييز: تقرير أوروبي”، ما يقارب 1.000 شخص في كل من دول الاتحاد الأوروبي المختارة. وعندما طلبت إليهم الاستجابة للعبارة القائلة “إسرائيل تشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين”، عبر ما نسبتهم 47.7 من المشاركين في ألمانيا عن موافقتهم، وهو أعلى رقم يسجل في أوروبا الغربية على هذا السؤال.

وبالنظر إلى سياسة بولندا الخارجية الفاترة تجاه إسرائيل، فإن اكتشاف موافقة 63.3 من البولنديين الذين شملهم الاستطلاع على أن إسرائيل تسعى إلى طمس وجود الفلسطينيين، ربما يكون أمراً مثيراً للقلق العميق بالنسبة لبعض الصهاينة والناشطين في حملات الدعاية الإسرائيلية. ويبدو الأمر وكأن مشاريع الدعاية هذه كانت كارثية -فقد تدبرت إسرائيل أمر شراء الكثير من الساسة في كل أنحاء العالم- لكن الجماهير ظلت ترى الدولة اليهودية على ما هي عليه فعلاً.
ويبدو أيضاً كما لو أن تلقين فكرة المحرقة الذي حشدته واستخدمته كل مؤسسة يهودية وصهيونية في العالم قد جاء بنتائج عكسية، وعلى كل جبهة ممكنة: فهناك المزيد والمزيد من الناس في كل مكان ممن يعتبرون الإسرائيليين نازيي عصرنا الراهن.

ينبغي لي الاعتراف بأنني غير مرتاح لهذه المقارنة -فأنا أعتقد حقاً بأن إسرائيل أسوأ بما لا يقاس من ألمانيا النازية، على الأقل في بعض الجوانب. ذلك أن الإسرائيليين مدركون تماماً، على سبيل المثال، لتصرفات حكومتهم وجيشهم الوحشية ضد السكان الفلسطينيين المدنيين -ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى منهم يدعمون ذلك كله، بل ويؤكدونه ويثبتونه ديمقراطياً.

وقد صُدم الباحثون في بييلدفيلد باكتشاف أن عبارة “بالنظر إلى سياسة إسرائيل، أستطيع أن أفهم السبب في أن الناس لا يحبون اليهود”، قد قوبلت بتأكيد عام عبر كامل أوروبا بنسبة (35-55 %).

وأود أن أحاول مساعدة هؤلاء “المفكرين” فاقدي المخيلة: يمكنني المحاججة بأن إسرائيل التي تقدم نفسها على أنها “دولة يهودية” ربما تكون لها صلة بذلك -فقد تدبرت الصهيونية بنجاح أمر إعادة تعريف الهوية اليهودية. وبينما كان اليهود في السابق مرتبطين إلى حد كبير بعقيدة دينية عالمية، اليهودية بالتحديد، أصبحوا يرتبطون الآن بالدولة اليهودية وبسياسات الصهيونية العالمية. وبأخذ الممارسات الوحشية لهذه الدولة اليهودية بعين الاعتبار، فإنه يكون من الطبيعي في هذه الحالة أن يعكس النشاط اليهودي السياسي كل هذا السوء على صورة اليهود في العالم.

سأل البحث الأوروبيين أيضاً عما إذا “كان اليهود يحاولون الاستفادة من كونهم ضحايا خلال الحقبة النازية” (كما لو كانت ثمة حاجة إلى إجراء استطلاع لمعرفة الإجابة عن هكذا سؤال). وقد أجاب نصف الألمان تقريباً بالإيجاب. كما وافق البولنديون الذين كانوا موضوعاً لفيض مستمر من غزو سياحة “المحرقة”، وبشكل غامر على العبارة (أكدها 72.2). وبالإضافة إلى ذلك، فإن اليهود لا يستغلون كونهم ضحية فقط، وإنما يوجد قدر كثيف من العمل الأكاديمي أيضاً، والذي يوحي بأن الهولوكوست هي الدين اليهودي الجديد: وهكذا، تبدو فكرة الضحية وأنها الرابط الجمعي اليهودي الأول في الوقت الحالي.

لعل من المحرج جداً ملاحظة كم أصبح الأكاديميون قاصرين. وأعتقد بأنه ربما ينبغي على جامعة بييلفيلد أن ترفع سوية معاييرها الأكاديمية، وخير البر عاجله. كما أود اقتراح أن تبحث الجامعة عن العقول المناسبة -تلك التي يمكن أن تعلم وتناقش الإرث الثقافي الصحيح للفكر الألماني. ويمكن أن يكون هايدغر، ونيتشه، وهيغل وشوبنهاور نقاطاً جيدة للبدء.