الأحد 11/مايو/2025

مدارس قطاع غزة كرفانات ومساجده قطع من النايلون

مدارس قطاع غزة كرفانات ومساجده قطع من النايلون
تعرَّضت مدارس قطاع غزة ومساجده لأضرار فادحة؛ وذلك خلال الحرب الأخيرة على القطاع المنكوب؛ حيث طال الدمار 170 مدرسة؛ ما جعل آلاف الطلاب يواجهون الظلام والطقس البارد في أول موسم شتاء يزور القطاع بعد الحرب؛ فغرف الدراسة سيئة الإضاءة، وتعاني نقصًا في المقاعد والطاولات؛ حيث يمنع الاحتلال الصهيوني استيراد النوافذ والأبواب ومواد البناء؛ ما يجعل المدارس غير ملائمة لمواجهة الشتاء، ويُجبر آلاف الأطفال على الدراسة في غرف بلا كهرباء ولا تدفئة، ونوافذ دون زجاج، ويجلسون على طاولات غير صالحة للاستخدام؛ حيث يمنع العدو الصهيوني المسؤولين عن العملية التعليمية من استيراد الأسمنت والحديد والمواد اللازمة للبناء.

معظم هذه المدارس تديرها “الأونروا” التي تدير نحو 200 مدرسة في قطاع غزة، يدرس فيها نصف تلاميذ القطاع البالغ عددهم 450 ألفًا.

وتقول مسؤولة “وكالة الغوث الدولية” في قطاع غزة إنها استطاعت الحصول على مواد من السوق المحلية لإصلاح معظم المدارس الخمسين التي لحقت بها الأضرار من جرَّاء القصف بالقنابل والمدفعية، لكنَّ بعضها لا يزال بحاجة إلى زجاج وأسمنت وحديد، كما توقَّفت مشاريع أخرى بسبب التعنُّت الصهيوني الذي رفض إدخال مواد لبناء 100 مدرسة جديدة تعمل على تخفيف الزحام في الفصول الدراسية.

وفي إحدى المدارس التي تديرها الحكومة الفلسطينية في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، والذي يعيش به أكثر من مائة ألف شخص، يخبرنا مدير المدرسة عن الاحتياجات الملحَّة التي تحتاجها مدارس قطاع غزة، يقول: “هناك مدارس تضرَّرت بشكل كبير جدًّا؛ حيث الحوائط مشققة، وغرف المختبرات مدمَّرة بشكل كامل، ولا مجال لممارسة الرياضة والأنشطة اللا منهجية.. صحيح أنه تم الاستعاضة عن الغرف المدرسية، والتي كانت تتيح الجو الملائم للدراسة بالكرفانات، ولكن للأسف الأسطح المكوَّنة من ألواح معدنية تجعل الحجرة الدراسية غير مريحة حين تأتي الأمطار”.

وهذا ما يؤكده الطالب محمد السلطان؛ حيث إن “مدرسة معاوية بن أبي سفيان” التي تقع في حي السلاطين شمال بيت لاهيا تمَّ تدميرها بالكامل، ولذا كان على المسؤولين في الحكومة الفلسطينية العمل على توفير البديل المناسب لاستمرار العملية التعليمية؛ فقامت بوضع كرفانات في ساحة المدرسة، ولكنها لم تؤدِّ الغرض المطلوب؛ حيث كانت شديدة الحرارة من الداخل في فصل الصيف.

ويؤكد محمد البالغ من العمر 14 عامًا أن موجة البرد التي تمر الآن على القطاع وانهمار المطر الغزير منذ عدة أيام أدَّى إلى تكوُّن برك مياه تجمعت من مياه الأمطار أمام أبواب الكرفانات؛ حيث شكَّل ذلك صعوبةً في الوصول إليها، كما أن العتمة والبرد الشديد داخل غرفة الصف والأمطار التي تهطل بغزارة تمنع الطلاب من سماع صوت الأستاذ؛ حيث يطغى صوتها على صوته فيضطر إلى الانتظار حتى يتوقف المطر!.

