الأربعاء 14/مايو/2025

فرص فاتت على المفاوض الفلسطيني

الهادي بن محمد المختار النحوي

تناولت في مقال سابق وضعية الطرفين المتفاوضين واستخلصت أن الاختلال البين في الموازين الذي يصل حد كفة فارغة صفرية بل أقل من الصفر مقابل كفة طفح كيلها يجعل ما يحصل إملاءات أكثر منه مفاوضات.. لذلك سأكون واقعيا ولن أطلب من مفاوض السلطة أن يجهز الجيوش ويحرك الطائرات وينصب الصواريخ في استعراض للقوة قبل المفاوضات لسببين اثنين أولهما أنه لا يوجد لديه شيء من كل ذلك أما السبب الآخر فلأنهم أكدوا أن لا بديل عن المفاوضات سوى المفاوضات وأنهم متمسكون بها لحد العشق والهيام والوله فهم ذاهبون إليها حتى لو كانت نسبة النجاح أقل من 1% وحالهم يقول: 

وما حب الأوطان شغف قلوبنا ولكن حب المفاوضات والوسيط والمفاوض…
كان المفاوض الفلسطيني سيكون ذكيا لو حرك ورقة المقاومة ولو على سبيل التهديد فقد كان بإمكانه أن يطلق المقاومين من سجون السلطة ويعلن عن عقد اجتماع مع قادة المقاومة حتى لو لم يتفق معهم..

كان بإمكانه أن يبلغ الإسرائيليين أنه ذاهب للمفاوضات بشروط وإذا لم يستجيبوا لتلك الشروط فإنه ليس بإمكانه منع عمليات المقاومة..

قد لا يكون من الواقعية أن نقول للمفاوض الفلسطيني لا تذهب للتفاوض قبل انسحاب إسرائيل من الضفة وتفكيك المستوطنات

وقد لا يكون من الواقعية أن نقول له لا تذهب للتفاوض قبل اعتراف إسرائيل وأمريكا من ورائها بأن القدس مدينة محتلة
وقد لا يكون من الواقعية أن نقول له لا تذهب للتفاوض قبل تبييض السجون

وقد لا يكون من الواقعية أن نقول له لا تذهب قبل أن تعوض إسرائيل ومن ورائها أمريكا وبريطانيا والدول الغربية كل فلسطيني هجر من بيته أو سجن أو نفي أو عذب أو استشهد…

وقد لا يكون من الواقعية أن نقول له لا تجلس للتفاوض قبل أن تسلم إسرائيل وأمريكا لمحكمة الجنايات الدولية (نطاق عملها لا يتعدى دول العالم الثالث ) قائمة بأسماء القادة الإسرائيليين من سياسيين وعسكريين وأمنيين للمحاكمة…

وقد لا يكون من الواقعية أن نطلب من مفاوض السلطة عدم تلبية دعوة كلنتون إلا بعد إعادة المهاجرين – أو المهجرين – الروس والأحباش وغيرهم من شذاذ الآفاق إلى بلدانهم الأصلية..

وليس من الواقعية أن نقول له لا تفاوض قبل تفكيك الترسانة النووية الإسرائيلية، وقد لا يكون من الواقعية أن نقول له لا تفاوض إلا إذا سحبت المبادرة العربية علنا وفي اجتماع قمة طارئ وسحب سفراء الدول العربية التي لها تمثيل في إسرائيل وقطعت العلاقات..

وقد لا يكون من الواقعية أن نقول له لا تفاوض قبل انسحاب أمريكا انسحابا حقيقيا – وليس إعادة انتشار – من العراق وتعويض العراقيين بلدا وشعبا وحضارة وبنى تحتية عما لحقهم بسبب الغزو الأمريكي البريطاني ومن معهم من الكومبارس ومحاكمة قادة أمريكا وبريطانيا وفي مقدمتهم بوش ورمسفيلد وباول وبلير الذي كان ضيف “شرف” في افتتاح المفاوضات بصفته مبعوثا للرباعية للسلام وما عهدناه إلا محشّ حرب ومدمرا للسلام وتجربته في العراق وأفغانستان ماثلة واضحة للعيان..

وليس من الواقعية أيضا أن يشترط تفكيك منظمة الأمم المتحدة قبل بدء المفاوضات باعتبار أنها كانت شاهد زور وشرعت على مدى أكثر من 6 عقود من خلال مجلسها للأمن (للظلم أحيانا) ما حل بالشعب الفلسطيني من نكبات ومآس..

فمع أن هذه المطالب مشروعة ومعقولة عند أصحاب الفطرة السوية من البشر الذين يميزون بين الظالم والمظلوم والمعتدي والمعتدى عليه.. لكنها خيالات وأحلام يقظة في عالم قانون الغاب وقانون القوة وسيطرة القوي على الضعيف..

إلا أنني سأكون واقعيا جدا ولن أطلب من المفاوض الفلسطيني إلا طلبات لن يترتب عليها تضحية ولا عمل مقاوم ولن تعرض أمنه وسلطته لاعتداءات الإسرائيليين والأمريكيين…

كان بإمكان مفاوض السلطة أن يقول للأمريكان والإسرائيليين وجماعة بني يعرب : أنا مستعد وذاهب ومحب بل عاشق للمفاوضات وستجدونني في القاعة قبلكم لكنني لن أوافق على التفاوض إلا بعد تحقيق المطالب التالية :

–  وقف الاغتيالات والاعتقالات
–   تبييض السجون على الأقل من فئات  النساء والأطفال والمرضى والمسنين وأصحاب الحجز الإداري والأسرى الذين قضوا أكثر من عشر سنوات في السجن ثم تحسين ظروف من يتبقى وفق المعايير الدولية – غير الأمريكية- لحين انتهاء المفاوضات وتعويض كل سجين عن فترة إقامته وراء القضبان..
–  رفع الحصار دون قيد أو شرط عن غزة
–  الاستعداد للاعتراف بيهودية إسرائيل مقابل الاعتراف بإسلامية فلسطين كما اقترح الكاتب الدكتور فائز أبوشمالة
–  أن يكون واضحا للمفاوض أن أي إخلال أو تراجع عن هذه الطلبات مثل عمليات الاعتقال والاغتيال وإعادة الحصار يعني تلقائيا انسحاب المفاوض الفلسطيني  مع التهديد أو التلويح بالعودة لخيار الكفاح المسلح..
–  عدم تنظيم أي جلسة مفاوضات في القدس المحتلة…
–  أن أي اتفاق قد يتوصل إليه لن يوقع قبل أن يعرض في استفتاء عام على الشعب الفلسطيني..
–  توقيع إسرائيل على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ووضع أسلحتها للدمار الشامل تحت الرقابة والتفتيش.
–  أن لا يطلب منه إدانة أي عملية ينفذها المقاومون ضد المحتلين
–  أن يدين العالم بما فيه أمريكا أي عملية قد ترتكبها إسرائيل من اعتقال أو اغتيال
–  أن أساس التفاوض هو أن الأراضي الفلسطينية احتلت بالقوة وأن العملية تفاوض على إزالة احتلال وليس على تضييع الحقوق.
–  أن الفلسطينيين تنازلوا تنازلات “مؤلمة” بما فيه الكفاية عندما  قبلوا بإسرائيل على جزء من أرض فلسطين التاريخية
–  أن فلسطين ليست للبيع وأن المبلغ المعروض ( 40 مليار دولار حسب وزير خارجية إحدى الدول العربية) لا يساوي قطرة دم فلسطينية واحدة.
 
الحصيلة منذ بدء المفاوضات

جرت العادة في العلاقات بين الأطراف المتنازعة أنه في حالة الاتفاق على البدء في المفاوضات فإن تلك المفاوضات تكون مقرونة بهدنة بين الطرفين وقد التزمت السلطة بهذه الهدنة وزيادة أما إسرائيل فإنها تفاوض لكنها تغتال وتعتقل وتصادر وتحكم الحصار وقد ارتفعت وتيرة الأعمال العدائية بعد بدء المفاوضات وبلغت ذروتها باغتيال القائد القسامي  إياد شلباية في طولكرم وهو في فراشه.. اغتالوه بدم بارد، أما معايدة المفاوضات لأهل غزة فكانت اغتيال قوات الاحتلال لمسن مع حفيده… واغتالوا قياديين من القسام في الضفة الغربية قبل أيام بوحشيتهم المعتادة..

وليت السلطة اكتفت بالالتزام بالهدنة من جانب واحد بل إنها طاردت المقاومين واعتقلتهم بعد عملية الخليل والعملية نفذت في المنطقة “ج” الخاضعة تماما للسيطرة الإسرائيلية..

وما دامت المفاوضات شاقة وصعبة والحلول الوسط فيها بعيدة المنال فإني أتبرع بفكرة للإسرائيليين ومعهم “الوسيط النزيه” لحل الموضوع نهائيا..
 
فما دام بنو يعرب قد أعلنوا تقاعدهم المبكر عن البحث عن حقوقهم بالقوة وهي الوسيلة المعهودة لدى كل الشعوب واختاروا الاستجداء وأعلنوها صراحة أنهم مهما هوجموا وقتلوا وهجروا واعتدي عليهم فإنهم سيقدمون الخد الأيسر لاستقبال لطمة جديدة …وأنهم متمسكون تمسكا لا رجعة فيه بالسلام كخيار “استراتيجي ” فإني أهمس في أذن المفاوض الإسرائيلي وكفيله الأمريكي بأن يبيد الفلسطينيين عن بكرة أبيهم لتحل المشكلة وبإمكانهم أن يطمئنوا إلى أن ردود الفعل العربية في أحسن حالها لن تتعدى إصدار بيانات استنكار وشجب وطلب اجتماع لمجلس الأمن.!

ستجتمع الجامعة العربية على مستوى المندوبين وتصدر بيانا تستنكر فيه ” المجزرة” وتحمل إسرائيل مسؤولية تهديد السلم والأمن العالمين … وسيؤكد البيان على تمسك العرب بالمبادرة العربية وبالسلام كخيار استراتيجي .. ويعلنون استعداد العرب للتطبيع مع إسرائيل مقابل دفن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة .. ويعلنون استعدادهم للتفاوض لكنهم سيهددون بعدم التفاوض قبل فتح كافة المقابر..

وسترسل الجامعة العربية رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة المسكين بان كي مون تطالبه بالتدخل العاجل لفتح المقابر لدفن جثامين الفلسطينيين.

وبعد ذلك يجتمع وزراء الخارجية العرب ويقررون رفع القضية إلى القمة في دورتها القادمة بعد سنة أو أكثر لا يهم  وبعد اجتماع القمة ستقرر القمة تشكيل لجنة من وزراء الخارجية مع الأمين العام للجامعة العربية تكلف بالذهاب إلى نيوورك لطرح القضية في مجلس (الأمن)

وبما أن الولايات المتحدة ستعرقل أي بيان يدين إسرائيل وتعتبره غير متوازن فإن العرب سيقبلون ببيان ” متوازن” يدين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.. سيدان الفلسطينيون لأنهم تمسكوا بأرضهم وأرض أجدادهم لقرون عديدة فخلقوا مشكلة لأمن إسرائيل وكلفوا الجيش الإسرائيلي كميات هائلة من الذخيرة الحية واستخدام الأسلحة المختلفة وعرضوا جنود إسرائيل “للخطر النفسي”..

وسيشير البيان إلى عدم التحفظ على الاستخدام المفرط للقوة من قبل الإسرائيليين مع تفهمه لحقهم في الدفاع عن النفس… 
وبما أن العرب لا يريدون إعطاء ذريعة لإسرائيل للتخلي عن التزاماتها في بناء السلام والثقة والتطبيع فإنهم سيوافقون على حل وسط يقترحه الأمين العام للأمم المتحدة بعد التشاور مع “الرباعية” بحيث تدفن جثامين من ولد في فلسطين المحتلة بعد 1967م في عدد من الدول العربية بينما تقبل إسرائيل بدفن الذين ولدوا قبل 1967م في أراضي  يهودا والسامرة..

ولحرص العرب أيضا على سحب الذرائع كل الذرائع من إسرائيل فإنهم سيناقشون قضية فلسطينيي الشتات في قمة عربية طارئة وسيقرر القادة أن الحل الوحيد هو قتلهم جميعا كما فعلت إسرائيل بفلسطينيي الداخل لكنهم سيطلبون من الأمين العام للأمم المتحدة التفاوض مع إسرائيل لعودة الجثامين إلى فلسطين المحتلة … لكن الولايات المتحدة والغرب معها وتوابعهم سيقولون إن عملا كهذا يعد معاداة للسامية ولن يقبلوا بتلويث دولة اليهود بجثامين الأميين..

وستتحرك الرباعية وميتشل لثني العرب عن الفكرة ومطالبتهم بالتعويض لإسرائيل عن الأضرار النفسية التي تكبدتها بسبب التهديد بعودة جثامين الشتات الفلسطيني..
وهكذا سيتراجع العرب ويسحبون طلبهم ويؤكدون تمسكهم بالمبادرة العربية لدفن الجثامين ودفن الأرض  وتضييع الأرض وكل الحقوق..
وستجتمع الجامعة العربية _ العبرية في القدس عاصمة إسرائيل وينتخب ليبرمان أمينها العام..
وهكذا ستزدهر منطقة الشرق الأوسط أو المنطقة العبرية.. وبذلك تتحق كل مطالب مفاوض السلطة ما ظهر منها وما خفي وما علم وما جهل ويتأكد له أن هذه فرص لا تفوت.. ويا فرحتك يا متشل…
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...