الإثنين 12/مايو/2025

حريق الكرمل يقضي على أسطورة التفوّق التقني الصهيوني

حريق الكرمل يقضي على أسطورة التفوّق التقني الصهيوني
قضى العجز الإسرائيلي عن إطفاء حريق جبل الكرمل قرب حيفا، على أسطورة التقدم التقني والعسكري الإسرائيلي، وأثبت أنّ مصير الدولة في يد قيادة لا تستطيع حتى إطفاء حريق. وبعد خمود النيران في جبل الكرمل، سيعود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لبناء مزيد من المستوطنات، وطرد مزيد من الفلسطينيين من القدس الشرقية، وتقديم عرض للفلسطينيين بدولة منزوعة السلاح تسيطر إسرائيل على حدودها ومجالها الجوي.

وعندها سينفِّذ محمود عباس تهديده ويحلّ السلطة الفلسطينية، وبذلك ستنقضّ حركة “حماس” على الضفة الغربية، وستضطرّ السلطات الإسرائيلية إلى مواجهة تداعيات الاحتلال وأضراره بمفردها.

في كلّ ما يتعلّق بالكشف عن الحرائق، ونقص المياه، وسلامة الطيران، والاستعداد للزلازل وما إلى ذلك من المسائل التي تتطلّب تخطيطاً طويل المدى؛ يُفضِّل صنّاع القرار الإسرائيليين معالجة هذه الأمور بشكل آني ضيِّق الأفق. وقد أظهرت كارثة حريق غابات جبل الكرمل مدى تأخّر إسرائيل في مجال إطفاء الحرائق.

إنّ الأيدي التي أشعلت النار في غابات الكرمل، وسلطات الدولة التي أهملت حماية المواطنين؛ لم تتسبّب فقط في وفاة العشرات وفقدان الآلاف لمنازلهم، بل حرقت أيضاً أسطورة الدولة اليهودية العظمى المتقدمة تقنياً وعسكرياً، والقادرة على فعل أيِّ شيء، وبالتالي فقدت ما يُطلَق عليه “قدرة الردع”.

لقد ذكّرني أسطول طائرات الإطفاء الذي جاء من الغرب، بالجسر الجوي المُحمّل بالأسلحة الذي أرسلته الإدارة الأمريكية أثناء حرب تشرين الأول/ أكتوبر (1973) في ذروة الحرب الباردة التي قسّمت الشرق الأوسط بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة.

أمّا اليوم فيستطيع رئيس الوزراء (الإسرائيلي) الاتصال بموسكو، وفي الصباح التالي تصل طائرة إطفاء روسية إلى مطار بن غوريون، من كان يصدق في تلك الأيام أنّ الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية يمكن أن تتسابق للمشاركة في إطفاء حريق في إسرائيل؟!

صحيح أنّ طلب مساعدة العالم لإطفاء حريق أو لمقاومة وباء أو فيضان ليس عيباً، فأكبر البلدان وأغناها تحتاج دوماً إلى مساعدة خارجية في أوقات الأزمات والطوارئ. ولكن قليلة هي الدول التي تقوم بذلك وفي الوقت نفسه تتهم العالم كلّه بمحاولة نزع الشرعية عنها.

ولذلك حتى لا يغرينا الأمر ونبدأ في الثقة بجيراننا المسلمين؛ أسرع (وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور) ليبرمان وأعلن أنّ الألمان، وليس نحن حاشا لله، هم من دعوا الأتراك الأشرار للمساعدة في إطفاء حريق الكرمل.

ففي الوقت الذي بدأنا ننعم فيه بالراحة والهدوء في الغيتو اليهودي المُغلَق علينا، يُصِرّ أعداء إسرائيل على مساعدتنا للخروج من أزماتنا. بعد انطفاء النيران التي التهمت منازل مستوطنة “بيت أورن”، سنعود للتفاوض مع الأمريكيين على بناء مزيد من المنازل في (المستوطنة المقامة في الضفة الغربية) “عوفره”، وسيمرِّر الكنيست قانوناً بضمّ مستوطنة “آريئيل”، ونعود لنطرد مزيداً من الفلسطينيين من حي الشيخ جراح.

وسيعرض بنيامين نتنياهو على الفلسطينيين، كما قال لأعضاء كونغرس أمريكيين، دولة منزوعة السلاح تسيطر إسرائيل على حدودها ومجالها الجوي وحتى على موجات الراديو فيها. وسيستمرّ حزب العمل في دعم رئيس الوزراء الذي طمأن أعضاء حزب الليكود بأنّ رؤيته السياسية تتلخص في الاقتصار على إعطاء الفلسطينيين السلطة لإدارة “هيئة مياه الصرف الصحي في جنين”.

وعندما ينفِّذ محمود عباس تهديده ويعطي مفاتيح هيئة الصرف الصحي في جنين لنتنياهو، وينهي بذلك مسيرة السلام المتعثرة؛ سيكون الائتلاف الدولي الإقليمي، الذي هبّ للمساعدة في إخماد نيران الكرمل، تحت تصرّف إسرائيل من أجل تحقيق السلام.

ولكن عندما تنقضّ “حماس” على الضفة الغربية؛ لن ترسل أيّة دولة طائرات إطفاء للتأكّد من عدم انتشار الحريق من رام الله إلى مستوطنات الضفة الغربية. ليس الاحتلال كارثة طبيعية، بل كارثة من صنع الإنسان، من صنعنا نحن، وأضراره المحلية والإقليمية وتداعياته الاستراتيجية ستضطرّ إسرائيل لمواجهتها بمفردها.

من المحتمل أن تُقام لجنة للتحقيق في الإخفاقات في تأمين غابات جبل الكرمل، وتقصير نظام مكافحة الحرائق في إسرائيل. ولكنّ الأهم من ذلك هو الاستعداد للحريق الأكبر الذي سينشب في ظلّ انعدام التخطيط السياسي الاستراتيجي طويل المدى، وخاصة بعدما اتضح أنّ مصيرنا مرهون بيد قيادة غير قادرة حتى على إطفاء حريق. وأخيراً يجب على من كُوي بالنار ألاّ يلعب بالكبريت.

هآرتس، 15/12/2010

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات