الأقصى ما لا بدَّ منه

* واقعتان مهمتان تتصلان بالمسجد الأقصى توافق ذكراهما شهر آب- أغسطس، الأولى: “هبة البراق” في العام 1929م، والثانية: “إحراق المسجد الأقصى” في العام 1969م.
بين الواقعتين أربعون سنة هي المدى بين احتلالين أسَّس أولهما (البريطاني) للآخر (الصهيوني) ومكّنه من الاستيلاء على فلسطين. وهي ملاحظة أوردها لأولئك الذين دأبوا على النظر إلى المأساة الفلسطينية وكأنها ابتدأت بعام النكبة (1948م)، وأيضاً لأولئك الذين يريدون تكريس هزيمة العام (1967م) كَحَدٍّ لها. فما “النكبة” و”الهزيمة” سوى مرحلتين في مسيرة غزو استعماري طويلة بلغت إقليم بلاد الشام واحتلته في الحرب العالمية الأولى (1914م-1918م). وكانت فلسطين الضحية التي قررت الإمبراطورية البريطانية المحتلة تقديمها فريسة للصهاينة ليقيموا فيها كيانهم المكرّس لتمزيق سورية الطبيعية من جهة، والعازل المانع لنهوض مصر من جهة ثانية. وهو ما سبق لي وأن بينته في مقالات: (“إسرائيل: ذاكرة للمستقبل”، و”نكبة النكبة: كان ما سوف يكون”، و”إسرائيل: مقاربة مكثفة”).
* * *
ملاحظتي السابقة تعلقت بمن يغضون النظر عن السياق التاريخي لاحتلال فلسطين، مما يشوش رؤية وفهم قضيتها، أما ملاحظتي التالية فتتعلق بمن يجزئون قضيتها ويحولونها إلى تفاصيل مفككة، من خلال فصل المسجد الأقصى المبارك عن “إطاره” المحيط – أي فلسطين المحتلة كلها- إلى الحد الذي يتخيلون معه أن بوسعهم الحفاظ على الأقصى (وربما استرداده؟) دون دحر الاحتلال وتحرير فلسطين! وهو وهمٌ لا يقل عن أوهام الذين يظنون أن بوسعهم اقناع المحتلين بالجلاء عما احتلوه في العام 1967م إذا ما تخلوا عن المقاومة!
كلا الوهمين ضار لأنه يحول دون امتلاك رؤية كُليَّة صحيحة تسمح بتعبئة القوى وإدارة الصراع بفعالية ضد عدو مصمم، ليس على احتلال الأرض وتهجير أصحابها العرب فقط، بل وعلى تهويد وعَبْرَنَة (من العبرية) كل موقع وكل شبر فيها سواء كان: إسلامياً أو مسيحياً، عربياً أو آرامياً أو كنعانياً…، لتأكيد مزاعمه بأحقيته التاريخية القديمة و”الإلهية” فيها، ولإزالة ومحو الآخرين الأصلاء من الماضي كما من الحاضر.
ضمن هذا “السياق والإطار” نفهم سُعاره المحموم وضراوة هجومه على الأقصى المبارك الذي يدعي أنه يقوم على هيكل النبي سليمان.
وهو ادعاء متهافت يتقنَّع بالدين ويجنّده لتغطية مطامعه اللصوصية والاستعمارية أسوة بأمثاله من الغزاة الناهبين الذين تقنعوا بتعميم “التَّمدُّن والحضارة” من قبل، أو بنشر “الديمقراطية وحقوق الإنسان” كما هي الحال الآن!
* * *
بسبب الخلل الهائل في موازين القوى، لم تنتصر “هبة البراق” الوطنية التحررية في العام (1929م) أول مواجهة شعبية كبرى بين عرب فلسطين والعصابات الصهيونية المدعومة من الاحتلال البريطاني، رغم أنها شملت معظم مدن وبلدات فلسطين.
وقد صاغت مطالبها بوضوح لم تحجبه أضاليل المحتلين البريطانيين والصهاينة ومحاولاتهم حرف الصراع الجاري على الوطن والحرية والسيادة، وإظهاره بمظهر النزاع بين جماعتين دينيتين على ملكية موقع هو حائط البراق الذي يزعم اليهود أنه حائط المبكى.
تلخصت هذه المطالب في: اسقاط وعد بلفور، إنهاء الانتداب، وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ووقف نقل الأراضي العربية وتمليكها لليهود، واستقلال فلسطين وتشكيل حكومة وطنية.
تمكن العدو المتفوق من قهر جماهير الهبة بعد أسبوعين داميين، لكن دماء المئات من شهدائها وجرحاها، وبسالة أبطالها الذين أعدمهم بخساسة المحتلون البريطانيون (في سجن عكا في حزيران- يونيو 1930م) الشهداء: فؤاد حجازي، محمد جمجوم، عطا الزير، صارت قدوة ومثالاً على الاقدام والتضحية في سبيل الحقوق. وكانت “هبة البراق” بمثابة “تمرين عام” أفادت منه تجربة القسَّام والثورة الوطنية الفلسطينية الكبرى 1936م-1939م.
* * *
بعد إكمال احتلال بقية فلسطين في العام 1967م، قررت سلطات الاحتلال مباشرة ضم القدس وإعلانها عاصمة ل (إسرائيل). ومذّاك تتابعت عمليات تهويدها وطمس مقوماتها ومعالمها العربية، وكان إحراق المسجد الأقصى واقعة بارزة في سياق وإطار هذه السياسة والمسار الاغتصابي التهويدي الذي لم يزل متواصلاً عبر كل الطرق والأشكال والمسميات والذرائع.
ولولا يقظة وشجاعة وصمود حماة الأقصى الفلسطينيين الذين قدموا أرواحهم ذوداً عنه في وقائع معروفة، لربما تم تقويضه منذ زمن بعيد.
وبالطبع لن يتوقف العدوان، وسيستمر إلى اليوم الذي ينضو فيه العرب أوهامهم وينهضون إلى فعل ما لا بد منه: تحرير فلسطين من أدناها إلى أقصاها.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الجبهة الشعبية تحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسير القائد أحمد سعدات
فلسطين المحتلة- المركز الفلسطيني للإعلامحملت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الاحتلال الصهيوني، ورئيس حكومته الفاشية بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه إيتمار...

إصابة 3 مواطنين واعتقالات بمداهمات للاحتلال في الضفة
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامأُصيب ثلاثة مواطنين بكدمات وكسور، واعتُقل آخرون، خلال شن قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الثلاثاء، حملة...

حماس: العدوان على اليمن جريمة حرب وإرهاب دولة ممنهج
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام دانت تدين حركة "حماس" بأشدّ العبارات العدوان الاسرائيلي على اليمن، والذي نفّذته طائرات جيش الاحتلال، واستهدف مواقع...

تحذيرات من انهيار كامل لمستشفيات غزة خلال 48 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، اليوم الإثنين، من أن مستشفيات القطاع على شفا الانهيار خلال 48 ساعة بفعل منع...

غوتيريش: توسيع إسرائيل هجماتها بغزة سيؤدي لمزيد من الموت والدمار
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن خطة إسرائيل لتوسيع هجماتها على غزة ستؤدي إلى مزيد من الموت...

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...

9 شهداء بغارتين إسرائيليتين في مخيم النصيرات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 9 شهداء على الأقل، وأصيب عدد كبير من المواطنين بجروح، الإثنين، جراء غارتين شنتهما مسيّرات إسرائيلية، على منطقة...