الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح.. قصة علم ومقاومة وإبداع

ما زالت الحركة الطلابية في “جامعة النجاح الوطنية” بتاريخها وحاضرها ومستقبلها ودورها الجهادي والنضالي تشكِّل قاعدةً متقدمةً ومهمةً جدًّا في معركة التحرير التي يخوضها شعبنا الفلسطيني وفصائله المقاومة، وهي عند الكثيرين محطُّ الأنظار وصاحبة التأثير في مفاصل تاريخية كثيرة ومهمة من تاريخ الشعب الفلسطيني، سواء على صعيد الاحتلال ومقاومته، أو على صعيد الخارطة السياسية الفلسطينية واصطفافاتها المتنوعة والمتبدلة أحيانًا كثيرة.
وباستعراض سريع لتاريخها منذ نشأتها، تكشف لنا الأرقام والإحصاءات ونتائج انتخابات مجالس الطلبة فيها منذ تأسيسها أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” -ومن خلال جناحها الطلابي “الكتلة الإسلامية”- قادت تلك المجالس معظم الانتخابات الطلابية التي حدثت، وكانت “فتح” من خلال جناحها الطلابي “حركة الشبيبة” تأتي الثانية من حيث عدد قيادتها لمجالس الطلبة، وغالبًا ما كانت تشكيلة المجلس لأحد الطرفين فقط، وإن وجد الآخر فإنه هامشيٌّ لا يملك التأثير، وتلك دلالةٌ على حقيقة كون “النجاح” مركزًا مهمًّا تحرِص الفصائل الفلسطينية كلها على تسجيل الحضور فيها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
الإسلاميون يشكِّلون أول مجلس طلبة في “النجاح”
ومن أهم المحطات في بداية مسيرة الحركة الطلابية في هذه الجامعة تلك الانتخابات الطلابية التي حدثت بداية الثمانينيات، وكانت نتيجتها مفاجأةً جدًّا حينئذٍ، وهي التي فاز فيها الإسلاميون بقيادة الشهيد القائد جمال منصور فوزًا ساحقًا، شكَّلوا فيه مجلس الطلبة لأول مرة بقيادة شاب بلغ حينها العشرين من عمره، وهو مَن بات يُعرف الآن بـ”ناصر الدين الشاعر” نائب رئيس الوزراء في حكومة “حماس”.
لكنَّ ديمقراطية غابة البنادق كما يحلو للفتحاويين تسميتها لم تُطِق ذلك، ولم يطُل الأمر وانقضُّوا على تلك الانتخابات ونتائجها، وتلك قصة طويلة؛ خلاصتها أن “فتح” حينها لم تستوعب أن يصل الإسلاميون إلى قيادة الطلبة في جامعة، طالما زعموا أنها معقلهم، وهم من أسَّسوها، وفي هذا طبعًا نظرٌ، وعليه اعتراض.
عبد الناصر أميرًا للكتلة ورفيقًا لعياش
ومع دخول انتفاضة الحجارة أغلقت الجامعة أبوابها، وتعطَّلت فيها الحياة الطلابية سنوات عديدة، وما إن عادت الحياة الطلابية إلى مجاريها حتى أخذت “الكتلة الإسلامية” مكانها، وانطلقت تصنع حياةً طلابيةً جديدةً، تنشر القيم والأخلاق، وتؤسس لجيل مقاوم يدرك قيمة العلم والإيمان والمقاومة، وكيف أنها ضروراتٌ تغذِّي بعضها بعضًا، وتلك قصة شعار “الكتلة الإسلامية” الخالد: “ملتزمون بالعلم والمقاومة والإبداع”.
وكانت “فتح” قد عادت إلى داخل الوطن عبر اتفاقها المشؤوم، الذي ما زال الشعب الفلسطيني يذوق الويلات من تبعاته على جميع الأصعدة، وأما “حماس” فكانت تنضج بعناية الله على أرض الوطن؛ من خلال عمل دؤوب، وجهاد متفانٍ، وصورة مشرقة فاجأت الجميع.
وحينها كان للكتلة أمير اسمه عبد الناصر عيسى رفيق العيَّاش وأحد أبرز قادة “القسام” في شمال الضفة وقتها، وقصته جميلة وعجيبة، ليس أقلها أنه مسؤول عن عديد من عمليات الثأر المقدَّس حينها، ومعه وقبله وبعده زاهر جبارين ووليد خالد، وآخرون ممن تعرف الأرض والسماء أفعالهم وجهادهم.
وما إن كانت الانتخابات الطلابية في العام 95 حتى دخلت الكتلة بكل قوتها رافعةً لواءها الأخضر عاليًا؛ ليرفف في “النجاح” في فوز جديد، شكّلت فيه مجلس الطلبة، رغمًا عن كل محاولات “فتح” وشبيبتها بتعطيل تحالفات الكتلة مع الفصائل الأخرى، وقاد حينها المجلس طالب الهندسة المعمارية منذر مشاقي، الذي نالته بعدها اختطافات السلطة والاحتلال كثيرًا.
“فتح” تقتحم حرم “النجاح” والكتلة تقود العمل بهمة وتفانٍ
مضت الكتلة قويةً تصنع الحدث وتُبدع الأنشطة وتنقله إلى جامعات الوطن الممتدة في الضفة وغزة، وما إن جاء العام 96 حتى حدث اقتحام أجهزة “فتح” لباحات الجامعة التي حاصرها الاحتلال طويلاً ولم يقتحمها، فكان يومًا ما زال يُسمَّى بـ”الأسود، اعتقلت “فتح” حينها أكثر من 116 من قيادة الكتلة وأبنائها، حتى إن عددًا من الطالبات الحوامل أنزلن حملهنَّ من هول المنظر وفعل الضرب بالعصي والهراوات.
وفي الأعوام من 96 وحتى 99 قادت الكتلة مجلس الطلبة بكل قوة وعنفوان وحكمة، وصنعت للحركة الطلابية عزًّا ومجدًا ما زالت إدارة الجامعة تصفه بالنادر والمذهل، وحينها كان رئيس مجلس الطلبة طالب اللغة العربية محمد هاشم خضر من مدينة قلقيلية، الذي طالته حينها، وبعدها وإلى الآن حراب “فتح” وقيودها وزنازينها المعتمة.
قيس عدوان مهندس الطلبة وقائد “القسام”
وأما آخر انتخابات حدثت قبل انتفاضة الأقصى فتلك التي فاز برئاسة المجلس فيها المهندس القسامي المعروف قيس عدوان أبو جبل، وهو الذي أحبَّته الجامعة بطلابها وعامليها وجدرانها حبًّا عجيبًا تترجم دموعًا حارةً يوم استشهاده، ويوم أن فتحت الكتلة بيت التهنئة له، حتى إن رئيس الجامعة وكثيرًا من العمداء بكَوا عليه وشاهد الطلبة دموعهم تسقط غزيرةً على أرض الجامعة.
أبدًا لن ينسى أحدٌ تلك اللافتة الكبيرة التي وضعتها الكتلة خلفيةً لدعايتها الانتخابية في العام 2001م، وهي صورة المارد القسامي الكبير الذي ينتشل بيديه الطاهرتين مقاومي “فتح” من مستنقع التفاوض واتفاقيات الذل والهوان.
وفازت الكتلة فوزًا ساحقًا أكد انتصار نهج المقاومة، وأن مسار التفاوض كان عبثًا أدخل القضية في نفق مظلم لم تخرج منه بعد، وتولى زمام الأمر حينها علاء حميدان رئيسًا جديدًا لمجلس الطلبة في جامعة الاستشهاديين، كما طاب للطلبة تسميتها طيلة انتفاضة الأقصى، وعلاء كان وقتها قد خرج حديثًا من سجون فتح بعد أن أمضى هو ومحمد صبحة أمير “الكتلة الإسلامية” ما يزيد عن العامين بعد اعتقالهم من وسط الجامعة لخروجهما عريفين بالزي العسكري في حفل تأبين المهندس الثاني لكتائب “القسام” محي الدين الشريف.
ومضت انتفاضة الأقصى تثأر لتدنيس مسجدها وكانت الكتلة في النجاح ومهندسوها وقياديوها صناعًا رئيسيين لكثير من لحظات العزة والانتصار فخرج منها للقسام أبطالٌ وقادةٌ واستشهاديون أذاقوا المحتل ويلات وويلات ومن أبرزهم: دارين أبوعيشة وطالب هرماس وأحمد عبد الجواد و بلال العابد وطاهر جرارعة وعلي الحضيري ومحمد الغول ومهند طاهر ومحمد البسطامي والصحفي أبوحليمة ومهند حمامرة ومحمد الحنبلي وثابت صلاح الدين وإحسان شواهنة وإياد خنفر والقائمة طويلة.
وجاء العام 2004 وكانت الانتخابات الطلابية بعد أيام على وفاة الرئيس ياسر عرفات وكانت فصائل الشعب الفلسطيني قد أبدت احترامًا لوفاة الرجل لرفضه أن يتنازل أكثر مما وصل إليه به الحال فانعكس تعاطفا معه في الشارع لم يطل كثيرًا ، لكن ساعة الاحترام تلك كانت من أبرز عوامل فوز الشبيبة في النجاح وتشكيلها مجلس الطلبة بعد غياب دام تسع سنوات.
وحزن الكثيرون لذلك لكن الخير بعدها كان وفيرًا جدا فأثبتت الشبيبة فشلاً ذريعًا في قيادة مجلس الطلبة، وبات الطلبة يقارنون بين إبداع الكتلة وتفانيها وفشل الشبيبة وتماديها فجاءت بعدها انتخابات العام 2005 لتسجل نصرًا عزيزا للكتلة الإسلامية جاءت بعدها بالمهندس محمد عدس رئيسًا جديدًا لمجلس الطلبة فرمّم ما خربه المجلس السابق وأبدع مع إخوانه في مجلس يُسجل المراقبون له أن أقوى مجلس طلبة مرّ على تاريخ النجاح تنظيمًا وأنشطة وإنجازًا.
لكن ذلك الفوز انعكس حصارًا خانقًا وضغطًا يوميًّا على شعبنا المرابط ، اجتمعت فيه قوى خارجية وداخلية كثيرة في محاولة لإسقاط مشروع “الإسلام المقاوم” من سدّة حكم صُنعت لغير المقاومين، وما يهمنا في ذلك أن “فتح” وبعد مضي عشرة أشهر على خسارتها انتخابات التشريعي بذلت جهودًا خارقة جدصا وعملت بشكل غير مسبوق وأنفقت أموالا باهظة جدا على أن ترد اعتبارا لها في الانتخابات الطلابية التي جرت في جامعة النجاح في العام 2006.
ولكنهم لم ينالوا ما أرادوا
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...