الأربعاء 14/مايو/2025

الأجواء غير صالحة لإتمام المصالحة

د. امديرس القادري
يبدو أن جهود المصالحة التي بذلتها الحركتان – حماس وفتح – مؤخرا عادت لتواجه الإعاقة من جديد وذلك بالاختلاف على المكان والذي كان من المقرر أن تكون العاصمة دمشق الخيار الأمثل له خصوصا وأن اللقاء الأول حصل على أرض غوطتها الفيحاء، وبناء على ما ورد في وسائل الإعلام فإن الطلب بالتغيير جاء من الطرف الفتحاوي والذي اعتبر أن الوفد السوري الذي شارك في أعمال قمة سرت الأخيرة تحدث بطريقة وأسلوب حملت بين طياتها إهانة للكرامة الفلسطينية وهذا ما سبق وصرح به السيد نبيل شعث عضو لجنتها المركزية.

بعض النقاد والمحللين من الذين تناولوا عنوان وأسباب الخلاف ذهبوا إلى القول بأن الذين ضاقت بهم فلسطين لا يمكن أن تتسع لهم كل عواصم الدنيا، وبالتالي فحجة المكان واهية ولا يجوز التعليق على شماعتها، وعليه فالاعتراف بالأسباب الفعلية هو الذي سيفتح كل الأبواب المغلقة.

الإعلام الفتحاوي ومن مستوى الرئيس عباس وصولا لأصغر متحدث وهم بالعشرات اتفقوا على إطلاق العنان للتهم التي لا تعد ولا تحصى، فقالوا إن حماس تبني إمارة للظلام في غزة، وتستعد للانقلاب على السلطة في الضفة، وبين الاتهامين كان القصف اليومي لا يتوقف ولا يكن.

الإعلام الحمساوي وعلى لسان الكثير من القادة والكوادر ومن داخل وخارج الوطن تحدثوا عن السلطة والمفاوضات العبثية، وعن دايتون وأجهزة القمع، وعن مطاردة وملاحقة الوطنيين، وأماطوا اللثام عن الويلات التي جرها ولا يزال التنسيق الأمني مع العدو وأجهزته، هذه أمثلة قليلة من الكثير المؤلم، وهذا يعني أن الخطاب الحمساوي سيبقى مزعجا ومرفوضا إذا ما ظل منصبا على المقاومة ووضوح البرنامج السياسي.

ما ورد في الفقرتين أعلاه ليس من باب المقارنة بل من أجل البحث الموضوعي عن أجواء صادقة يمكن لها أن تؤسس للقاعدة الصلبة التي تحتاجها هذه المصالحة، وهذا ما نراه غائبا تماما وعلى صعيد جميع العناوين الأساسية التي أنتجت وأدت لولادة هذا الخلاف والانقسام.

ثلاث سنوات ونيف انقضت من عمر هذا القصف المدفعي الثقيل، ولذلك فإن ما أصبح موجودا في صفوف العامة من أبناء هذا الشعب من الطبيعي أن يختلف كثيرا عما هو موجود في رؤوس القيادات والكوادر، وبالتالي فإن محاولات تنظيف الشارع مما علق به لن تكون سهلة، ولن تجدي معها المجاملات والدبلوماسية وتوزيع الابتسامات أمام عدسات التلفزة وكاميرات الصحافة.

الخلاف جدا عميق إذا ما افترضنا وجود المسؤولية والحرص الوطني على القضية وعلى إدامة هذا الصراع وبالأبعاد السياسية، والكفاحية، والتنظيمية التي أصبح يفتقر إليها شعبنا، وبات متهما بموجبها بالخامل، والمخدر، والمضلل، والضائع وهذا ما تتحمل مسؤوليته القوى الوطنية جميعها وبلا استثناء.

إن خوفنا من هذا الذي جرى وسيجري بعد أن تحل ” عقدة المكان ” سيبقى بالمقابل عميقا وكبيرا، ليس لأننا نرفض الوحدة والمشاركة الوطنية بين فصائل النسيج الوطني فهذا شرط أساسي وإستراتيجي لا غنى عنه لأي حركة تحرير وطني، ولكن كيف يمكن أن نصل لامتلاك القناعة ولو بالحدود الدنيا بأن هذا الذي يجري يشكل قاعدة صلبة لبناء وقيام عمل وطني وحدوي أمام السياسات والمواقف والبرامج المعلنة وغير المعلنة، ألم يكن بالأمس فقط ” أبناء ” فتح من قادة الأجهزة الأمنية ينعمون برحلة سياحية في قواعد الجيش الصهيوني، فأين هو المنطق الذي سنراهن عليه والذي بموجبه سوف تتم مصالحة بين فئة  لا هم لها سوى التفريط، والتنازل، وتجاوز كل المحرمات الوطنية وبين المحاصر، والمطارد، لأنه يصر على التمسك بالمقاومة والوضوح السياسي، ثم يخرج علينا بعض المنظرين بالقول إن اللعبة الديمقراطية وحرية اختيار الأسلوب تسمح لكل طرف أن يمارس برامجه وخططه وبدون أن يؤذي الآخر، وهذا كلام بالنهاية لا ينطلي على من هم في الأرحام من أبناء شعبنا، كيف يمكن أن تقاوم حماس ومعها كل المؤيدين لبرنامج المقاومة والإحصائيات تقول إن هنالك تنسيقا أمنيا مشتركا كل ثلاث ساعات بين  الصهاينة وأفراد هذه الأجهزة.

طريق المصالحة واضح لمن يبحث عنه بصدق،ولن يتأخر الصادقون في تقديم كل التنازلات والتضحيات التي لن يحدث معها خلل في الأسس السياسية والوطنية والتي تحتاجها المصالحة،و هذا هو ما يحتاجه  صراعنا الطويل واللامحدود مع عدونا الصهيوني، أما من يسعى للاستخفاف بعقول هذا الشعب وطموحاته وحقوقه التاريخية فهو المكشوف أمام الصغير قبل الكبير ومهما حاول أن يغطي الشمس بالغربال.

المصالحة التي ينتظرها الشعب ستبقى أوسع وأكبر من كل الأسماء ومن كل الملفات، ففلسطين الوطن والهوية ترفض رفضا قاطعا وباتا أن يتم اختزالها لتصبح ملفا يبحث في هذا الاجتماع أو ذاك، فلسطين تعلم جيدا ما هي بحاجة إليه، لأنها تعرف عدوها وهي على دراية تامة بما يخططه لها من مؤامرات و دسائس، فإما أن نكون بمستوى هذه المعرفة أو لا نكون، وهذه المعرفة لن يمتلكها إلا الرجال الصادقون المخلصون والذين هم وحدهم أصحاب الحق في الجلوس على الموائد التي يمكن أن تبحث في احتياجات هذه الثورة وبما يضمن لها الوصول لتحقيق أهدافها، للطرفين أقول إياكم وغضب الشهداء، إياكم أن تساوموا على الدماء، وإذا كنتم فعليا بصدد كتابة وثيقة جديدة لوحدة العمل الوطني الفلسطيني فليكن الدم حبرها، وكونوا على يقين أن الرابط التاريخي بين الذاكرة والنسيان أقوى بكثير من كل الابتسامات!!.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...