حوار مع الأسير المحرر فؤاد أبو نار

وأخيرًا، وبعد عشرٍ من السنين تلتقي جبهته لتعانق ثرى فلسطين حين انكب ساجدًا لله متضرعًا، حامدًا نعمه على هذا العود الحميد الأبي إلى الوطن، عائدًا إليه رافعا هامته مستقبِلاً قبلة الجهاد، ومستعذبًا شجون المحن، ولا تزال عينه تروي قصة الثبات والصمود.
فؤاد جمعة أبو نار أسير قضى ماضيًا من عمره في سجون الاحتلال عشرًا من السنين، وقد تحرر يوم الأحد (6-6) ليروي لنا قصة المجاهد الفلسطيني الذي إن قضى منه البلاء وطرًا فإنه لا يقضي على تلك الأنفاس المقاوِمة التي سكنت دماء ذلك الفلسطيني الأبيِّ.
زرنا الأسير المحرر أبو نار لنحمل إليه إكليلاً من زهور الوطن ونتوِّج به جبينه؛ ذلك الجبين الذي لم يخر ساجدًا إلا لله، ولم يعلن انتماء إلا لتلك العقيدة وهذه القضية.
ودار حوارٌ تلمَّسنا من خلاله تلك الظروف والمعاناة وذلك الصمود والإباء الذي يتحدى به أسرانا ذلك الواقع المرير.
* بدايةً.. نتشرَّف ببطاقة تعريفية لذلك البطل.
** فؤاد جمعة أبو نار “أبو انس “، عمري 33 عامًا، أعزب، درست بجامعة الأقصى قسم كيمياء فرع إحياء، وحفظت كتاب الله تعالى في اعتقالي الأخير هذا؛ تأكيدًا لأن ذلك السجن محنة قد صنعنا منها منحة بإذن الله.
* لو تروي لنا قصة اعتقالك من قِبَل الصهاينة؟
** أولاً كُلِّفت من قِبَل الشهيد صلاح شحادة مع الشهيد مهند سويدان بعمليةٍ جهاديةٍ تتمثل في توصيل معلوماتٍ جهاديةٍ إلى الإخوة في الضفة الغربية، وحين هممنا بتنفيذ العملية والوصول إلى الحدود الفاصلة عند دير البلح بغزة فوجئنا بقوةٍ عسكريةٍ، وحصل إطلاق النار حتى الساعة السادسة صباحًا، ثم أحاطتنا قواتٌ عسكريةٌ كثيرة العتاد والعدة/ ثم نقلوني إلى مكانٍ عسكريٍّ مقيدَ الأطراف إلى سجن عسقلان، ومكثنا ما يزيد عن ثلاثة أشهر.
* وطبعًا كانت هذه الفترة فترة التحقيق والتعذيب على تهم قد وجِّهت إليك. ما تلك التهم؟
** ركَّز الصهاينة على ثلاثة من الأسئلة: من يقف خلفنا في تلك العملية؟ ومن سيستقبلنا في الطرف الآخر؟ وما طبيعة هذا العمل الجهادي؟
واستمر التحقيق وصنوف التعذيب على تلك الأسئلة التي بفضل الله استطعت أن أصمد ولا أجيب عن أيٍّ منها، وتم الحكم عليَّ فيما بعد على حمل السلاح والعمل على تنفيذ عمل جهادي.. ناهيك عن حكم العمل في الأنشطة الطلابية؛ حيث كنت رئيس الكتلة الإسلامية في جامعة الأقصى.
* إذن.. الكتلة الإسلامية تعتبر تهمة لدى الصهاينة.. لماذا وهي عمل طلابي نقابي؟
** العمل في صفوف الكتلة الإسلامية بنشاطاتها الطلابية كانت “تهمة” تستحق في نظر الصهاينة الحكم بالسجن على من ينتمي إليها. وقد صرَّح رجل المخابرات الذي حقق معي قائلاً: “إننا نعلم أن الكتلة هي عمل تجهيزي للكتائب”.
* ما شعورك بعد أن منَّ الله عليك بالإفراج؟ وماذا تمنيت وأنت تنعم بهذه الحرية؟
** بالتأكيد.. يغمرني شعورٌ السعادة بالحرية التي لا تقدَّر بثمن، لكن والله إنها لسعادة منقوصة؛ لأني حييت مع الأسرى أيامًا حلوة شعرت فيها أن لي بينهم الأب والأخ والصديق، وقد حزنت مع فرحتي على فراقهم. أما عما جال في خاطري وقت تنسُّمي الحرية فهو اشتياقي إلى هذا الوطن واشتياقي إلى ذلك الطريق الذي سنمضي فيه مستأنفين عملنا الجهادي مع إخواننا لنحمل الراية معهم؛ نساندهم في رد العدوان ومقاومته بكل السبل.
* لو سألناك عن تلك الظروف المعيشية التي تحيونها داخل تلك المعتقلات التي لا نسمع عنها إلا كل مرارة.. ماذا تقول؟
** إن الأسرى في كل جوانب حياتهم يعانون؛ فبدايةً على مدار 24 ساعة يوميًا لا يستطيعون الخروج لتنفس الهواء في مكان أوسع إلا لساعة أو ساعتين بنظام ما تُسمَّى “الفورة”؛ فيخرج إلى مكان ضيق لا يتعدى الأمتار القليلة ما يقارب خمسين من الأسرى ليتمشوا؛ فأثناء مشيهم تتضارب أرجلهم من شدة ضيق المكان الذي لا يتسع إلا لمشي 3 – 5 أشخاص. أما على صعيد الطعام فهم يقدمون أردأ أنواع الطعام من حيث نوعه وطريقة طهيه؛ فيقوم على إعداده السجناء المدنيون من اليهود الذين لا نثق بنظافتهم ولا بقيمهم وعاداتهم التي لا نألفها ولا تتماشى وديننا وطهارته، وإذا طلبنا شراء الطعام كثيرًا ما نمنع من ذلك، ونلزم بأكل هذا الطعام المقزز.
وهناك ما يعرف بالتفتيشات الطارئة التي تكون مفاجئة لنا؛ فقد تكون نهارًا أو ليلاً، فتباغتنا مجموعات صهيونية ملثمة الوجوه فتكبِّل أيدينا وتخرجنا بقوة وتعيث فسادًا في أمتعتنا وتعطب كل فيها.
وقد كانوا يعتمدون في كل تفتيش سكب الملح على السكر وإفساد مخزوننا من الطعام والملابس والحاجيات، وذات مرة مكثوا في التفتيش من الساعة الخامسة صباحًا حتى السادسة مساءً ونحن مقيدو الأطراف.
ناهيك عن منع الأسرى من رؤية ذويهم، وخاصة أسرى قطاع غزة الذين اشتد عليهم الخناق بعد الأحداث الأخيرة من انتخابات 2006م المشرفة، وبعد شاليط والحصار، بالإضافة إلى بعض معاناة أهالي الأسرى في الضفة بما يتمثل في منع الزيارة لدواعٍ أمنيةٍ.
التلفاز موجود في غرفتنا، ولكنه كعدمه؛ فالفضائيات كلها ممنوعة إلا الفضائية الإسرائيلية، وفضائية “العربية”، وقنوات روسية؛ وذلك للتضييق على الأسرى.
* ما نظرة الأسرى إلى صفقة شاليط التي لم تر النور بعد؟
** إن ثقة الأسرى بالفرج لا ينقطع، وحقيقةً.. صفقة شاليط فتحت باب الأمل فرفعت معنوياتهم، ونحن وجميع الأسرى ننتظر من المقاومة الثبات والمحافظة على الجندي لتحقيق الصفقة المشرفة العادلة لنا، ولا نقبل بالتراجع أو التنازل، وأبلغ المقاومة رسالة باسمي وباسم جميع الأسرى أننا صامدون ثابتون ومستعدون للمكوث سنوات وسنوات دون أن نتنازل ولو عن شرط واحد من شروط المقاومة مقابل تلك الصفقة.
* ما رأي الأسرى في الأوضاع الراهنة خاصة بعد أن اشتدَّ التضييق على الحكومة الحاليَّة بغزة والحصار ومحاولات إفشال المصالحة الفلسطينية وما يحدث بالضفة الغربية؟
** إن الأسرى على اطلاعٍ واسعٍ بما يجري على الساحة السياسية؛ فهم دائمًا في ترقب وتحليل؛ فهم لا يقبلون بما يحدث في الضفة من تعسفٍ واضحٍ لحساب الصهاينة، ويدركون بعدم رغبة فريق رام الله في المصالحة، ويشدون على أيدي الحكومة للضغط على زناد الجهاد وعدم التراجع والتنازل لأي طرف كان.
* رسالة أخيرة للبطل فؤاد.
** أولاً أرسل التحية تلو التحية إلى إخواني الأسرى وأقول لهم: اصبروا واثبتوا.. إن الفرج قريب.
ورسالتي إلى أهل الصمود: ابقوا على المقاومة.. بيدكم ستتحرر فلسطين وتتحقق العزة والكرامة، ومن يقف في وجه الجهاد غثاء وريشة في مهب الريح، وبإذن الله سيرفع الحصار ويتحقق النصر.
وكان لنا حديث مع تلك الأم الصابرة، وسألناها:
* بدايةً.. صفي لنا شعورك كأمٍّ فلسطينيةٍ أثناء أسْر فلذة كبدك في سجون الصهاينة.
** كان شعور المترقب المجدول بالمرارة؛ فكنا كلما اقترب وقت الإفراج صرنا نعد الأيام والليالي حتى فوجئنا بالقانون “الإسرائيلي” الجديد تحت مُسمَّى “مقاتل غير شرعي”، ويقضي هذا المسمى بأن كل مشتبه لدى الصهاينة بالعمل الجهادي وحمل السلاح فهو مفتوح حكمه ولو أنهى مدته، وأصبح خوفنا أكثر، ووالله لم نستطع النوم عند اقتراب نهاية الحكم الغاشم بحق فؤاد.
* ما ملامح تلك المعاناة التي كنتم تلاقونها أثناء زيارة أبنائكم حين كانت مسموحًا بها؟
** أولاً الطريق طويلة جدًّا؛ فكنا نخرج الساعة الرابعة صباحًا من بيوتنا، ونعود في آخر مساء اليوم أو صباح اليوم التالي؛ فعلى معبر “إيريز” يستمر إيقافنا داخل الحافلات ما يقارب 5 ساعات، ثم يفاجئوننا بدخول الحافلات فيأخذون ما معنا من زاد السفر ويلقونه في القمامةـ ويظل أطفالنا يصرخون من الجوع والعطش طوال رحلة العذاب تلك. أما عن التفتيش فقصة تبكي لها العيون: يدخلوننا على جهاز يظهر أجسدتنا أمام أجهزتهم عارية، وإذا وجدوا شيئًا معنا ولو قطعة منديل يأـخذون حامله إلى زنزانة انفرادية وتتم تعرية الجسد بشكل كامل ويعرضوننا للذل والشتائم والإهانة.
وعند وصولنا في آخر المطاف لرؤية فلذات أكبادنا نقابلهم وبيننا وبينهم طبقتان من الزجاج السميك؛ فلا نسمعهم ولا يسمعوننا، فنكلمهم بجهاز هاتف يضعونه في المكان ولمدة نصف ساعة فقط، وقد منعوا دخول الأطفال، وكانوا كثيرًا ما
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...