التداعيات الإستراتيجية لأسطول الحرية على الكيان الصهيوني

مقدمة
تعالج دراسة الحالة هذه ضربةً سياسية استراتيجية سُدّدت إلى إسرائيل بعد التخطيط لها بدون انقطاع منذ شهر شباط 2009، ونُفّذت في 31 أيار 2010. باتت القضية تُعرف باسم “أسطول غزّة”، وقد تجاوز هذا الجهد الأخير توقعات منظميه بإلحاقه أذىً كبيراً وملموساً بإسرائيل.
جرى التخطيط لأسطول غزّة عبر الإنترنت وفي المؤتمرات العامة التي دعت إليها منظمات غير حكومية، وبخاصة التي تعمل في المدن الكبرى بالدول الصديقة لإسرائيل، مثل لندن ودبلن وسان فرانسيسكو.
كان أسطول غزّة مجرّد رأس جبل الجليد في السياق العريض. وكان بمثابة حدث من سلسلة ترتيبات في سياق حملة عنوانها “شريان حياة غزّة” صُممت لكسر “حصار” غزّة. والحملة في حدّ ذاتها واحدة من بين العديد من الحملات الموجَّهة ضدّ إسرائيل، مثل “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات”، و”استراتيجية ’الحرب القانونية‘” ومؤتمرات دبلن.
تشكل هذه الحملات بمجموعها هجوماً عالمياً منهجياً شاملاً على إسرائيل وعلى نموذجها السياسي والاقتصادي. وهذه الحملات تتغير وتتكيّف باستمرار وهي تكتسب زخماً. وهدفها النهائي نزع شرعية إسرائيل تمهيداً لتفجيرها من الداخل أسوة بحالات الانهيار التي شهدتها دول مثل الاتحاد السوفياتي وأفريقيا الجنوبية في زمن التفرقة العنصرية.
نفّذت هذا الهجوم قوتان متعاونتان عملتا على خطين متوازيَين أولاهما ’شبكة المقاومة‘ التي تقودها إيران وحماس وحزب الله، وهي تنكر حقّ إسرائيل في الوجود بناء على إيديولوجيا دينية قومية عربية وإسلامية. والثانية هي ’شبكة نزع الشرعية‘ والتي تركز جهودها في عدد قليل من المدن الرئيسية مثل لندن وبروكسل ومنطقة خليج سان فرانسيسكو، وهي تنكر حقّ إسرائيل في الوجود استناداً إلى حجج سياسية أو فلسفية أو تاريخية.
تواجه إسرائيل هذا الخطر من موقع ضعف استراتيجي جليّ، وهي تعاني من مفاجآت كبيرة متجددة ومن نكسات. ومع أن التحدّي عالمي ومنهجي شامل يغلب عليه الطابع السياسي، لا يزال الردّ الإسرائيلي محلياً وانفعالياً ومتأثراً بالوضع الراهن في الأساس ويغلب عليه التفكير العسكري والممارسات العنيفة.
ربما أدى التغيّر في سياسة إسرائيل تجاه غزّة على صعيد حركة السلع المدنية إلى تجريد حملة شريان غزّة من سلاحها وبالتالي ربما حققت استراتيجيةُ الأسطول الغاية التي تُرتجى منها. لذلك، ربما يكون التركيز على اعتراض الأسطول التالي أشبه بالاستعداد لحرب نشبت بالأمس.
في هذه الأثناء، تتكيف حملة “نزع شرعية إسرائيل” باستمرار، وستتبنى الشبكةُ التي أرسلت الأساطيل منطقاً وشكل حربٍ جديدة. لذلك، يقتضي الردّ الإسرائيلي على الأساطيل التي ستأتي في المستقبل وعلى الحملة العريضة التي تُشَنّ ضدّ إسرائيل معالجةً منهجية شاملة لتحدّي دُعاة نزع الشرعية.
كان لأسطول غزّة تداعيات ملموسة طالت الشؤون الأمنية والخارجية الإسرائيلية، منها: تنظيم مظاهرات مناهضة لإسرائيل في مختلف أنحاء العالم، وتغيير السياسات الإسرائيلية الخاصة بغزّة على نحو اعتُبر أنه رضوخ للعنف، وزيادة المحاولات المبذولة لمقاطعة إسرائيل، وموجة من حالات إلغاء فنّانين دوليين بارزين مناسبات في إسرائيل، وتشكيل عدد من لجان التحقيق الدولية التي تطعن في النظام القضائي الإسرائيلي، وبروز تعاون أوثق بين العرب الإسرائيليين وشبكات المقاومة ونزع الشرعية. وبالإضافة إلى ذلك، استغلّت الحكومةُ التركية هذه الحادثة في تعقيد الأزمة مع إسرائيل.
يعتبر معهد ريئوت هذه الدراسة نقطة انطلاق لعملية “مفتوحة المصادر” تقوم على تطوير المعرفة في إقامة شراكات مع الشعوب على صعيد مدلول أسطول غزّة، فضلاً عن الاستنتاجات والتوصيات ذات الصلة. وبالتالي نحن نرمي إلى دعوة هيئات إضافية والجمهورِ العام إلى تقديم اقتراحاته أيضاً.
تحدّي “نزع الشرعية”
واجهت إسرائيل في السنين الأخيرة تحدياً جديداً معتمداً على إنضاج عمليتين:
– التعقيد المتزايد لحركة حماس وكفاءتها و”منطق الانفجار الداخلي” لشبكة المقاومة. المراد من استخدام هذا المنطق التعجيل بحدوث انهيار داخلي في إسرائيل من خلال “استنفاد قواها” عبر منعها من إنهاء سيطرتها على الشعب الفلسطيني، ونزع الشرعية عنها وتطوير عقيدة لخوض حرب غير متكافئة مع الجيش الإسرائيلي ولا توفّر السكان المدنيين الإسرائيليين. وهذا المنطق يستلهم من انهيار الاتحاد السوفياتي ونظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا.
– تطوير شبكة نزع الشرعية. تهدف هذه الشبكة إلى تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة بحيث تزول عن الوجود في نهاية المطاف. تعتمد هذه الشبكة على عدد من العواصم التي يستطيع عدد صغير نسبياً من الأفراد والمنظمات تعبئة المشاعر فيها للطعن في شرعية إسرائيل. يكمن نجاح شبكة نزع الشرعية في قدرتها على استنهاض النخبة التقدمية الليبرالية الغربية. وتقوم بذلك باستخدام وسائل متعددة للتستّر على نواياها الحقيقية.
يتزايد تعقيد الأفكار التي تؤمن بها المجموعتان ونضجها وتماسكها حتى وإن لم يتبيّن بعد أنها تمثّل استراتيجية واضحة لها أهداف عملانية أو جداول زمنية أو محطات رئيسية.
– الترويج لحل الدولة الواحدة. في حين ترمي شبكة المقاومة إلى إضعاف أية محاولة للفصل بين إسرائيل والفلسطينيين بناء على حل الدولتين، تعمل شبكة نزع الشرعية على تشويه سمعة إسرائيل بوصفها “دولة احتلال” وطرح حل الدولة الواحدة.
– تكبيل أيدي إسرائيل في صراعها مع حماس وغزّة (أو مع حزب الله في لبنان). في حين تعمل شبكة المقاومة على تعزيز نموذج “حماسْتان” كواجهة لصراعها الإيديولوجي والعسكري مع إسرائيل، تكبّل شبكةُ نزع الشرعية أيدي إسرائيل بشلّ قدرتها على المناورة السياسية والعسكرية ومنح حماس صفة الشرعية.
تقود هاتان المجموعتان هجوماً منهجياً شاملاً على النموذج السياسي والاقتصادي الإسرائيلي الذي يعاني أصلاً من ذيول استراتيجية ربما تصبح وجودية في حال تم التغاضي عنها أو التعامل معها بشكل غير مناسب. أضف إلى ذلك أن إسرائيل تعاني من ضعف مفهومها الاستراتيجي في تعاملها مع هذا التهديد.
بعبارة أخرى، لا يوجد لدى إسرائيل ردّ فاعل على التحدي الذي تواجهه. وقد تسبب هذا الموقف الضعيف بمعاناة متكررة لإسرائيل نتيجة لخيبات الأمل السياسية والدبلوماسية، على الرغم من تفوقها الكمّي والنوعي في المجال العسكري والتكنولوجي والاقتصادي.
وعلى سبيل المثال، باتت قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها عسكرياً مشكوكاً فيها، وسيادتها عرضة للانتهاك بسبب التدخل الدولي المتزايد في شؤونها الداخلية واستخدام نظامها القضائي ضدّها، فضلاً عن حملات المقاطعة التي تواجهها.
مرونة حماس
تضافرت جهود شبكة نزع الشرعية وشبكة المقاومة صراحة أو ضمناً لإضفاء الشرعية على حكومة حماس وتقويتها عقب الفوز الذي حققته الحركة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (كانون الثاني 2006). وتماشى إعلان حماس بطلان الاتفاقات التي كانت قائمة حتى ذلك الحين بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل مع الإيديولوجيا التي تحرّك هاتين الشبكتين.
وطوال هذه المدة، أثبتت السياسية الإسرائيلية، التي تقوم على منع تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية إلى حين تحقق الشروط الثلاثة التي وضعتها اللجنة الرباعية، أنها غير فاعلة في حمل حماس على تغيير مواقفها أو في التسريع بزوالها.
وبالمقابل، تعاظمت قوة حماس يوماً بعد يوم، في ما أصرّت إسرائيل على استراتيجيتها، إلى أن قامت حماس بالسيطرة على قطاع غزّة في حزيران 2007 وانتزعت السيطرة على القطاع من السلطة الفلسطينية ومن حركة فتح بالكامل. وبعد ذلك بوقت قصير، فرضت إسرائيل حصاراً على غزّة.
لا يزال يوجد عدد كبير من القضايا على الأجندة منذ ذلك الحين، مثل تثبيت وقف إطلاق النار على حدود إسرائيل مع غزّة، وتحميل حكومة حماس المسؤولية عن ضبط الجماعات المسلّحة، وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، وإطلاق سراح جلعاد شاليط، والمعابر الحدودية بين غزّة وإسرائيل ومصر والعالم، والوحدة الوطنية الفلسطينية، وتهريب الأسلحة إلى غزّة من البحر أو من مصر.
تلخّص عملية الرصاص المصبوب (كانون الثاني 2009) مشكلة إسرائيل مع غزّة: لا رغبة لدى إسرائيل في السيطرة على غزّة وهي تؤْثر حكومة حماس الحالية على الفوضى. بالإضافة إلى ذلك، إسرائيل أكثر ارتياحاً إلى الانقسام الحالي بين الضفة الغربية وقطاع غزّة منها إلى حكومة وحدة وطنية تجمع بين حماس وفتح.
على أنه لم يطرأ تغيّر جوهري على السياسات الإسرائيلية، برغم التغيرات الجذرية التي شهدها الواقع السياسي والدبلوماسي منذ كانون الثاني 2006، وعلى الرغم من فشل تلك السياسات في تحقيق النتائج المرجوّة. في هذه الأثناء، استطاعت حماس التكيف باستمرار مع الواقع الجديد، مظهرة حدساً استراتيجياً واضحاً نسبياً في المراحل المختلفة للمواجهة مع تعزيز مكانتها على الصعيدين المحلّي والدولي، برغم موقفها الضعيف في الميدان الاقتصادي والعسكري والسياسي.
التغيّر الرئيسي الذي طرأ على سياسة حماس منذ عملية الرصاص المصبوب كان اكتشاف أهمية الساحة الدولية في الصراع مع إسرائيل، فاستغلّت حملة نزع الشرعية بفاعلية. وبناء على هذا المنطق، قامت حماس بتعديل بعض مكونات صورتها وسياستها، بالإضافة إلى تحويل موارد الشبكات التي تساند الحركة إلى أوروبا للترويج لحملة نزع الشرعية.
استنتاجات رئيسية
1- ينبغي النظر إلى أسطول غزّة بأنه آخر تجلّيات هجوم منهجي شامل على النموذج السياسي والاقتصادي الإسرائيلي ويرمي إلى تقويض شرعية إسرائيل. كما أن أبرز التجلّيات الأخرى تتضمن على سبيل المثال حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، والحرب القضائية على كبار القادة الإسرائيليين (الحرب القانونية)، واستخدام تقرير غولدستون في ضرب إسرائيل.
2- كشف أسطول “مفاجأة جوهرية” الفجوة بين المذهب الذي يحكم تصرفات إسرائيل في المسائل الأمنية والسياسية وبين الواقع. والأزمة التي تلته لم تكن حصيلة فشل في جمع المعلومات الاستخبارية وإنما فشل منطق التفكير. لذلك، على الرغم من أهمية التحقيق الذي ت
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...