مقابلة مع الدكتور عبد الرحمن بارود حول التيار الإسلامي الفلسطيني 1948-1967

وكما رأيت اهتماماً كبيراً به من محبيه ومريديه رحمه الله، فقد لاحظت أن العديد من الباحثين والأكاديميين المعنيين بالتاريخ الفلسطيني الحديث، لم يطلعوا على تجربته. ولذلك أحببت أن أنشر هذه المقابلة للدكتور بارود كجزء من شهادته التاريخية. والسطور التالية هي نصّ المقابلة، بعد أن حذفت الأسئلة لأترك لشهادته أن تنساب بشكل سلس .
وكنت أجريت هذه المقابلة (مع عشرات المقابلات الأخرى) ضمن بحث أقوم بإعداده حول تاريخ التيار الإسلامي الفلسطيني بعد حرب 1948 .
محسن صالح
*******
النشأة:
وُلدتُ في قرية بيت دراس، سنة 1937؛ وهاجرت مع العائلة سنة 1948 إلى قطاع غزة. وفي سنة 1951 التحقت بالجمعية الإسلامية الوحيدة في القطاع، وهي “جمعية التوحيد” برئاسة ظافر الشوا. وكان في الجمعية قسم للطلاب، وكانت تقام حفلة يوم الخميس من كل أسبوع، وكانت ذات طبيعة خطابية دينية، يشارك فيها عدد من الأشخاص، ويتلى فيها القرآن، وتلقى الأشعار .
وفي المدرسة الهاشمية، حيث كنت أدرس، وكانت قريبة من جمعية التوحيد، برزت مَلَكَتي في نظم الشعر. وكان في المدرسة جمعية أدبية تتيح الفرص للمواهب، وكان الشاعر هارون هاشم رشيد يدرس الرياضة، وكان يُنقّح قصائدي التي أنظمها. وكان بعض طلاب المدرسة قد تعرفوا على الجمعية، وشجعوني على الذهاب لجمعية التوحيد، للاستفادة من كتبها ومجلاتها، وحتى ألقي شعري.
العودة الرسمية للإخوان:
عندما تشكّلت وزارة النحاس في مصر سنة 1951، سَمَحت لجماعة الإخوان المسلمين بالعودة لممارسة أنشطتها رسمياً. وفي صباح اليوم التالي للسماح، كان الناس يهنئون بعضهم بعضاً بعودة الجماعة؛ وأخرجوا يافطة من إحدى غرف الجمعية، ونظفوها وعلقوها، وهي مكتوب عليها “الإخوان المسلمون”. فصار هناك يافطتان، أحدها للتوحيد والأخرى للإخوان. وبدأت بذلك موجة نشاط واسعة للإخوان استمرت حتى سنة 1954، عندما قام عبد الناصر بمحاربة الإخوان. وكانت تلك الفترة فترة ذهبية للعمل الإسلامي في قطاع غزة. ورأى الناس نماذج طيبة للإخوان، الذين أصبحت لهم جاذبية كبيرة، ودخلوا في هذه الجماعة أفواجاً .
نشاط الإخوان في قطاع غزة:
تشكّلت شِعبٌ للإخوان في غزة في الشجاعية والرمال، وفي حي الدّرج وسط غزة حيث كان مقر المكتب الإداري لقيادة الإخوان في القطاع. وكان هناك فروع أخرى في خان يونس، ورفح، ودير البلح، والنصيرات، والمغازي، والبريج. وكان هناك دفتر للعضوية يُسجِّل فيه الأفراد أسماءهم. وكانت العضوية أشبه بعضوية نادٍ يدخل فيه الناس ويخرجون. وكان انتشار الإخوان أقرب إلى “عرس”، ويمثل حالة اندفاع جماهيري عفوي. وكانت فكرة الإعداد والتكوين والتربية فكرة قاصرة. وقد افتقر الإخوان إلى العناصر الواعية المستوعبة، وكانت إمكاناتهم في العمل الجماعي التنظيمي ضعيفة، وافتقروا إلى القادة المربين، الذين يجيدون العمل التنظيمي. وكانوا يعتمدون في سدِّ النقص على الإخوان من مصر، فكانوا يستفيدون من أعضاء البعثة الأزهرية في القطاع مثل الشيخ محمد الغزالي والشيخ علي جعفر، والشيخ محمد الأباصيري، وقد كان الأباصيري يقضي فترات أطول. وكان الغزالي والأباصيري أعضاء في الإخوان. وكان لهؤلاء العلماء تأثير طيب وكبير على الإخوان الفلسطينيين وعلى عامة الناس .
وإلى جانب الإخوان، كان هناك نشاط للشيوعيين؛ وكان الشيوعيون أقلية، لكنها كانت أقلية منظمة، وذات دعاية قوية. ولم يكن سلوكهم الأخلاقي محبوباً من الناس، وكان الناس يشتبهون بصلاتهم باليهود، وقد كان ذلك حاجزاً يحول دون عملية انتشار واسع لهم .
حصل انفصال بين جمعية التوحيد وبين الإخوان، بعد وقت قصير من عودة الإخوان إلى العمل العلني. فبقي الشوا رئيساً للتوحيد وترك الإخوان. وأصبح الشيخ عمر صوان، وهو شيخ أزهري، ورئيس بلدية غزة، رئيساً لمكتب الإخوان، وكان من أبرز الإخوان في القيادة: الشيخ هاشم الخازندار، والحاج زكي السوسي، والحاج زكي الحداد، والحاج صادق المزيني، والحاج عودة الثوابتة .
كان هناك قسم للطلاب، وكانت لهم هيئة إدارية، وشاركتُ في عضويتها (عبد الرحمن بارود)، مع رياض الزعنون، ومحمد صيام، وعلي الزميلي، وعبد القادر أبو جبارة. وكان بين الإخوان علاقة أخوَّة عميقة، وصدق وتكافل، وكانوا في أنشطتهم يحضرون طعامهم معهم، حيث يُحضر الواحد رغيفين وما تيسر من إدام؛ وكانت هناك لجنة للطعام تجمع كل شيء ثم تقسمه على الجميع، فكان ذلك يعجبني إلى حدٍّ كبير. وكانت تسود الرحلات روح كشفية، تتضمن ألعاب الهجوم والدفاع والأسر… وغيرها. وكانت تحدث عملية تعبئة جهادية للإخوان، وكانت تتضمن عمليات استكشاف مواقع للإسرائيليين .
وقبل عودة النشاط الرسمي للإخوان، كان في منطقة الرمال مجموعة منفصلة عن جمعية التوحيد، تقوم بنشاط إخواني منفصل وكانت تضمّ حوالي 12 أخاً، وكان على رأسهم جميل العشي الذي كان يدرس الحقوق في مصر، ومطيع البغدادي الذي كان يدرس في الأزهر. وكانوا ملتزمين إخوانياً، فلما فُتحت الشعب رسمياً دخلوا فيها .
أدت ضربة عبد الناصر للإخوان سنة 1954 إلى خوف الناس وانفضاضهم عن الجماعة، وبدأ المدّ الناصري العلماني في الصعود، وأخذ الشيوعيون والقوميون والبعثيون في الانتشار. وكان من نماذج الضعف أن عمر الصوان نفسه أرسل برقية تأييد لعبد الناصر لقيامه بحلّ الإخوان .
كان الحاج زكي الحداد رجلاً نحيفاً في حدود الخمسين من العمر، وكان يلبس بدلة، وكان خطيباً مفوهاً مؤثراً جياش العاطفة، لكنه كان ضعيفاً في النحو؛ ويبدو أنه كانت له علاقة بالقساميين .
كان الشباب الفلسطينيون، الذين كانوا يدرسون في الجامعات المصرية وانضموا إلى الإخوان، مؤثرين جداً عند عودتهم إلى القطاع في الصيف، حيث كان القطاع يتحول إلى خلية نحل في الصيف. وكان منهم هاني بسيسو، وحسن عبد الحميد، وعمر أبو جبارة، وسليمان الأغا، وزهير العلمي .
النظام الخاص والعمل العسكري:
تشكّلت مجموعة سرية منتقاة من الإخوان بعلم بعض القيادات الإخوانية المصرية، ودون علم القيادات التقليدية (الشرعية العلنية) للإخوان في قطاع غزة. وقد أحسّت هذه القيادات بذلك فيما بعد، وكان الأمر يُسبّب حرجاً. وكان من بين أعضاء هذه المجموعة خليل الوزير، ومحمد الإفرنجي، وخ. أ.، وكان العمل عسكرياً جهادياً، شمل التدريب، وإرسال أشخاص لزرع الألغام، والقيام بعمليات تفجير ضدّ الإسرائيليين. وتعاون عدد من الضباط المصريين مع هذه المجموعة؛ فقاموا بتدريب الإخوان على الأعمال الفدائية والأسلحة والقنابل، وكان على رأس هؤلاء الضباط عبد المنعم عبد الرؤوف. وقد تدرب بعض الإخوان سرّاً على مدفع مضاد للطائرات في موقع للجيش المصري. وقد شاركتُ قليلاً في هذا النشاط في الفترة 1953-1954. واستمر هذا العمل لسنوات حتى بعد ضرب عبد الناصر للإخوان .
ضرب تنظيم الإخوان:
وعندما ضُرب الإخوان سنة 1954، اعتقل من شباب الإخوان من أبناء القطاع حسن عبد الحميد، وعمر أبو جبارة، وعبد الحميد النجار، والسمني، وكانوا طلاباً في الجامعات المصرية وحكم عليهم بالسجن خمس سنوات .
وبعد ضربة الإخوان كان معظم من بقي على التزامه بالإخوان من الطلاب وقليل من غيرهم. فمثلاً في غزة وما حولها (مخيما جباليا والشاطئ) بقي فقط نحو ستين طالباً وحوالي عشرين آخرين. وظلّت هناك مجموعة جيدة متمسكة بالإسلام تجمعت في تنظيم سرّي خاص. وعندما انتقل عدد من أفرادها للدارسة في الجامعات المصرية، انضموا إلى آخرين من إخوانهم ممن سبقوهم، حيث كونوا مجموعة صلبة في القاهرة. بقيت في قطاع غزة في الفترة 1955-1962 عدد من القيادات الإخوانية أمثال إسماعيل الخالدي، ومحمد أبو دية، وعبد الله أبو عزة، وعبد الفتاح دخان، وحماد الحسنات، ومحمد طه، ومحمد حنيدق .
العمل في الجامعات المصرية:
قبل ضربة عبد الناصر للإخوان كان لتيار الإخوان المسلمين الفلسطينيين صولة وجولة في الجامعات المصرية، وكانوا وراء إنشاء رابطة طلاب فلسطين، وكان من قدماء الطلاب المؤسسين هاني بسيسو، وسليم الزعنون، وماجد المزيني، وصلاح خلف، وياسر عرفات. وكان الطلاب الفلسطينيون في جامعة الأزهر كثيري العدد، ويلقون بثقلهم، ويُنجحون مرشحي الإخوان .
وقد استمر نفوذ الإخوان في رابطة الطلاب حتى بعد ضرب عبد الناصر للإخوان. ذهبتُ للدراسة في العام الدراسي 1955/1956. وفي السنة الدراسية التالية 1956/1957 على ما أذكر، قرر الإخوان إنزالي كمرشح في انتخابات الرابطة لمعرفة شعبيتهم الحقيقية، وحجم الملتزمين بخطهم. وكنت معروفاً تماماً بالتزامي الإسلامي، ولذلك لم يكن من المتوقع أن ينتخبني إلا من يلتزم بتأييد الإخوان، في تلك الظروف الصعبة. وحصلت على حوالي 400 صوت، مع العلم أن عدد أعضاء الرابطة كانوا نحو 1500 عضو (شارك منهم في الانتخابات نحو ألف فقط).
نشأة حركة فتح:
البذرة الحقيقية لنش
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...