الإثنين 12/مايو/2025

الأهداف الإستراتيجية لخطة ليبرمان بشأن قطاع غزة

الأهداف الإستراتيجية لخطة ليبرمان بشأن قطاع غزة

لم يحظ وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بهذا المديح الذي بات يغدق عليه من قبل كل حلفائه في اليمين وخصومه في اليسار والوسط، إثر تقديمه خطته لانفصال إسرائيل “النهائي” عن قطاع غزة.

فقد باتت الخطة التي بلورها مركز الأبحاث الإستراتيجية التابع لوزارة الخارجية وتبناها ليبرمان في قلب الجدل في إسرائيل. وعلى الرغم من أن الخطة لم يتم تبنيها من قبل الحكومة الإسرائيلية إلا أن الكثير من النخب الإسرائيلية باتت تدعو لتبنيها وجعلها نقطة الانطلاق في تعاطي إسرائيل مع القضية الفلسطينية.

وقبل الخوض في تفاصيل الخطة وأهدافها وتداعياتها، فإنه يمكن القول إن خطورتها تكمن في أنها تهدف عملياً إلى تصفية القضية الوطنية الفلسطينية، وإعادة زمام المبادرة لإسرائيل بشكل يمكنها من تحقيق مصالحها الإستراتيجية في أقل قدر من الممانعة العربية.

بنود الخطة

تنص خطة ليبرمان على استكمال عملية “فك الارتباط” عن قطاع غزة التي بدأها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون والتي تم خلالها تفكيك المستوطنات اليهودية في قطاع غزة وإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في محيطه. ويرى ليبرمان أن غاية خطته أن يعترف العالم بانتهاء الاحتلال لقطاع غزة.

ولتحقيق هذا الهدف يتطلب من إسرائيل التالي:

1.التسليم بحكم حركة حماس في غزة والتوقف عن المحاولات لإسقاط حكم الحركة أو إضعافه.

2.فك الارتباط بين الاقتصاد الإسرائيلي واقتصاد قطاع غزة، بحيث تتوقف إسرائيل عن مد قطاع غزة بالكهرباء والماء وذلك عبر إقامة محطة توليد كهرباء ومنشأة لإزالة ملوحة مياه البحر بتمويل دولي، ومحطة لتنقية المياه العادمة، والتوقف عن استخدام العملة الإسرائيلية “الشيكل” في المعاملات المالية في قطاع غزة؛ مع العلم أن إسرائيل قطعت شوطاً في الانفصال الاقتصادي عن قطاع غزة عبر قرار بنك إسرائيل قطع العلاقات بين الجهاز المصرفي الإسرائيلي والبنوك العاملة في قطاع غزة.

3.الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على آلية لتفتيش السفن المتجهة إلى غزة، بحيث تكف إسرائيل عن المطالبة بتفريغ حمولات السفن المتجهة إلى غزة في الموانئ الإسرائيلية؛ حيث تقترح الخطة أن يتم تفتيش هذه السفن في ميناء ليماسول القبرصي، أو في موانئ يونانية تحت إشراف الاتحاد الأوروبي، وبالتنسيق مع إسرائيل.

4.نشر قوات أوروبية خاصة على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، وقطاع غزة ومصر، وذلك لمنع عمليات إطلاق الصواريخ والتسلل من القطاع إلى إسرائيل، وللحد من عمليات تهريب السلاح والوسائل القتالية من مصر إلى قطاع غزة. وعلى الرغم من أن الخطة لم تتحدث عن ذلك بصراحة إلا أنه من الواضح أن ليبرمان يرى أن خطته تقضي باستبعاد أن تكون إسرائيل طرفاً في أي اتفاقية بشأن تشغيل معبر رفح، بحيث إن إسرائيل سترى في هذه القضية شأنا يخص كلاً من مصر وحركة حماس.

5.تحرك دبلوماسي إسرائيلي مكثف في الساحة الدولية لحشد التأييد للخطة، بحيث تحصل إسرائيل بعد تطبيقها على اعتراف دولي بانتهاء احتلالها لقطاع غزة.

ظروف بلورة الخطة

تمت بلورة خطة ليبرمان في ظل ظروف دفعت الكثير من النخب في تل أبيب للاقتناع بأن إسرائيل لم يعد أمامها إلا أن تخسر في حال حافظت على طابع تعاطيها الحالي مع قطاع غزة. فقد فرضت إسرائيل الحصار على قطاع غزة لتحقيق هدفين أساسيين:
 
-أولاً: توفير الظروف التي تسمح بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي المختطف لدى حركة حماس جلعاد شاليط مع أقل ثمن يمكن أن تدفعه تل أبيب لقاء ذلك.

-ثانياً: العمل على إضعاف حكم حركة حماس وصولاً إلى إسقاطه، وذلك ليس فقط خدمة للمصالح الاسرائيلية، بل خدمة لكل من السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس والحكومة المصرية، فإسقاط حكم حماس يسمح بعودة حكم حركة فتح، علاوة على أنه يضع حداً لقلق النظام المصري من وجود حكومة يديرها خصومه من الإخوان المسلمين.

لكن دلت التجربة على أن إسرائيل مع الأيام لم تزدد إلا بعداً عن تحقيق هذين الهدفين، فالجمع بين الحصار والعمليات العسكرية العلنية والسرية لم ينجح في إقناع حركة حماس بتقليص قائمة المطالب التي تطرحها للإفراج عن شاليط. وفي كل ما يتعلق بهدف إضعاف حكم حركة حماس، فإن العمليات العسكرية والحصار قد أديا عملياً إلى تحقيق نتائج عكسية تماماً.

فقد أدت مظاهر التضامن الدولي مع قطاع غزة بسبب الحصار إلى تعزيز حكم حركة حماس، علاوة على أن الحصار وسع من دائرة الاهتمام الشعبي في العالمين العربي والإسلامي بما يجري في قطاع غزة، وهو ما بات يهدد بتوريط إسرائيل في مواجهات مع الكثير من دول العالم، على غرار ما حدث في أعقاب أحداث أسطول الحرية، التي كانت أهم محصلة لها تدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا، مع العلم أن تركيا كانت تعد الدولة ذات العلاقات الإستراتيجية الأوثق مع إسرائيل.

وبدلاً من إضعاف حكم حماس فقد مس الحصار بمكانة إسرائيل الدولية وشكل مصدراً للتشكيك بشرعيتها. وقد استفاد ليبرمان في طرح خطته من الدعوات التي صدرت عن النخب السياسية والأمنية في إسرائيل التي باتت تدعو إلى بلورة السياسة تجاه قطاع غزة استناداً لمصالح إسرائيل الإستراتيجية فقط وليس وفق بوصلة مصالح سلطة عباس والنظام المصري.

أهداف إستراتيجية

ترمي خطة ليبرمان إلى تحقيق أهداف إستراتيجية أخرى، مثل: تعميق التناقضات والخلافات بين حكم حماس في قطاع غزة والنظام المصري الذي لن يروق له استقرار حكم حماس في القطاع، مما قد يؤدي إلى المزيد من مظاهر الاحتكاك بين الجانبين. في نفس الوقت فإن ليبرمان ينطلق من افتراض مفاده أن خطته ستعمل على تهيئة الظروف الإقليمية والدولية لمواجهة المشروع النووي الإيراني الذي يعتبر في إسرائيل مصدر الخطر الوجودي الأول.

فحسب منطق ليبرمان فإن تنفيذ خطته سيكون بديلاً عن التقدم في المسار التفاوضي مع السلطة الفلسطينية، وبالتالي يتم سحب البساط من تحت أقدام بعض الأطراف التي تربط بين تعاونها في التصدي للبرنامج الذري الإيراني وبين حصول تقدم على المسار التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي.

الجزيرة نت، 28/7/2010

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات