الخميس 01/مايو/2025

إسرائيل هي من اغتالت الجنرال الروسي الكبير

إسرائيل هي من اغتالت الجنرال الروسي الكبير

الجنرال الروسي يوري إيفانوف نائب رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية، أي إنه الرجل الثاني في وحدة الاستخبارات الخارجية التابعة لوكالة الاستخبارات العسكرية (وكالة الاستخبارات العسكرية من كبرى وكالات الاستخبارات الروسية وأقواها -أقوى من كي جي بي- التي تم تفكيكها إلى وكالتين الأولى داخلية “أف أس بي” وخارجية “أس أف آر). وكان الرجل يتمتع بصحة جيدة، بل كان مفعماً بالصحة (52 عاماً)، كان يقوم بزيارة سرّية إلى سورية على ما يبدو لتفقّد القاعدة الروسية في ميناء طرطوس السوري على البحر المتوسط. وشيء طبيعي جداً أن تكون هناك زيارات استخباراتية غير معلنة بين الجانبين السوري والروسي، فالبلدان تربطهما علاقات جيدة كانت استراتيجية إلى ما قبل نهاية الحرب الباردة، وتجمدت العلاقات مع ترنح روسيا التي ورثت الاتحاد السوفييتي السابق في الديون وفي التبعية الاقتصادية للعرب لمساعدتها على تخطي أزماتها المالية، وبعد تولّي بوتن الحكم أعاد الاتزان لروسيا ودورها العالمي، ومن هنا كان الاهتمام بالصداقات الروسية القديمة مع العالم العربي ومنها سورية، وكان الاهتمام الروسي بميناء طرطوس متزايداً لأنه في البحر المتوسط الدافئ ولأهميته الاستراتيجية.

فالجنرال الروسي جاء لتفقد الإنشاءات الروسية في قاعدتها في طرطوس. وتعتبر سورية إحدى الدول القليلة التي لا تزال توجدُ على أراضيها، مواقع عسكريةٌ روسية. ومن أهم هذه المواقع، مركز الدعم اللوجستي، في ميناء طرطوس، الذي تأسس في الحقبة السوفييتية، ليكون مركز إمداد وصيانة وإصلاح لقطع الأسطول السوفييتي، بل إن ميناء طرطوس على سواحل البحر الأبيض المتوسط كان مرشّحاً ليكون ذا أهمية كبرى في الاستراتيجية الروسية، فالتفكير كان لدى الروس في نقل وحدات من قاعدة سيفاستوبول في الأراضي الأوكرانية على البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط في ميناء طرطوس عندما تنتهي الاتفاقية التي تستأجر بموجبها روسيا هذه القاعدة في العام 2017، حيث وضعت قيادة البحرية الروسية خطة جديدة لنشر الأسطول الروسي تعتمد على تعدد قواعد أسطول البحر الأسود لتتوزع وحدات الأسطول بين القواعد، التي يمكن أن تقع في نوفوروسيسك وتيمروك وتاغانروغ (روسيا) وأوتشامتشيرا (أبخازيا) وفي ميناء طرطوس في سورية، على أن تتمركز قيادة الأسطول في مدينة روستوف في جنوب روسيا.

إلا أن تغيير القيادة في أوكرانيا وتولّي رئيس موالٍ لروسيا هو فيكتور يانوكوفيتش أدّيا إلى تمديد وجود الأسطول الروسي. كما بحث الجنرال الروسي طلبيّات السلاح السورية وبعض الموضوعات المتعلقة بالتعاون الاستخباراتي السوري الروسي في أماكن ودول يهتم بها الجانب الاستراتيجي الروسي، وبحسب صحيفة “وطن” التركية فبعد زيارة الجنرال للقاعدة ذهب لمقابلة المسؤولين الأمنيين السوريين، وبعدها اختفى وكان الجنرال يوري إيفانوف من المؤيدين لاستمرار التعاون العسكري مع إيران، ومع تدفق الأسلحة الروسية على دمشق وطهران لأن الرجل كان من الذين يرون، وهو اتجاه كبير في المؤسسة العسكرية الروسية، أن الولايات المتحدة ما زالت تعتبر روسيا عدوّاً وتضمر لها المؤامرات، وأن التعاون مع طهران ودمشق يعتبر من بوادر الكبرياء الروسي في التعامل مع الأصدقاء. وتشير صحيفة “الغارديان” البريطانية إلى التنافس بين وكالات الاستخبارات الروسية العديدة، وأن الكرملين كلّف إيفانوف قيادة الحرب ضد مقاتلي الشيشان عام 2000، حيث قام بالإشراف على عدد من الاغتيالات لبعض الشيشان المقيمين بالخارج، ومن بينهم زيليمخان ياندربييف الذي قتل في تفجير سيارته بقطر. فقد أظهرت تحقيقات قامت بها السلطات القطرية بعد الاغتيال واعتقالها ومحاكمة عميلي مخابرات روسيين أنهما تلقيا أوامر مباشرة من القيادة الروسية، وقامت قطر بترحيلهما إلى روسيا عام 2005 حتى يقضيا باقي الحكم عليهما في سجن روسي لكنهما اختفيا عن الأنظار. ومن هنا فإن بعض التقارير الروسية ألقت بأصابع الاتهام إلى عناصر شيشانية وهو احتمال بعيد للغاية. وحسب الرواية الرسمية فقد مات الجنرال غرقاً أثناء ممارسته السباحة، واختفى الجنرال وما يقولونه إن سورية أبلغت عن اختفائه! وبعد أيام وجدت جثته متحللة في المياه التركية. فمن اغتال الجنرال الروسي الكبير؟ ليس لدى المقاتلين الشيشان أجهزة مخابرات خارجية بل هم من يتم استهدافهم وصيدهم في الداخل والخارج، ولكن الاحتمال الأقرب هو قيام الموساد “الإسرائيلي” باغتياله.

وليس مطلوباً من الموساد في مثل هذه الحالات أن يقوم بالعملية عبر عناصره، بل الأغلب أن المافيا “الإسرائيلية” الروسية هي التي قامت بالاغتيال، والمعروف أن قادة وزعماء المافيا الروسية-“الإسرائيلية”، كانوا في أغلبيتهم العظمى من اليهود الروس الذين كانوا يعملون في جهاز المخابرات السوفييتية “كي.جي.بي”، وجهاز المخابرات العسكرية السوفييتي، وذلك لتخريب العلاقات الروسية السورية المتنامية. فالرجل مات مغدوراً بعملية مخابراتية أشرف عليها الموساد ونفّذها بالتعاون مع المافيا “الإسرائيلية” الروسية.

* خبير مصري في الشؤون الدولية
 
صحيفة القدس العربي اللندنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات