السبت 10/مايو/2025

الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح.. قصة علم ومقاومة وإبداع

الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح.. قصة علم ومقاومة وإبداع

ما زالت الحركة الطلابية في “جامعة النجاح الوطنية” بتاريخها وحاضرها ومستقبلها ودورها الجهادي والنضالي تشكِّل قاعدةً متقدمةً ومهمةً جدًّا في معركة التحرير التي يخوضها شعبنا الفلسطيني وفصائله المقاومة، وهي عند الكثيرين محطُّ الأنظار وصاحبة التأثير في مفاصل تاريخية كثيرة ومهمة من تاريخ الشعب الفلسطيني، سواء على صعيد الاحتلال ومقاومته، أو على صعيد الخارطة السياسية الفلسطينية واصطفافاتها المتنوعة والمتبدلة أحيانًا كثيرة.

وباستعراض سريع لتاريخها منذ نشأتها، تكشف لنا الأرقام والإحصاءات ونتائج انتخابات مجالس الطلبة فيها منذ تأسيسها أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” -ومن خلال جناحها الطلابي “الكتلة الإسلامية”- قادت تلك المجالس معظم الانتخابات الطلابية التي حدثت، وكانت “فتح” من خلال جناحها الطلابي “حركة الشبيبة” تأتي الثانية من حيث عدد قيادتها لمجالس الطلبة، وغالبًا ما كانت تشكيلة المجلس لأحد الطرفين فقط، وإن وجد الآخر فإنه هامشيٌّ لا يملك التأثير، وتلك دلالةٌ على حقيقة كون “النجاح” مركزًا مهمًّا تحرِص الفصائل الفلسطينية كلها على تسجيل الحضور فيها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

الإسلاميون يشكِّلون أول مجلس طلبة في “النجاح”

ومن أهم المحطات في بداية مسيرة الحركة الطلابية في هذه الجامعة تلك الانتخابات الطلابية التي حدثت بداية الثمانينيات، وكانت نتيجتها مفاجأةً جدًّا حينئذٍ، وهي التي فاز فيها الإسلاميون بقيادة الشهيد القائد جمال منصور فوزًا ساحقًا، شكَّلوا فيه مجلس الطلبة لأول مرة بقيادة شاب بلغ حينها العشرين من عمره، وهو مَن بات يُعرف الآن بـ”ناصر الدين الشاعر” نائب رئيس الوزراء في حكومة “حماس”.

لكنَّ ديمقراطية غابة البنادق كما يحلو للفتحاويين تسميتها لم تُطِق ذلك، ولم يطُل الأمر وانقضُّوا على تلك الانتخابات ونتائجها، وتلك قصة طويلة؛ خلاصتها أن “فتح” حينها لم تستوعب أن يصل الإسلاميون إلى قيادة الطلبة في جامعة، طالما زعموا أنها معقلهم، وهم من أسَّسوها، وفي هذا طبعًا نظرٌ، وعليه اعتراض.

عبد الناصر أميرًا للكتلة ورفيقًا لعياش

ومع دخول انتفاضة الحجارة أغلقت الجامعة أبوابها، وتعطَّلت فيها الحياة الطلابية سنوات عديدة، وما إن عادت الحياة الطلابية إلى مجاريها حتى أخذت “الكتلة الإسلامية” مكانها، وانطلقت تصنع حياةً طلابيةً جديدةً، تنشر القيم والأخلاق، وتؤسس لجيل مقاوم يدرك قيمة العلم والإيمان والمقاومة، وكيف أنها ضروراتٌ تغذِّي بعضها بعضًا، وتلك قصة شعار “الكتلة الإسلامية” الخالد: “ملتزمون بالعلم والمقاومة والإبداع”.

وكانت “فتح” قد عادت إلى داخل الوطن عبر اتفاقها المشؤوم، الذي ما زال الشعب الفلسطيني يذوق الويلات من تبعاته على جميع الأصعدة، وأما “حماس” فكانت تنضج بعناية الله على أرض الوطن؛ من خلال عمل دؤوب، وجهاد متفانٍ، وصورة مشرقة فاجأت الجميع.

وحينها كان للكتلة أمير اسمه عبد الناصر عيسى رفيق العيَّاش وأحد أبرز قادة “القسام” في شمال الضفة وقتها، وقصته جميلة وعجيبة، ليس أقلها أنه مسؤول عن عديد من عمليات الثأر المقدَّس حينها، ومعه وقبله وبعده زاهر جبارين ووليد خالد، وآخرون ممن تعرف الأرض والسماء أفعالهم وجهادهم.

وما إن كانت الانتخابات الطلابية في العام 95 حتى دخلت الكتلة بكل قوتها رافعةً لواءها الأخضر عاليًا؛ ليرفف في “النجاح” في فوز جديد، شكّلت فيه مجلس الطلبة، رغمًا عن كل محاولات “فتح” وشبيبتها بتعطيل تحالفات الكتلة مع الفصائل الأخرى، وقاد حينها المجلس طالب الهندسة المعمارية منذر مشاقي، الذي نالته بعدها اختطافات السلطة والاحتلال كثيرًا.

“فتح” تقتحم حرم “النجاح” والكتلة تقود العمل بهمة وتفانٍ

مضت الكتلة قويةً تصنع الحدث وتُبدع الأنشطة وتنقله إلى جامعات الوطن الممتدة في الضفة وغزة، وما إن جاء العام 96 حتى حدث اقتحام أجهزة “فتح” لباحات الجامعة التي حاصرها الاحتلال طويلاً ولم يقتحمها، فكان يومًا ما زال يُسمَّى بـ”الأسود، اعتقلت “فتح” حينها أكثر من 116 من قيادة الكتلة وأبنائها، حتى إن عددًا من الطالبات الحوامل أنزلن حملهنَّ من هول المنظر وفعل الضرب بالعصي والهراوات.

وفي الأعوام من 96 وحتى 99 قادت الكتلة مجلس الطلبة بكل قوة وعنفوان وحكمة، وصنعت للحركة الطلابية عزًّا ومجدًا ما زالت إدارة الجامعة تصفه بالنادر والمذهل، وحينها كان رئيس مجلس الطلبة طالب اللغة العربية محمد هاشم خضر من مدينة قلقيلية، الذي طالته حينها، وبعدها وإلى الآن حراب “فتح” وقيودها وزنازينها المعتمة.

قيس عدوان مهندس الطلبة وقائد “القسام”

وأما آخر انتخابات حدثت قبل انتفاضة الأقصى فتلك التي فاز برئاسة المجلس فيها المهندس القسامي المعروف قيس عدوان أبو جبل، وهو الذي أحبَّته الجامعة بطلابها وعامليها وجدرانها حبًّا عجيبًا تترجم دموعًا حارةً يوم استشهاده، ويوم أن فتحت الكتلة بيت التهنئة له، حتى إن رئيس الجامعة وكثيرًا من العمداء بكَوا عليه وشاهد الطلبة دموعهم تسقط غزيرةً على أرض الجامعة.

وقبيل انتخابات العام 2001م كان شباب الكتلة يتسابقون للاستشهاد بأحزمتهم في شوارع الخضيرة ومطاعم ميحولا واشتباكا وتفجيرا في عمونئيل وباقة الغربية وغيرها، وأولئك هم: حامد وهاشم ومؤيد وعاصم، أسود القسام، واستشهاديو الكتلة وخيرة أبنائها.
فوز ساحق واستشهاديون أذاقوا العدو الويلات

أبدًا لن ينسى أحدٌ تلك اللافتة الكبيرة التي وضعتها الكتلة خلفيةً لدعايتها الانتخابية في العام 2001م، وهي صورة المارد القسامي الكبير الذي ينتشل بيديه الطاهرتين مقاومي “فتح” من مستنقع التفاوض واتفاقيات الذل والهوان.

وفازت الكتلة فوزًا ساحقًا أكد انتصار نهج المقاومة، وأن مسار التفاوض كان عبثًا أدخل القضية في نفق مظلم لم تخرج منه بعد، وتولى زمام الأمر حينها علاء حميدان رئيسًا جديدًا لمجلس الطلبة في جامعة الاستشهاديين، كما طاب للطلبة تسميتها طيلة انتفاضة الأقصى، وعلاء كان وقتها قد خرج حديثًا من سجون فتح بعد أن أمضى هو ومحمد صبحة أمير “الكتلة الإسلامية” ما يزيد عن العامين بعد اعتقالهم من وسط الجامعة لخروجهما عريفين بالزي العسكري في حفل تأبين المهندس الثاني لكتائب “القسام” محي الدين الشريف. 

ومضت انتفاضة الأقصى تثأر لتدنيس مسجدها وكانت الكتلة في النجاح ومهندسوها وقياديوها صناعًا رئيسيين لكثير من لحظات العزة والانتصار فخرج منها للقسام أبطالٌ وقادةٌ واستشهاديون أذاقوا المحتل ويلات وويلات ومن أبرزهم: دارين أبوعيشة وطالب هرماس وأحمد عبد الجواد و بلال العابد وطاهر جرارعة وعلي الحضيري ومحمد الغول ومهند طاهر  ومحمد البسطامي والصحفي أبوحليمة ومهند حمامرة  ومحمد الحنبلي وثابت صلاح الدين وإحسان شواهنة وإياد خنفر والقائمة طويلة.

ورفعت الكتلة في هذه السنوات العمل الطلابي بعيدا إلى الأعلى فأقامت الاحتفالات والمعارض والأسابيع الطلابية الهادفة المبدعة وكانت قدوة الجامعات ومحط أنظار المراقبين وأصحاب الاهتمام.
انتخابات العامين 2004 و2005 خسارة ثم فوز ثمين

وجاء العام 2004 وكانت الانتخابات الطلابية بعد أيام على وفاة الرئيس ياسر عرفات وكانت فصائل الشعب الفلسطيني قد أبدت احترامًا لوفاة الرجل لرفضه أن يتنازل أكثر مما وصل إليه به الحال فانعكس تعاطفا معه في الشارع لم يطل كثيرًا ، لكن ساعة الاحترام تلك كانت من أبرز عوامل فوز الشبيبة في النجاح وتشكيلها مجلس الطلبة بعد غياب دام تسع سنوات.

وحزن الكثيرون لذلك لكن الخير بعدها كان وفيرًا جدا فأثبتت الشبيبة فشلاً ذريعًا في قيادة مجلس الطلبة، وبات الطلبة يقارنون بين إبداع الكتلة وتفانيها وفشل الشبيبة وتماديها فجاءت بعدها انتخابات العام 2005  لتسجل نصرًا عزيزا للكتلة الإسلامية جاءت بعدها بالمهندس محمد عدس رئيسًا جديدًا لمجلس الطلبة فرمّم ما خربه المجلس السابق وأبدع مع إخوانه في مجلس يُسجل المراقبون له أن أقوى مجلس طلبة مرّ على تاريخ النجاح تنظيمًا وأنشطة وإنجازًا.

أعقد انتخابات خاضتها الكتلة منذ تأسيسها
ولا شك أن الأحوال بعد 25 يناير من العام 2006 اختلفت كثيرًا بعد انتخابات حضّر العالم نفسه فيها لتأبين “حماس” ففاجأته “حماس” بانتصار ساحق أكّد التفاف الشعب حولها ومقاومتها وفشل “فتح” وخياراتها.
وعندها ترجل من النجاح محاضروها وأساتذتها فكان على رأسهم رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز دويك وتقدمهم نائب رئيس الوزراء الدكتور ناصر الدين الشاعر وترأس وزارة المالية حينها الدكتورعمر عبدالرازق وترأس وزارة التخطيط الدكتور سمير أبو عيشة، وهذا يجعل من النجاح مكانًُا استراتيجيًّا جدًا دفع “فتح” ومن خلفها للاحتياط كثيرًا في النجاح من أي جولة قادمة، ولأجل ذلك أيضا فهي مستهدفة بطلابها ومحاضريها من الاحتلال وأعوانهم الذين سخروا من أنفسهم احتلالا داخل احتلال .

لكن ذلك الفوز انعكس حصارًا خانقًا وضغطًا يوميًّا على شعبنا المرابط ، اجتمعت فيه قوى خارجية وداخلية كثيرة في محاولة لإسقاط  مشروع “الإسلام المقاوم” من سدّة حكم صُنعت لغير المقاومين، وما يهمنا في ذلك أن “فتح” وبعد مضي عشرة أشهر على خسارتها انتخابات التشريعي بذلت جهودًا خارقة جدصا وعملت بشكل غير مسبوق وأنفقت أموالا باهظة جدا على أن ترد اعتبارا لها في الانتخابات الطلابية التي جرت في جامعة النجاح في العام  2006.

ولكنهم لم ينالوا ما أرادوا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات