عاجل

الثلاثاء 13/مايو/2025

العلامة الشريف.. 70 عامًا من الجهاد والدعوة

العلامة الشريف.. 70 عامًا من الجهاد والدعوة

بعد رحلة طويلة من الجهاد والدعوة والعلم والتضحية، رحل الدكتور علي الشريف “أبو علاء” أحد علماء فلسطين وأحد قادة جماعة الإخوان في فلسطين، فجر السبت (13-2) إثر مرض ألمَّ به، وهو الذي طالما تمنَّى أن يترقَّى شهيدًا، كوالده ونجله.

ومع جلال اللحظات التي ودَّع فيه جثمان العالم الشريف في موكب مهيب -كان على رأسه رئيس الحكومة إسماعيل هنية- كانت سيرته العطرة ومواقفه الأبية حاضرةً في أذهان الجميع.

فالعالم الشريف -حسب الكاتب والإعلامي مصطفى الصواف- كان صاحب رأي لا يعجب الكثيرين سماعه، ولكنه كان رأيًا صوابًا ويعبِّر عن موقف أصيل.. كان صاحب همَّة وإرادة صلبة، وقَّافًا عند الحق لا يداهن ولا يجامل في الحق.

ولم يسلم الشريف -خلال رحلة جهاده- من بطش سلطة حركة “فتح”، فتعرَّض للاعتقال في عهد سلطة “فتح” لمواقفه الثابتة مع الحق، ولفتواه في كثير من المواقف التي يجب أن يقال فيها حكم الدين، كما تعرَّض للاختطاف على يدَي مجموعة من منفلتي حركة “فتح”.

“المركز الفلسطيني للإعلام” زار منزل الفقيد؛ حيث كانت العائلة لا تزال تعيش أوجاعَ غيابه، وهو العالم الذي عاش وحيدًا لوالده الشيخ “عمر الشريف”، الذي استُشهد أثناء مقارعته للمغتصبين الصهاينة، والذي قدَّم ابنه الوحيد “علاء” أيضًا شهيدًا على طريق الحق والقوة والحرية في عملية قصف، حينما حاولت طائرات الاحتلال اغتيال القائد في “كتائب القسام” أحمد الجعبري في صيف عام 2003م.

تعرَّض الشريف لعملية اختطاف من قِبَل مجموعة مسلَّحة تابعة لحركة “فتح” قبل أحداث حزيران (يونيو) 2007م، كما نجا من محاولة اغتيال حينما فجَّرت تلك المجموعات عبوةً ناسفةً أمام منزله في حي الصبرة.

وتقول أم علاء (زوجة العالم الفقيد) إن الراحل نهل من العلم والمعرفة، وتنقَّل بين العديد من الأقطار العربية حتى استقرَّ في الجمهورية الليبية التي أنجب فيها ولده الوحيد “علاء” -الذي استُشهد هو الآخر في قصف صهيوني لمدينة غزة- ثم عاد الدكتور الشريف إلى قطاع غزة ليعمل مدرسًا في الجامعة الإسلامية عام 1984م.

وخلال فترة وجوده في الخارج عمل محاضرًا في العديد من الجامعات في السعودية والأردن، وله العديد من المؤلفات والمقالات في الصحف والمجلات العربية.

محطات جهادية

وبحسب مصادر متعددة، فقد كان الشريف أحد أعلام جماعة الإخوان المسلمين وقادتها، ومن أوائل العاملين في حركة “حماس”، وكان من أشدِّ المعارضين لـ”اتفاقية أوسلو” ولأذناب السلطة، فكان لسانه دائمًا ينطق برفض الخيانة مما عرَّضه للاعتقال مراتٍ عديدةً ومتكررةً، كان آخرها اختطافه إبَّان الحسم العسكري على أيدي حفنة من فرق الموت التي كانت تنشرها “فتح” في شوارع غزة في تلك الأوقات.

حمل السلاح

ومن المواقف الأثيرة للراجل أنه ومع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى وفي الوقت الذي كان السلاح فيه عزيزًا، تفاجأ المجاهدون بالشيخ الذي اشتعل رأسه بالشيب يحمل بندقيته مرابطًا على الثغور، فإذا بالشيخ علي الشريف يزاحم الشباب ويقول لهم لستم أفضل مني، كان لسانه دائمًا يلهج بـ”اللهم ارزقنا الإخلاص.. اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك”.

ومع بداية الانتفاضة الثانية حاولت أجهزة أمن السلطة الهاربة من قطاع غزة اعتقال الدكتور الشريف فإنه رفض الخروج وامتشق سلاحه وهبَّ أبناء مسجد “السلام” -مسجده القريب من بيته- هبَّةً واحدةً تجاه هذه القوات ليضربوهم بالنعال في الهجمة التي عُرفت باستهداف المساجد ومؤسسات حركة “حماس” عام 1996م.

واعتُقل الشريف مطلع التسعينيات من القرن الماضي في الأردن بتهمة تشكيل تنظيم مسلَّح أُطلق عليه اسم “جيش محمد”؛ وذلك للمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني.

مواقف وحكم

تميَّز أبو علاء بمواقف جميلة ورائعة تُحسب له حتى هذه اليوم، فكان يحرص على حلقة قراءة القرآن بعد صلاة الفجر في مسجد “السلام” الكائن بحي الصبرة.

تقول زوجته (أم علاء) إنه كان يحب قدر المستطاع أن يقتدي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هادئ الطبع، كريم الخلق، وذكرت بأنه دائمًا كان يوصيها بتقوى الله تعالى والإخلاص بالعمل بكل شيء.

وبيَّنت بأنه كان يتحرَّى الحلال في مأكله ومأكل أهل بيته، فكان إذا ذهب إلى زيارة أحد ويشك في ماله، ولو بشيء بسيط، فكان يذهب صائمًا، وإذا أحضر أحد هدية، وعمله فيه شيءٌ من الشبهات فإنه يرفض أن تبقى في بيته، وكان دائمًا يفضِّل أن يأكل من ماله الخاص.

وعن تعليقات الدكتور الشريف عن الحصار تقول زوجته: ” لقد كان الحصار يؤلمه أكثر من المرض ذاته فكان دائم الدعاء على الظالمين.. وكان يردد هذا حرام شرعًا”، وتابعت حديثها: ” كان يقول نحن الآن مثل أصحاب الأخدود، إلا أننا نُقتل فوق الأرض لأننا آمنا بالله تعالى وسِرنا في طريق الجهاد والمقاومة”.

أما عن المصالحة فكان يعلِّق عليها قائلاً: “إذا اجتمعوا على طاعة الله عز وجل فنعم المصالحة، أما إذا كان بالأمر تنازلٌ فلا مصالحة”.

ولم تكن أخلاقه الكريمة فقط للمسلمين إنما لكل من حوله والبعيدين عنه؛ حيث إنه كان له جارٌ مسيحيٌّ كان يعامله بأخلاق كريمه حيث ذكرت ابنته فاطمة الزهراء أن جارهم كبير في السن ووحيد فكان الأطفال يضايقونه فكان يقول لهم:” سوف أنادي أبو علاء وبمجرد سماع اسمه كان الأطفال لا يؤذونه”.

رحيل الداعية المؤمن

أصاب الدكتور علي الشريف أبو علاء مرض مزمن أنحل جسده ولم تطُل مدة مرضه كثيرًا إلى أن توفاه الله صباح يوم السبت (13-2) عن عمر يناهز السبعين عامًا، تاركًا خلفه إرثًا كبيرًا من العلم ومواقف لا ينساها المقربون ولا من خالطوه ولا حتى يومًا واحدًا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات