الأحد 04/مايو/2025

القدس عنوان الصراع… القدس تضيع

القدس عنوان الصراع… القدس تضيع
 
منذ الاحتلال الإسرائيلي لبقية فلسطين بعد حرب حزيران العام 1967، وبعد ضم القدس الى إسرائيل أصبحت القدس أحد أهم عناوين الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل.

لقد كان الخلاف حول القدس هو السبب الأبرز لفشل قمة كامب ديفيد العام 2000. ولقد كانت زيارة شارون الاستفزازية للحرم الشريف بمثابة الشرارة التي ألهبت حريق الانتفاضة الثانية.

وبعد مجيء حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً منذ تأسيس إسرائيل، أصبحت القدس أكثر من أي وقت مضى عنواناً للصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، وفيها يتقرر مصير الصراع، و يمكن ان تكون الشرارة التي تحرق السهل كله.
لقد تكثفت وتسارعت الاعتداءات والانتهاكات والجرائم اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق القدس “سكاناً وعمراناً وهوية”، وسط التأكيد المتكرر على السياسة الإسرائيلية بأن القدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل اليهودية، وأن القدس غير خاضعة للتفاوض.

ومن أجل النجاح في إسقاط القدس من مائدة المفاوضات وحسم الموقف منها عملياً على الأرض قامت إسرائيل بخلق حقائق احتلالية على الأرض تجعل الانسحاب الإسرائيلي منها عبر المفاوضات أمراً مستحيلاً.

إن المخططات والإجراءات الإسرائيلية تستهدف، وفق الوثاق الإسرائيلية المعتمدة، الوصول حتى العام 2020 الى وضع يصبح فيه اليهود في القدس أغلبية كبيرة ساحقة تصل الى حوالي 90%، وذلك من خلال السعي لمصادرة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي عبر المصادرة والتوسع المجنون بسياسة هدم المنازل وطرد أكبر عدد ممكن من السكان من خلال سحب الهوية وطردهم وتشجيعهم على الهجرة الداخلية الى أماكن أخرى في الضفة الغربية، وعلى الهجرة الخارجية الى مختلف أنحاء العالم، وعبر سن قوانين عنصرية وفرض ضرائب باهظة ونشر الجريمة والدعارة والمخدرات، وطمس الثقافة وتزوير التاريخ، ومواصلة الاعتداءات والحفريات ضد وتحت المسجد الأقصى وقبة الصخرة وفي عموم البلدة القديمة، ما سيؤدي الى انهيارها عند حدوث زلزال طبيعي متوسط الدرجة أو زلزال صناعي، تمهيداً لتهويدها وشق الطريق لاقتسام الأماكن المقدسة، مثلما حصل في الحرم الإبراهيمي في خليل الرحمن، ومن أجل الوصول الى وقت مناسب يمكن فيه هدم الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم بدلاً عنه.

لقد أصبح موضوع الاعتداء على الأقصى والتخطيط لهدمه خبراً عادياً لدرجة أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت أكثر من مرة عن وجود تصور متكامل حول هدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وما بعد الهدم، حيث أشارت الأنباء المنشورة الى أنه تم تشكيل مجموعة خاصة من المتطرفين الإسرائيليين من أجل تنفيذ عملية الهدم وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى وقبة الصخرة.

وتعبيراً عن جدية النوايا الإسرائيلية لهدم الأقصى قامت مجموعات من الإسرائيليين أمام عدسات التصوير بوضع مجسم للهيكل المزعوم قبالة قبة الصخرة في إشارة الى استعدادهم لاستكمال مخطط الهدم، وفي تحريض مستمر للحكومة الإسرائيلية على اقتحام الأقصى.

وقد جرت في الفترة الأخيرة عدة محاولات لاقتحام الأقصى بدعم وحماية، وبمشاركة قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية.
كما تشهد القدس محاولات يومية وعبر خطوات مدروسة ومتتابعة لتكريس أمر واقع يمكن الاحتلال من تهويدها وفرض موضع قدم لليهود في المسجد الأقصى، بحجة ممارسة الطقوس الدينية على اعتبار أنه مكان مقدس لليهود.
وعلى الجميع أن لا يستبعد هذا السيناريو خصوصاً بعد اغتصاب حائط البراق الذي يعتبر جزءاً أساسياً من المسجد الأقصى وأصبح بغمضة عين حائط المبكى الى حد أن خطة كلينتون وغيرها من الخطط التي طرحت لحل الصراع تتضمن ضم حائط البراق لإسرائيل في أية تسوية نهائية.

لقد شاركت خلال الفترة من 17 ــ 18 الشهر الجاري بالندوة العالمية لشؤون القدس التي نظمت في عمان تحت عنوان “من أجل صمود القدس سكاناً وعمراناً وهوية”. وقد كانت ندوة مهمة تندرج في سياق عقد عشرات الندوات والمؤتمرات حول القدس بمناسبة إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009.

إن الندوات على أهميتها لا تنقذ القدس ولا المقدسات ولا تمنع هدم المنازل ولا مصادرة الأراضي، ويمكن أن تستخدم لإراحة الضمير والتنصل من المسؤولية.

إن السؤال الذي يطرح نفسه خلال هذه الندوات والمؤتمرات وقبلها وبعدها هو: لماذا تضيع القدس على مرأى ومسمع من الفلسطينيين والعرب والمسلمين والعالم بأسره؟

صحيح أن المقادسة ازدادوا عدداً منذ الخامس من حزيران العام 1967 وحتى الآن، من 70 ألف الى 280 ألف، وهناك مخاوف إسرائيلية من أن تكون هناك أغلبية فلسطينية في القدس بعد عشرين عاماً رغم كل الاعتداءات الإسرائيلية. وصحيح أيضا أن هناك مقاومة فلسطينية للاحتلال الإسرائيلي ومخططاته خصوصاً في القدس ومن قبلها أهلنا في مناطق 1948 تحديداً، وهناك تضامن عربي وإسلامي ودولي، ولكن تلك المقاومة وذلك التضامن أقل بكثير من مستوى التحديات والمخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية، واقرب ما تكون الى رفع العتب وتسجيل موقف للتاريخ وهذا الوضع اذا استمر لن يكون قادراً على انقاذ القدس.

إن القدس روح وعقل وقلب فلسطين وعاصمتها الأبدية، وأولى القبلتين وثالث الحرمين، ومهد الديانات والمقدسات التي يقف على رأسها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ولذلك فهي تستحق أن نعطيها أكثر مما نفعل بكثير.
فالقدس تضيع، وذلك بعد أن تحولت القضية الفلسطينية الى قضية تخص الفلسطينيين لوحدهم. ثم تضيع قضية القدس أكثر عندما أصبحت تهم المقدسيين لوحدهم، وأصبحت قضية القدس قضية الحرم الشريف فقط، وهذا خطر لأن القدس قضية وطنية قبل وبعد أن تكون دينية، كما أسقطنا من حساباتنا القرارات الدولية مثل قرار التقسيم التي تعاملت مع القدس كلها بشكل مختلف عن بقية الأراضي المحتلة.

ألا تلاحظون أن نصرة القدس في الضفة الغربية وقطاع غزة ضعيفة جداً، وذلك جراء الإحباط الناجم عن الصراع الداخلي بين السلطتين في الضفة والقطاع وفي ظل الانقسام السياسي والجغرافي الذي طغى على كل شيء آخر.
لقد أصبحت القدس قضية تخص المقدسيين، وفي أحسن الأحوال تخص الفلسطينيين وحدهم، وذلك لأن اتفاق اوسلو وملحقاته، ألقى بالأسلحة والأوراق، التي نملكها من أيدينا قبل حل الصراع، وحول القضية الى مجرد نزاع على الأرض، وفصل اوسلو القضية الفلسطينية عن بعدها العربي والإسلامي والدولي وعن شعبها وأرضها، وقسم الشعب الفلسطيني بين الداخل والخارج، والحل الى مراحل انتقالية ونهائية، وقسم الأرض الى مناطق “أ، ب، ج”، اما القدس فقد خرجت كلياً من ضمن هذا التقسيم لأن إسرائيل رفضت أن تكون تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، ونحن قبلنا ذلك.
لقد أدى السير وراء أوهام أن “السلام قريب”، الى جعل كل منطقة وكل فرد يقلع شوكه بنفسه، وأصبحت المقاومة رهناً بمواقع وقيادات محلية، وأصبح المشروع الوطني الذي يوحد الفلسطينيين نسياً منسياً.

الآن هناك نوع من عودة الوعي يتطلب تعميقه بإعادة القدس الى مكانتها في الاستراتيجية الفلسطينية.
لذلك دون إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج الصمود ودحر الاحتلال والكفاح لانجاز الحرية والعودة والاستقلال لا يمكن انقاذ القدس والأقصى وبقية المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولا يمكن انقاذ القضية الفلسطينية برمتها التي تتعرض حاليا، أكثر من أي وقت مضى لخطر التصفية.

تأسيساً على ما تقدم فإن مفتاح انقاذ القدس، والقضية الفلسطينية برمتها، يكمن في إعادة الصراع الى طبيعته، بوصفه بين الاحتلال وشعب يقاوم الاحتلال من أجل حقوقه. فلا يكفي ما تقوم به الندوات والمؤتمرات.
فأولاً وقبل كل شيء يجب أن تتوفر الإرادة للكفاح من أجل القدس، ولكي تعود القدس قضية فلسطينية عربية إسلامية دولية، تخص العرب كلهم لا الفلسطينيين فقط. وإذا عادت القدس الى مكانها الطبيعي يكون من الضروري وضع خطة استراتيجية فلسطينية عربية وإسلامية توفر مقومات صمود القدس سكاناً وعمراناً وهوية، وتدعم مقاومة القدس، ومقاومة أهل فلسطين للاحتلال الإسرائيلي قولاً وفعلاً، بحيث نصل الى مرحلة تعرف فيها إسرائيل أنه لن تكون هناك اتفاقات ولا معاهدات سلام ولا تطبيع من أي نوع بين الدول العربية وإسرائيل. وأن سلاح المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل سيخرج من غمده ويعود الى الاستخدام.

ودون أن نعفي الشعوب العربية والإسلامية، وخصوصاً الأحزاب والفصائل والقيادات والفعاليات الوطنية من مسؤوليتها التي تخلت عنها، بدليل أننا لا نجد وزيراً ولا أميناً عاماً ولا عضواً من أعضاء اللجنة التنفيذية بين المدافعين عن الأقصى والقدس، إلا أن الدول العربية والسلطة الفلسطينية تتحمل المسؤولية الأساسية عن تسارع عملية ضياع القدس.
إن ما يجري الآن في القدس يستدعي التحرك العاجل لإنقاذها قبل أن تضيع ونندم حيث لا ينفع الندم. والفرصة لا تزال سانحة لانقاذ القدس!!!

الايام    31/10/2009

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات