جولة في الصحافة السورية الرسمية حول قرار السلطة تأجيل تقرير غولدستون
تناولت الصحف السورية الرسمية بشكلٍ مكثفٍ خلال اليومين الماضيين موقف سلطة رام الله من تقرير القاضي غولدستون؛ حيث عرضت من خلال عدة تقارير ومقالات لكتاب ومحللين موقف الجمهورية العربية السورية منه، خاصة مع الجهود الحثيثة التي بذلتها سورية لرفع التقرير إلى مجلس حقوق الإنسان بعد تنسيق الجهود مع العديد من الدول العربية والإقليمية والدولية.
جريدة “البعث” رأت في افتتاحية عددها الصادر يوم الإثنين (5-10) ألا غرابة في أن تحارب “إسرائيل” التقرير كما فعلت وبكل ما أوتيت من قوة، وأن تسخِّر لذلك كل أسلحتها الدبلوماسية؛ فقد وضعها التقرير لأول مرة في تاريخها الإجرامي الطويل أمام خطر المساءلة القانونية الدولية الفعلية، ولا غرابة أيضًا أن يتحرَّك حلفاؤها وحُماتها المخلصون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة لمساعدتها على الخروج من هذا المأزق الخانق بممارسة الضغوط والترويج لبدعة خطر التقرير على جهود السلام.
وأضافت الجريدة في افتتاحيتها المذكورة: “لكن الغرابة كل الغرابة أن يأتيَ “إسرائيل” المأزومة الفرجُ من السلطة الفلسطينية التي طلبت التأجيل؛ فمهما سيق من حججٍ وذرائع لتبرير هذا الطلب لا يمكن للمراقب الموضوعي إلا أن يرى فيه عرقلة واضحة في وجه وصول التقرير إلى المؤسَّسات الدولية المعنية لتنفيذ توصياته، ولا سيما أن الطريق إلى هذه المؤسَّسات كانت مفتوحة أمامه؛ إذ كان من المؤكد أنه سيحصل على أصوات أغلبية أعضاء مجلس حقوق الإنسان”.
وخلص كاتب الافتتاحية التي نشرت كاملةً في الصفحة الأولى محمد كنايسي إلى القول: “فرصة ذهبية.. كان يمكن أن تعجِّل بوضع مجرمي الحرب “الإسرائيليين” في قفص المحكمة الجنائية الدولية، لكنها ضاعت بفعل موقف أقل ما يقال فيه إنه جاء مناقضًا لجهود حثيثة بذلها العالم من أجل معاقبة قتلة أطفال غزة ومبيدي سكانها بالأسلحة المحرَّمة دوليًّاً”.
وفي عددها الصادر اليوم الثلاثاء (6-10) ركَّزت جريدة “البعث” على أن ما قام عباس وفريقه من محاولاتٍ للتهرُّب من المسؤولية باءت بالفشل؛ حيث أوردت خبرًا عنوانه “مندوب السلطة: تأجيل “تقرير غولدستون” بتوجيهاتٍ منها!.. حملات التنديد تتصاعد: تفريط في دماء الشهداء”.
وفي صفحة “الأخبار” نشرت الصحيفة خبرين متجاورين؛ أحدهما جاء تحت عنوان “تواصل الانتقادات لتأجيل بحث تقرير غولدستون.. القوى الفلسطينية تدعو إلى التحقيق في موقف السلطة”، والآخر بعنوان “الاحتلال يفرج عن الأسيرة العشرين.. محللون: صفقة التبادل نجاح مهم لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)” تاركةً للقارئ أن يقارن بين ما أوصلت إليه المقاومة وثباتها من تحريرٍ للأسيرات وما أوصل إليه نهج التفاوض من إذعان وصل إلى أبعد حدوده بحماية المحتل وتبرئته ودفعه إلى ارتكاب مزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
صدَّرت جريدة “تشرين” الرسمية السورية في صفحتها الأولى في عددها الصادر يوم الإثنين (5-10) بثلاثة عناوين تتعلق بموقف سلطة عباس من “تقرير غولدستون”؛ حيث عرضت موقف سورية من التقرير في خبر بعنوان “أكد ضرورة محاسبة مجرمي الحرب “الإسرائيليين” وإحالة التقرير إلى مجلس الأمن.. مصدر رسمي: سورية تستغرب طلب السلطة الفلسطينية تأجيـل اتخـاذ إجراء بصـدد تقرير غولدستون”، أما الثاني فقد جاء بعنوان “انتقادات واسعة لطلب تأجيل بحث تقرير غولدستون.. هنية: يفتقر للمسؤولية- الدويك: غير قـانوني- موسى: يسمح لـ”إسرائيل” بفعل ما تشاء”، أما الثالث فهو المقال الرئيس الذي نشر قسمه الأول في الصفحة الأولى وجاء بعنوان “عندما نفتقد البوصلة!”.
هذا واعتبر الكاتب في “تشرين” عمر جفتلي في مقاله “عندما نفتقد البوصلة!” أن “أغرب ما يمكن أن يفعله بعض العرب بحق نفسه هو إعطاء “إسرائيل” فرصة النجاة من جرائمها بذريعة حوافز العملية السلمية، أو استجابة لضغوط قُدمت كوعود معسولة لم تحصد الأمة العربية من سابقاتها سوى المزيد من شق الصفوف والتفرقة والخذلان”، وأضاف: “ما فاجأ الأمة العربية كلها أن يطلب المعنيُّ بالحق الفلسطيني ووجود هذا الشعب ومستقبله تأجيل إجراء هو في غاية الأهمية لفضح جرائم “إسرائيل”.. والكل تساءل: هل يعقل هذا؟!”.
وتساءل الكاتب في ختام مادته: “هل استرخصنا دماء شهدائنا إلى هذا الحد الذي نتراخى فيه عن إنصاف ضحايانا ونعطل جهودًا عربية وإسلامية ودولية تضافرت جميعها لمحاسبة “إسرائيل”؟!”.
وفي عددها الصادر اليوم الثلاثاء (6-10) تساءلت الكاتبة سميرة المسالمة في افتتاحية “تشرين” قائلةً: “كيف يمكن إثبات هوية العالم “الحر”؟! وكيف يجب أن يتصرَّف هذا العالم “الحر” تجاه جرائم الحرب وجريمة العدوان وجريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها “إسرائيل” طوال العقود الماضية؛ بدءًا من دير ياسين وكفر قاسم وحتى العدوان على غزة؟! هل يستحق ذلك العالم أن يحمل هذا الاسم “الحر” إذا لم يلاحق بجدية حقيقية القتلة من العسكريين والسياسيين “الإسرائيليين” الذين تتوافر مئات الأدلة القطعية على تورُّطهم الشخصي والوظيفي في هذه الجرائم؟!”.
كما تناولت الصحيفة موقف سلطة عباس في رام الله من (تقرير غولدستون)، مؤكدةً استمرار الانتقادات لهذا الموقف الهزيل، وأوردت هذه الانتقادات الشعبية والرسمية في خبرٍ تحت عنوان “استنكار واسع لقرار السلطة تأجيل بحث (تقرير غولدستون)”.
وفي زاوية “وجهة نظر” عنون الكاتب السوري عمران الزعبي مقاله بـ”جريمتان بحق الشعب الفلسطيني”، وفيه اعتبر الكاتب أن “تقرير غولدستون” يشكل -بكل ما ورد فيه من أدلة وتحليلات وتوصيف جرمي لما ارتكبته القوات العسكرية “الإسرائيلية” البرية والجوية والبحرية من جرائم حرب- تأكيدًا قاطعًا وواضحًا لطبيعة العدو الصهيوني.
غير أن المستغرب -حسب الكاتب- كان “موقف السلطة الفلسطينية في رام الله وطلب السفير الفلسطيني في مجلس حقوق الإنسان سحب التقرير من جدول الأعمال”.
وخلص الكاتب إلى أن “ما حدث هو في أحسن الأحوال
خذلان لدماء الشهداء والجرحى.. خذلان لكل الشعب الفلسطيني.. خذلان بحق الأمتين العربية والإسلامية.. بحق الأحرار في العالم”، وإلى أن على السلطة وعباس “تحمُّل المسؤولية الوطنية والقانونية والأخلاقية أمام الناس جميعًا كقيادة وأفراد على حدٍّ سواء، وتحمُّل المسؤولية لا يتأتى عبر لجنة التحقيق المشكَّلة وإيجاد التبريرات”.
أما الدكتور إبراهيم دراجي فقد كتب مقالاً نشرته الصحيفة في عددها الصادر اليوم الثلاثاء بعنوان “سلطة غيت! “؛ اعتبر فيها أن السلطة الفلسطينية ارتكبت “حماقتين” في تصرُّفٍ واحد: “الأولى من خلال طلبها المريب الموافقة على تأجيل تبني مجلس حقوق الإنسان تقرير القاضي غولدستون، وأما ثانيتهما فكانت في التبريرات التي ساقتها والذرائع والحجج التي عرضتها لتبرير موقفها الذي لا يبرَّر، وهو ما توَّجته بقرارها إنشاء لجنة للتحقيق بملابسات طلبها التأجيل وهو أمر يبدو أقبح بكثير من الذنب الذي ارتكبته”.
نجد في الصفحة الأولى لصحيفة “الثورة” الرسمية السورية ثلاث مواد تتحدَّث عن “تقرير غولدستون”؛ فالافتتاحية التي نشرت كاملة على أول صفحة جاءت بعنوان “غولدستون.. المسؤولية الدولية”، وفي هذه الافتتاحية اعتبر كاتبها أسعد عبود أنه أمام الرأي العام العالمي لا تستطيع الولايات المتحدة أن تحميَ جلاوزة الإجرام في “إسرائيل” من دقة تصويب أنصار الرفض والاستنكار والاحتقار… لكنها قدَّمت إليهم وعبر السلطة الفلسطينية حماية ستحتاج جهودًا أخرى كي تكون دائمة”.
وأضاف: “اتضح منذ اللحظات الأولى الارتباك لدى السلطة الفلسطينية في محاولة إخراج ما أقدمت عليه بشكل يحفظ ماء الوجه، وهي تدرك الآن -ولا ريب- أن محاولتها للتستر على ما أقدمت عليه وتخجل منه قد فشلت كليًّا، وأمامها ردة الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية عبر عدد كبير من المنظمات”.
“وصمة عار” هو العنوان الذي اختاره الكاتب أحمد ضوا لزاويته التي تناول فيها “تقرير غولدستون” وموقف سلطة محمود عباس منه، واعتبر الكاتب أن من قام بتأجيل بحث القرار “إما لا يدرك أبعاد ومخاطر هذا العمل أو أنه يعمل في إطار الموقف “الإسرائيلي”.. ولا خيار ثالثًا بينهما”.