هل أصبح محمود عباس منبوذًا عربيًّا؟!

“عباس منبوذٌ عربيًّا”.. تلك هي القراءة الأولى لحالة التجاهل التي يواجهها رئيس سلطة رام الله المنتهية ولايته بعدما رفضت العديد من الدول العربية، على رأسها سورية وتونس وليبيا، استقباله رغم طلباته المتكررة لزيارة بعضها ولقاء المسؤولين فيها؛ الأمر الذي يعكس حالة من الغضب بدوائر صنع القرار في تلك الدول من سياسات عباس، وخاصة بعد رفضه توقيع ورقة المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام في القمة العربية المقرر عقدها في السابع والعشرين من شهر آذار (مارس) الجاري.

ففي دمشق اعتذرت الحكومة السورية رسميًّا أمس الأول عن عدم استقبال عباس الذي كان من المقرَّر أن يزور العاصمة السورية يوم السبت الماضي، لكن هذه الزيارة لم تحظ بالضوء الأخضر السوري، وتم الاعتذار عن عدم عقدها في اللحظات الأخيرة.

وأرجع الجانب السوري هذا الرفض إلى أن جدول أعمال نخبة من كبار المسؤولين السوريين مزدحم، وأن دمشق تفضِّل تأجيل الزيارة التي كانت مقررة أصلاً بناءً على رغبة عباس؛ الأمر الذي تم تفسيره بأنه إشارة سياسية تعكس الاستياء من سياسات عباس.

وعلَّقت مصادر فلسطينية لصحيفة “القدس العربي” عن الرفض السوري بقولها: “إن دمشق ليست راضية تمامًا عن مجمل سياسات الرئيس عباس، ولا تزال دوائر القرار فيها تتهمه بتجاوز الحسابات والمصالح السورية وتجاهلها”، فيما أشارت مصادر أخرى إلى أن رفض استقبال عباس جاء في سياق ما سمِّيت بـ”وثيقة الاتفاق الإستراتيجي” بين سورية وليبيا على هامش تحضيرات القمة العربية.

ليست سورية وحدها هي من رفضت زيارة عباس؛ فقد سبقتها تونس؛ حيث تجاهلت بدورها طلب عباس المتكرر لزيارتها.

وقالت مصادر فلسطينية في تصريحات صحفية: “يبدو أن تونس انضمَّت إلى القيادة الليبية في إظهار القليل من الحماس لاستقبال عباس الذي تعرَّضت علاقاته مع منظومة دول المغرب العربي إلى خلل واضح في الأوان الأخير؛ حيث تقدم السفير الفلسطيني في تونس ثلاث مرات على الأقل الأسبوع الماضي بطلبٍ رسميٍّ لاستقبال الرئيس عباس من قِبَل القيادة التونسية، فيما امتنع الجانب التونسي بدوره عن التجاوب مع هذه الطلبات”.

وقالت مصادر فلسطينية إن تونس تتجاهل رغبة عباس في زيارتها، كما رفضت بحث أرشيف الرئيس الراحل ياسر عرفات مع ما يُسمَّى “وزير داخلية” سلطة رام الله سعيد أبو علي أثناء زيارته تونس.

وقالت المصادر في تصريحات صحفية: “خلافًا لتوقعات الوفد المرافق لعباس لم تحصل سفارته في تونس على الضوء الأخضر، فيما تتزايد خلف الكواليس مبررات ومسوغات أزمة صامتة في العلاقات الرسمية بين تونس وسلطة رام الله؛ حيث إنها أزمة عبَّرت عن نفسها في شكلين؛ هما:

أولاً: أعلمت الحكومة التونسية “وزير” داخلية سلطة رام الله أنها لا تريد وضع ملف أرشيف الرئيس الراحل ياسر عرفات على جدول أعمال زيارته الأخيرة إلى تونس.

ثانيًا: برزت انتقادات حادة لمؤسسة السلطة في بعض الصحف التونسية الكبيرة والمُقرَّبة من السلطات، مثل “الشروق” و”الموقف”؛ حيث نشرت خلال الأيام الماضية مقالات تتحدث عن معاناة كوادر حركة “فتح” والمنظمة الذين يُعَدُّون بالمئات في الساحة التونسية وعائلاتهم بسبب قرارات رئاسية تتعلَّق بالاستغناء عن المئات من هؤلاء وإحالتهم إلى التقاعد وإغلاق الشعبة المالية التي كانت تتابع شؤونهم.

وقالت صحيفة “الشروق” التونسية إن هؤلاء يخوضون معركة ميئوسًا منها، ويتألمون بصمت وشرف، واقترحت الصحيفة ما سبق أن تبنَّته الحكومة التونسية نفسها من خيارات بخصوص العالقين في أرضها من كوادر الحركة والمنظمة، وهو إما إعادتهم إلى وطنهم وأهلهم كما وعد عباس سابقًا، أو بقاؤهم في تونس مُرحَّبًا بهم مع إحاطتهم بالمخصصات المالية التي تضمن لهم العيش بكرامة.

وتعبيرًا عن الأزمة نفسها توقفت الأحزاب التونسية منذ أسابيع عن توجيه دعوات وإقامة أنشطة ذات بُعد فلسطينيٍّ كما كان يحصل في الماضي؛ بما في ذلك “الحزب الوطني التونسي” الحاكم.

وقال مصدر مُقرَّبٌ جدًّا من عباس، في تصريحاتٍ لصحيفة “القدس العربي”، إن علاقات “الرئاسة” الفلسطينية بليبيا وتونس والجزائر تعتبر الآن في أسوأ أحوالها.

ويأتي الرفض السوري والتونسي بعدما رفض العقيد القذافي استقبال عباس الذي زار ليبيا الأسبوع الماضي، بعد رفض الأخير توقيع ورقة المصالحة مع “حماس” في القمة العربية المقررة يوم 27 آذار (مارس) الجاري في سرت.

ثمة حالة من الغضب العربي تجاه ممارسات عباس، خاصة في ظل تجاهله مصالح أبناء شعبه ورأب الصدع الداخلي لمواجهة المخططات الصهيونية، وكذلك تجاهل مصالح العديد من الدول العربية في ظل اللهث وراء استمرار المفاوضات العبثية مع الاحتلال الصهيوني.