جرائم حرب أم جرائم ضد الإنسانية?!

إن الذي يدعو إلى التساؤل عما جرى من جرائم قتل وغيرها وقعت على المتظاهرين في جمهورية مصر الشقيقة من قبل رجال الأمن المركزي أو من البلطجية كما يحلو للبعض تسميتها بأنها جرائم حرب في حين يحلو للبعض الآخر وصفها بأنها جرائم ضد الإنسانية فأين تقع الحقيقة??
أردت بإيجاز إيضاح طبيعة ما جرى على أرض الواقع من الناحية القانونية في ضوء ما نقلته وصورته وسائل الإعلام من مناظر بشعة وحشية تقشعر لها الأبدان ويكاد يشتم المرء منها رائحة الدم عن بعد خاصة ذلك المنظر المروع الذي شاهدناه من قيام أحد رجال الأمن المركز إطلاق النار بدم بارد على أحد المواطنين الأبرياء الذي وقف بعيداً نسبياً عن ذلك المركز في الإسكندرية كاشفاً عن صدره لهم ثم عندما هم بالعودة قام أحدهم بإطلاق النار عليه فأراده قتيلاً وأخمد أنفاسه إلى الأبد مخمداً شعلة الحياة فيه تاركاً الحزن والأسى لا على أفراد عائلة هذا الشاب ولكن على كل من رأى هذا المنظر البشع.
أعود فأسأل هل ما جرى جريمة حرب أم جريمة ضد الإنسانية مع أن كليهما يعد جريمة دولية يمكن أن ينعقد اختصاص النظر بها للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مع أن كليهما أيضاً يعاقب عليه بنفس العقوبات المنصوص عليها في المادة (77) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وهي السجن لعدد محدود من السنوات لمدة أقصاها (30) سنة أو السجن المؤبد حينما تكون هذه العقوبات مبررة بالخطورة البالغة للجريمة وبالظروف الخاصة للشخص المدان إضافة إلى الغرامات والمصادرات التي تفرضها المحكمة على مقتضى الفقرتين أ و ب من البند الثاني من المادة (77) المشار بأعلاه.
جريمة الحرب
تفترض جريمة الحرب وفقاً لما هو مجمع عليه – بغض النظر عن تعريفها المختلف عليه – نشوب حاله حرب واستمرارها فترة من الزمن وارتكاب أطرافها أفعالاً غير إنسانية أثناء نشوبها لانتزاع النصر أو لأي هدف آخر.
ولما كانت الحروب مشروعة في الماضي طبقاً للعرف الدولي كانت هذه الأفعال مسموحاً بها هي الأخرى لانتزاع النصر بأي ثمن ولو باستعمال وسائل بربرية وحشية حتى ولو كانت قاسية وشائنة واستمر هذا الوضع حتى وقت متأخر ولكن الآثار الخطيرة والمدمرة والانتهاكات الفظيعة التي كانت ترتكب أثنائها دفعت الفلاسفة والكتاب وفقهاء القانون الدولي إلى المناداة بالحد من غلواء الحروب وتقييدها بقواعد محددة كانت بمثابة النواة لميلاد عرف دولي سمي بقواعد وعادات الحرب التي تعد بمثابة قيود تفرض على المتحاربين ثم قننتها فيما بعد بمعاهدات دولية تعتبر الخروج عليها جريمة حرب يعاقب عليها مرتكبها أو مرتكبوها.
وقد ساهمت الأمم المتحدة في هذا المجال بدور فعال ومن أهم هذه الاتفاقيات اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة عنها في 12/8/1949 والمتعلقة بحماية المدنيين والعسكريين من جرحى ومرضى وأسرى في زمن الحرب وكذلك الملحقان الإضافيان لها اللذان صدرا عن الأمم المتحدة عام 1977 بهدف تحديث وإكمال هذه الاتفاقيات اللذين كانا بدورهما تحديثاً وتعديلاً لاتفاقيات جنيف حيث أضاف الملحق الأول أعمال حركات التحرير إلى مفهوم الصراع المسلح الدولي فأضيفت حروب التحرير والمقاتلون فيها إلى الحروب الدولية والعسكريين فيها وأصبحت تغطيهم الاتفاقيات السابقة وتحمي ضحايا هذه الحروب كما تناول الملحق الثاني حماية ضحايا الحروب الداخلية وأخيراً نص نظام روما الأساسي على جرائم الحرب من بين الجرائم الدولية في المادة الخامسة كما عددت المادة الثامنة منه الأفعال التي تقع بها جرائم الحرب.
وهكذا أسفر العرف الدولي والمواثيق والاتفاقيات الدولية عن وجود تنظيم للحروب والمتحاربين تحدد حقوقهم وواجباتهم أثناء نشوبها وما يهم المجتمع الدولي والقانون الدولي الجنائي هو التزام المتحاربين بالقيود واحترامها وعدم الخروج عليها وبات مستقراً أن الأفعال التي تخرق هذه القيود أو تتجاوزها تشكل جرائم حرب من الجرائم الدولية التي ينظمها القانون الدولي الجنائي.
فجرائم الحرب إذا هي الأفعال المقصودة التي تقع من المحاربين أثناء الحرب بالمخالفة لميثاق الحرب أي قوانين الحرب وعاداتها كما حددها العرف الدولي والمعاهدات الدولية.
والمقصود بالحرب في مفهومها الواقع نزاع مسلح أو قتال متبادل بين القوات المسلحة لأكثر من دوله ينهي ما بينها من علاقات سليمة سواء صدر بها إعلان رسمي أم لا.
في حين أن المفهوم القانوني للحرب يستلزم ضرورة إعلاناً رسمياً بها من جانب إحدى الدول المتحاربة قبل بدء العمليات القتالية العسكرية.
وقد اختلفت المواثيق الدولية بالأخذ بأحد هذين المفهومين لا يتسع هذا المقام للعرض لها فمن هذه المواثيق ما أخذ بالمفهوم القانوني للحرب أو منها ما أخذ بالمفهوم الواقعي له.
وعلى أي حال فإن النزاعات المسلحة المتمثلة في استخدام القوة المسلحة من قبل طرفين متحاربين أو أكثر تنقسم إلى قسمين:
نزاعات مسلحة دولية يكون أحد أطرافها على الأقل جيشاً نظامياً وقد تقع خارج حدود أحد هذه الأطراف وقد تتوقف لأسباب ميدانية (وقف القتال) أو استراتيجية (الهدنة) وتنتهي إما بالاستسلام أو باتفاق صلح أما القسم الثاني فهو تعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية التي عرفها البروتوكول الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف (على أنها تلك التي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بن قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى تمارس قيادة مسؤولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة فهذا النزاع المسلح غير الدول إذا هو عبارة عن استخدام القوة المسلحة الذي يتجاوز حد الاضطرابات وأعمال الشغب والفوضى بين جماعات مسلحة منظمة وتقع جغرافياً داخل الحدود المعروفة لديها وبالتالي يخرج عن مفهوم النزاع المسلح غير الدولي كل ما يلي:
1- مقاومة الاحتلال.
2- حالات الاضطرابات والتوتر مثل الشغب وأعمال العنف العرضية النادرة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة التي لا تعد منازعات.
3- ما أقره المشرع الدولي في الفقرة الأولى من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 من نطاق النزاعات المسلحة غير الدولية والمتمثل في أن كلاً من النزاعات التالية ليست نزاعات داخلية حتى ولو تمت ضمن مكان جغرافي واحد ولم يتدخل فيها أي عنصر أجنبي وهي:
أ- النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب من خلالها ضد التسلط الاستعماري.
ب- النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب من خلالها ضد الأنظمة العنصرية.
ت- النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب من خلالها ضد الاحتلال الأجنبي.
والجدير بالذكر أنه لا يشترط توافر صفة معينة في الجاني لكي تقع جرائم الحرب إذ يستوي أن يكون الجاني عسكرياً أم مدنياً سواء كان في الحالة الأخيرة يشغل منصباً رئاسياً في الدولة أم لا يشغل أي منصب على الإطلاق وهذا هو ما نصت عليه صراحة اتفاقية فرساي عام 1919 في المادة 228 التي تنص على أن تعترف حكومة ألمانيا لقوات الحلفاء بالحق في محاكمة ومعاقبة من يثبت اتهامه بارتكاب أفعال منافية لقوانين وأعراف الحرب أمام محكمة خاصة طبقاً لقوانينها الخاصة وهو ما يتجه إليه أيضاً الفقه الحديث.
كما لا يشترط أن تكون الحرب اعتداء إذ تقع جرائم الحرب سواء كان اللجوء إلى الحرب غير مشروع أي حرب اعتداء أم كان مشروعاً كما لو كان اللجوء إليها استخداماً لحق الدفاع المشروع فمن المتصور أولاً أن توجد جريمة حرب اعتداء بدون جرائم حرب حين لا تقع أثناءها أفعالاً تخالف قوانين وعادات الحرب ومن المتصور ثانياً أن توجد حالة حرب مشروعة استعمالاً لحق الدفاع الشرعي مثلاً ولكن يرتكب خلالها أفعالاً مخالفة لقوانين وعادات الحرب تتوافر فيها جرائم الحرب فلا تلازم بين جريمة حرب الاعتداء وجرائم الحرب وإن كان من المتصور ثالثاً أن توجد جريمة حرب اعتداء وجرائم حرب إذا ارتكب خلالها أفعال مخالفة لقوانين وعادات الحرب فنكون أمام تعدد أو اجتماع معنوي للجرائم في هذه الحالة إذ أن جريمة حرب الاعتداء جريمة مستمرة طالما استمر القتال المسلح وتتحقق بكل فعل اعتداء يصدر أثناء نشوب القتال فإذا كان احد هذه الأفعال أو بعضها يخالف قوانين وعادات الحرب فإن هذا الفعل أو الأفعال التي تتحقق به جريمة حرب اعتداء وجريمة أو جرائم حرب في نفس الوقت أي أن الفعل الواحد يصدق عليه في هذه الحالة وصفان; جريمة حرب اعتداء وجريمة حرب.
الخلاصة الأولية:
نخلص من كل ما تقدم إلى أن ما قامت به قوات الأمن المركزي المصرية وعصابات البلطجية لا تشكل جرائم حرب لانعدام مفهوم قيام النزاع المسلح لدى الحركة الشعبية الثورية التي يقوم بها المتظاهرون في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية الذين يطالبون بحقوق أقرتها لهم الدساتير والقوانين الدولية والوطنية إنما هذا لا يعني أن تلك القوات والعصابات أفلتت من العقاب إنما يمكن أن تسأل عن ارتكاب جرائم دولية أخرى هي الجرائم ضد الإنسانية وهو ما سينقلنا إلى الحديث عنها.
الجرائم ضد الإنسانية:
تعتبر الجريمة ضد الإنسانية حديثة العهد نسبياً في القانون الدولي الجنائي حيث ورد أول استخدام لها بعد الحرب العالمية الثانية في لائحة إنشاء محكمة نورمبرج في المادة السادسة التي نصت على أن الجرائم ضد الإنسانية هي أفعال القتل المقصود والإبادة والاسترقاق والإبعاد وغيرها من الأفعال غير الإنسانية المرتكبة ضد أي شعب مدني قبل أو أثناء الحرب وكذلك الاضطهادات المبنية على أسباب سياسية أو عرقية أو (جنسية) أو دينيه سواء كانت تلك الأفعال أو الاضطهادات مخالفة للقانون الداخلي للدولة التي وقعت فيها أم لا متى كانت مرتكبه بالتبعية لجريمة داخلة في اختصاص المحكمة أو مرتبطة بها (جريمة ضد السلام أو جريمة حرب ) وتكرر النص عليها في لائحة محكمة طوكيو مادة (5/2) وفي قانون مجلس الرقابة على ألمانيا رقم 10 مادة (2/ج) وفي ميثاق الأمم المتحدة لمواد (11و13و15) ثم توالت بعد ذلك المواثيق والمعاهدات والقرارات الدولية التي تدعو إلى نبذ هذه الأعمال وإدانتها والمعاقبة عليها ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:-
1- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في تاريخ 11/12/1946، ومعاهدات الصلح التي عقدت سنه 1947 بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في تاريخ 10/12/1948 وأعمال لجنة القانون الدولي التي تكلفت بصياغة مبادئ نورمبرج سنه 1950 ومشروع تقنين الجرائم ضد سلامة وأمن البشرية سنة 1954 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في تاريخ 6/12/1966 وأخيراً نظام روما
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...

لجنة أممية تحذر من خطر المجاعة والمرض على الفئات الهشة بغزة
جنيف - المركز الفلسطيني للإعلام قالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن نفاد الغذاء في قطاع غزة، إلى جانب الدمار الواسع...

إصابتان برصاص الاحتلال وهجمات للمستوطنين في الضفة
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شاب فلسطيني برصاص الاحتلال في بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم، فجر السبت، في الضفة الغربية المحتلة، إثر اقتحام...

“الجهاد الإسلامي” تنعى القائد بسرايا القدس الشهيد نور البيطاوي
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام نعت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الشهيد نور عبد الكريم البيطاوي، القائد في "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس،...

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...