بينما أبدى والد الطالب محمد خوفه على مستقبل ابنه الطالب في المرحلة الإعدادية؛ حيث لا انتظام في الدراسة كما يجب، ويخشى على أبنائه من نزلات البرد التي يسبِّبها وجودهم في الكرفانات والغرف الدراسية التي لا تحتوي على نوافذ، ويستعاض عنها بقطع النايلون التي تتمزق بسرعة وتترك الطلاب يتعرَّضون للبرد الشديد.

                                      مساجد من النايلون!

رغم الاختراعات الكثيرة التي أجبرت المواطن الغزِّي على اللجوء إليها كبديل عن أشياء فقدها بسبب الحصار والحرب، فإن مساجد النايلون والقماش تلفت انتباه من يراها لأول وهلة؛ حيث حرص أهالي غزة على إقامة الصلاة رغم أنف المحتل الذي حارب كل شيء حتى المقدسات لديهم، فسارعوا في بناء مساجد جديدة حتى يُذكر اسمُ الله فيها ولا يسكت الأذان أبدًا، في تحدٍّ واضح لما يريده الاحتلال.

فقد دمَّر الاحتلال 46 مسجدًا دمارًا شاملاً، و55 مسجدًا دمارًا جزئيًّا، ورغم صعوبة الأمر فإن مساجد النايلون انتشرت في الأحياء السكنية في مدينة غزة؛ بحيث تكون حلاًّ مؤقتًا في انتظار إعادة الإعمار المتعثِّر، ولكنها لم تستطع أن تشكِّل بديلاً جيدًا للمساجد المبنية من الحجر؛ فسلبياتها كثيرة؛ حيث في فصل الصيف تكون الحرارة مرتفعةً جدًّا داخل المسجد والتي لا يتحملها الكثير من المصلين من كبار السن إضافةً إلى عدم القدرة على التركيز في الصلاة بسبب الضجيج الخارجي.

أما في فصل الشتاء فإنها لا تقي من الأمطار؛ لأنها غير محكمة الإغلاق، وفي هذه الأيام تتعرَّض مساجد النايلون للرياح الشديدة التي تمر بها المنطقة؛ حيث يُخشى عليها من الاقتلاع والانهيار.

يقول الحاج أبو محمود مقاط (65 عامًا) من شرق مدينة غزة: “لم أستطِع أداء الصلوات الخمس في المسجد القريب المصنوع من النايلون بسبب الرياح الشديدة التي تعصف بالقماش المكوَّن منه المسجد، والتي خفنا عليها من الاقتلاع أثناء الصلاة، كما أن كبار السنِّ مثلي لا يستطيعون الوقوف طويلاً في هذا البرد الشديد الذي لا تحمينا منه قطعة من النايلون”، ويضيف:” أحنُّ كثيرًا إلى الجلوس في المسجد وقراءة القرآن الكريم كما كنا نفعل دائمًا والدروس التي كنا نتلقاها هناك.. لم يعد ذلك موجودًا بسبب صعوبة البقاء في المسجد طويلاً، وما أخشاه أن تقتلع الرياح مسجدنا، فلا نجد مكانًا للصلاة في فصل الشتاء”.

بينما يُبدي إمام “مسجد الشفاء” الواقع في مدينة غزة تخوُّفه من عدم تمكنهم من إعادة بنائه من جديد في ظل عدم توفر المواد اللازمة للبناء، ويبدي حسرته على فقدان مسجد أثري كـ”مسجد الشفاء”، الذي تحوَّل إلى مصلى صغير مصنوع من النايلون المقوَّى لا يقي حرَّ صيف ولا برد شتاء.

وبينما سكان قطاع غزة يعانون من فقدانهم مساجدهم ومدارس أبنائهم، ويحاولون التغلب على ظروفهم الصعبة؛ تبقى ملفات قضايا الإعمار تنتقل من مكان إلى آخر، ومن رفٍّ إلى رفٍّ، ومن وعود إلى وعود، في ظل حكومات تجاهلت المعاناة وصمَّت آذانها عن النداء؛ فهل تشهد الأيام القادمة انفراجًا قريبًا؟!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات