لاجئو غزة يتلهفون شوقًا للعودة لقراهم المغتصبة
يتلهف لاجئو قطاع غزة شوقًا لليوم الذي يعودون فيه إلى قراهم ومدنهم المسلوبة والمغتصبة من قِبل الكيان الصهيوني عام 1948م، لشم رائحتها العطرة والصلاة فيها، مؤكدين في الوقت ذاته أن حلمهم هذا لن يتحقق إلا بالقوة والجهاد والمقاومة؛ لا بالمفاوضات الهزيلة التي تجري بين السلطة والاحتلال.
وطالب المواطنون، في أحاديث منفصلة لمراسل” المركز الفلسطيني للإعلام”، بتنظيم فعاليات ومهرجانات جماهيرية ضخمة لإبراز ذكرى النكبة؛ ليتذكر العالم بأسره أن الشعب الفلسطيني ما زال ينتظر حقه الطبيعي في العودة.
أتمنى زيارتها
“قريتي هي قرية النسيم العليل ذات الأشجار المثمرة، والورود الشهية”، بهذه الكلمات بدأ المواطن نادر أبو مسلم عمره (20 عامًا) تذكر قريته التي هاجر منها أجداده وآباؤه وأعمامه.
ويضيف أبو مسلم: “أنا من سكان قرية “سكنة درويش”، وهي تبعد عن ميناء يافا بـ2 كيلو متر، وتشتهر بالبرتقال وزراعة الحمضيات وبالزراعة بشكل عام.. جدي هو من أخبرني بهذه المعلومات”.
ومضى يقول: “في ذكرى النكبة أتمنى على الأقل زيارة أرض الآباء والأجداد حتى أشم رائحتها العطرة ونسيمها المنعش، فأجدادنا قالوا لنا أنها كانت من أجمل مدن فلسطين؛ إذ كانت مدينة تجارية وسياحية، وكان يقع بجانبها قرية “روبين” المشهورة بحدائقها، حيث كان المتزوجون يذهبون إليها برفقة زوجاتهم للترويح عن أنفسهم وللنزهة، ولكنهم كانوا يمرون بنا أولاً كما أخبرني جدي”.
ويشير إلى أن الإنسان الفلسطيني عليه أن يتذكر دائمًا أن أرضه مغتصبة، ولا يحق له التنازل عنها، ولا بد من عودته إليها مهما طال الزمان أو قصر.
لا للتفريط بالثوابت
وشدد صاحب العشرين عامًا على ضرورة التمسك بالثوابت الوطنية في يوم النكبة، وخاصة حق عودة اللاجئين الفلسطينيين المهاجرين في الخارج والداخل، مطالبًا السلطة بعدم التنازل والتفريط في حقوقنا.
وناشد ابن مدينة رفح الجميع “المشاركة في الفعاليات التي تهدف إلى إعادة حقوقنا، فهذا هو الحق المشروع الذي يريد الاحتلال شطبه عنا؛ ليثبت أننا بلا أصل ولا مستقبل؛ حتى يستولي على أرضنا بطرق شرعية، ويثبت ملكيته لها كما يدعي، ولكنني أوكد أنهم لن يستطيعوا أن يجعلونا ننسى حق العودة إلى أراضينا مهما باعدت بينا المسافات”.
كما دعا أبو مسلم الحكومة برئاسة إسماعيل هنية إلى تكريس المناهج الفلسطينية من خلال تخصص العديد من الصفحات التي تتحدث عن حق العودة، و”بيان كيف تم تهجيرنا من أرضنا ومعاناتنا، وكيف تم الاستيلاء على أرضنا بالقوة، بالإضافة إلى تفعيل المسيرات والفعاليات الضخمة في كافة أنحاء العالم؛ حتى تصبح قضية النكبة معممة على الجميع؛ كي لا ينسوا أننا شعب مُهجَّر من ووطنه وأرضه، وننتظر يوم العودة إليها”.
لن نسترد حقوقنا إلا بالقوة
مواطنة أخرى لم تجد ما تتحدث به عن ذكرى النكبة، ولكنها استجمعت ذاكرتها، وبدأت بسرد قصتها؛ فقالت: “أنا من قرية “دمرة” الواقعة شمال شرق قطاع غزة، تم تهجير أهلي منها قبل تاريخ 15-5-1948م بقليل”.
وتضيف إحسان الصيفي (21 عامًا): “يكاد ينفطر قلبي عندما تأتي ذكري النكبة؛ لأنني أتذكر ما أخبرني به جدي عن جمال قريتنا وروعتها، وكيف كنا أخوة متحابين مسالمين لا نؤذي أحدًا.. أتمنى من صميم قلبي العودة إليها، فقط لرؤيتها ولمس ترابها”.
وعند سؤالها كيف تنوين تحقيق حلمك؟ قالت “ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، فهذا الكيان الغاصب لن يُرجع إلينا ما سلبه منا إلا عن طريق طرده بالقوة”، مستشهدة بانسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان بفعل ضربات المقاومة التي أجبرته على التقهقر والركوع لمطالبها.
الأجيال القادمة أكثر تمسكا بحقها
وعند سؤالها عن ادعاء الاحتلال أن الكبار يموتون والصغار ينسون، ردت إحسان بانفعال شديد: “هذه عبارة خاطئة، فلو صحت هذه العبارة لكان حق الشعب كله قد نسي حق العودة من زمن، ولما طالب به أحد، ولكننا نرى أن الجيل الذي يموت يخبر الجيل الواعد عن قضيته وحقه في العودة؛ فنجده يتمسك بوطنه بشدة، ولا يفرط في أرض أجداد مهما كان الثمن”، مشددة على أن الجيل الناشئ يعي الأخطار التي تحدق به والمترتبة على النكبة.
وبخصوص ما المطلوب عمله لتفعيل ذكرى النكبة، قالت بنت الأحد والعشرين عامًا: “القضية مغيبة من مناهجنا، لذا فأنني أطالب حكومة هنية بإقامة مهرجان ضخم تجسد خلاله قرية من القرى بقصة واقعية تمثيلية”.
مطالبة بالتوحد لمواجهة الاحتلال
أما المواطنة مشيرة الحاج (20 عامًا)، من سكان خان يونس جنوب قطاع غزة، فعندما سألتها من أية قرية أنت، وكنت أتوقع عدم معرفتها، فاجأتني قائلة: “أنا من قرية بيت شيت قرب يافا، وقد اشتهرت بالزراعة كباقي مدن فلسطين.. لقدد قرأت عنها وبحثت منذ صغري بعدما أخبرني والدي بقصتها”.
وأضافت أن النكبة تعني لها بالدرجة الأولى الهجرة ، معللة ذلك بأنه “لا توجد أكبر نكبة أكبر من أن يترك الإنسان موطنه الأصلي ويهاجر مكرهًا مجبرًا على ذلك، فالرسول الكريم عندما هاجر مكرهًا من مكة المكرمة كان حزينًا، فما بالك بنا نحن؟”.
وتمنت مشيرة الوصول للمصالحة للوطنية وإنهاء الانقسام، “حتى نستطيع تحقيق كل طموحاتنا، فالإنسان إذا فقد طرفًا من أطراف يده يعجز عن فعل شي، فما بالك بشعب بأكمله؟ لذا علينا التوحد ورص الصفوف لمواجهة الاحتلال”.
وحول مقولة الاحتلال أن الكبار يموتون والصغار ينسون، رفضت مشيرة بشدة هذه العبارة، مؤكدةً أنه “ليس من طبعنا التخلي عن حقوقنا، فهذه صفات وراثية نتوارثها من أجدادنا، فإذا لم يتخلوا هم عن أرضهم فكيف نتخلى نحن؟ هذه مسؤولية تقع على عاتقنا لا يمكن التفريط فيها مهما كانت الأسباب والدواعي”.
وتضيف: “الشباب الآن أكثر كرهًا للاحتلال من أجدادهم؛ لأنهم تشربوا معاناة لا تقل عنهم؛ إذ حاصروهم وقتلوهم وذبحوهم ودمروا منازلهم وغيرها..؛ مما جعلهم لا يفرطون في حقوقهم؛ لأنهم إن تنازلوا عن الرجوع، فهذا يعني اعترافٌ منهم بحق الكيان في أرضهم؛ وبالتالي قبولهم بالاضطهاد، وهذا ما لا يرضونه”.
وبشان كيفية تطوير هذه الذكرة الأليمة، تقول مشيرة: “يمكن الاستفادة محليًّا من خلال تزويد المناهج بتفاصيل النكبة والقصة الإنسانية لتحريك مشاعر الطلبة العاطفية وإيجاد نزعة حق العودة عندهم، أما عالميًّا فهذا الأمر منوط بالإعلام؛ فمسؤولية توصيل الفكرة للغرب وبشكل مؤثر تقع عليه، فإن عجز عن توصيل قضية النكبة سُيفشل قضيتنا عالميًّا معه”.
لن نسترجع وطنًا سوى بالمقاومة
بدوره يقول المواطن عبد الله كرسوع من سكان منطقة الصبرة غرب غزة: “أنا من قرية بيت دراس الواقعة من بين مدينتي يافا والمجدل، والتي كانت تشتهر بأكلة المفتول الشهيرة.. أنا أحلم، كباقي الشباب، بالرجوع إلى بلادي التي لم أرها منذ أن هاجر منها أبي وأمي منذ عام 1948م بسبب الاحتلال الغاشم على قرى فلسطين بأكملها”.
وتابع: “لن تتحقق أمنيتي هذه إلا بالسلاح والمقاومة والجهاد في سبيل الله، وليس بالمفاوضات الهزيلة التي تقوم بها سلطة “فتح” بالضفة الغربية المحتلة”.
وتمثل النكبة التي وقعت في يوم الخامس عشر من أيار (مايو) عام 1948م للشعب الفلسطيني حدثًا مؤلمًا للغاية؛ لأنها أدت إلى تهجير أكثر من 4 ملايين لاجئ قسرًا من بيوتهم وأراضيهم، ولا يزال معظمهم يعيشون في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وفي البلدان العربية المجاورة؛ ينتظرون اليوم الذي يتمكنون فيه من العودة إلى ديارهم وأراضيهم.