نساء الأسرى.. تضحية وصبر وعطاء ومواقف تفوق الرجال

كم هي مليئة صفحات التاريخ الفلسطيني بنماذج البطولة والفداء من الرجال الذين أفنوا سني عمرهم في الذود عن حياض أمتهم ودينهم والدفاع عن وطنهم ومقدساتهم أمام عنجهية عدوٍّ لا يرحم!؛ فمنهم من قضى شهيدًا أو أسيرًا أو جريحًا، ومنهم من ينتظر، وعلاوة على ذلك نجد نماذج نسائية أخرى تقف إلى جانب هؤلاء الرجال لتكمل حكاية الصمود والبطولة والتحدي والصبر الذي جعلهن في المقدمة.
اعتقال تلو الآخر!!
في مكان هناك بالقرب من مقبرة الشهداء بجوار جبل جرزيم الشاهد على صمود مدينة نابلس وعنفوانها، ومع انتهاء فصل الربيع وإسدال الصيف أشعته اللاهبة، جلست أم عمر زوجة الأسير سائد ياسين في حديقة منزلها بعد أن سقت ورود الدار؛ وذلك بعد أن غاب صاحب البيت عن بيته عنوة وقسرًا في سجون الاحتلال.
عن معاناتها تحدثت أم عمر -في تقريرٍ نشره “مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان”، تلقى “المركز الفلسطيني للإعلام” نسخةً منه- بشوق وحنين عن زوجها الذي ما إن يخرج من أسره حتى يعاد اعتقاله، لدرجة أنها باتت تنظر إلى النجوم لتتذكر معالم وجه زوجها الأسير، وتثبته في ذاكرتها التي امتلأت بتواريخ اعتقال أبو عمر وشذى.
وتتابع: “من اليوم الأول لارتباطي بسائد ياسين أدركت أن الطريق طويلة، وأن الدرب صعبة، وأن الأشواك قبل الورود ستكون في جنبات الطريق”؛ فهي من تحمل شهادة الصيدلة، وكانت -قبل زوجها- تسكن بلدة حوارة، تعلم حينما تقدَّم إليها سائد أن الاحتلال له بالمرصاد؛ فهو لا يستطيع أن يخرج من نابلس لزيارة بيت أبيها، ومع ذلك وافقت على الارتباط به، وقالت” “إن لم نقبل بمثل هؤلاء الفرسان وإن لم نكن لهم الستر والغطاء فمن يكون؟!”.
ومنذ ذلك التاريخ قبل أربعة أعوام وأم عمر ياسين تتنقل خلف زوجها من سجن إلى آخر، وتنتظر كل أربعة أو ستة أشهر خبر تمديد اعتقاله الإداري صابرة محتسبة تربي ولديها شذى وعمر وتزرع في نفسيهما معاني الحب والوفاء، تحفظ الغيبة وتسد الفراغ الذي خلفه لها سائد ياسين باعتقاله.
هن قدوة
ليس بعيدًا عن أم عمر ياسين مسكن أم عبد الرحمن حشاش زوجه الأسير وائل حشاش، وبالتحديد في أزقة مخيم بلاطة للاجئين، تقول -وبعد يوم واحد من تجديد الاعتقال الإداري لزوجها وائل الذي يحمل شهادة الماجستير في الشريعة- “تعلمت الصبر والثبات، ومن تلاوته آيات القرآن قبل الفجر تعلمت أن الحياة ابتلاءات وبها من المحن ما يوجب علينا الصبر والثبات، كان في كل يوم يقول: لي هذه الدنيا ليست لنا، هي سجن المؤمن، ونحن قد شاء الله لنا أن نُقيَّد في الدنيا، ولكن بإذنه لن نقيد يوم القيامة، وهناك فقط الحرية”.
وتتابع أم عبد الرحمن: “نحن بشر، ولنا مشاعر، وشوقنا إلى أزواجنا وأولادنا في السجون كبير، ولكن حب الأوطان أكبر، وقد تعلمت من وائل معانيَ الصبر والثبات وأنا أقول له: نحن على الدرب لن نحيد، واصبر يا زوجي، ولليل ساعات ويرحل”.
بفارغ الصبر ننتظر عودتهم
بهذه الكلمات عبَّرت أم محمد معطان زوجة الأسير عبد الباسط معطان المعتقل قبل شهرين في سجن “النقب” حينما سألها مركز “أحرار” عن زوجها عبد الباسط الذي سجل باعتقاله الأخير عشرة اعتقالات وأمضى ما يزيد عن عشر سنوات في سجون الاحتلال أمضاها بين أقبية التحقيق ومراكز التوقيف و”بوسطات” النقل.
وتتابع أم محمد وهي تحمل بين جنبيها ولدها الوحيد محمد الذي لم يكمل عامه الثاني، أن أية امرأة تفتقد زوجها، وهي أحوج ما تكون إليه؛ ففي كل يوم يوجد مناسبة توجب وجوده، ومن دونه لا يكون لهذه المناسبة أي طعم أو خصوصية.
وتضيف أم محمد: “من يوم زواجي قبل ثمانية أعوام لم أمضِ مع زوجي إلاَّ رمضانًا واحدًا؛ ففي كل رمضان يكون عبد الباسط في السجن، وكذلك الأعياد؛ فالاحتلال لم يدع له فرصة للراحة، وأنا أقوم بواجباتي كاملة؛ أذهب إلى عملي، فأنا مدرسة، وأقوم بمتابعة أمور ابني، وأبر أهل زوجي بمتابعة أمورهم، وأجهز نفسي لزيارة زوجي وتوفير حاجياته ومتابعة أمور المحامي وإرسال ما يلزم له، وأذهب لزيارته وأرفع من معنوياته وأربط على قلبه، ولا أنقل إليه إلا كل ما هو سارٌّ ومفرح”.
نعد الساعات والأيام
إخلاص صويص زوجة الأسير عباس السيد تقول: “صحيح أننا صابرات محتسبات، ولكن لا يعني هذا أننا لا نحتاج إليهم؛ فغياب الزوج يترك فراغًا كبيرًا، كما أن تربية الأبناء بحاجة إلى تضافر جهود الأب والأم معًا، ولكن وفاءً منا لنبل ما أسروا من أجله يجعلنا نتحمل ونصبر ونصابر، وإن المحنة التي وًضعنا فيها بسبب غياب أزواجنا فجَّرت فينا طاقات كبيرة وجعلتنا أكثر قدرة على التحمل والصبر ومواجهة مثل هذه المحن، فلن نستسلم للسجان ولن نخذل أزواجنا، وسنحصن بيوتهم التي بنوها بعرقهم وجهادهم وصبرهم”.
في كل يوم ومع كل صباح تقول صويص: “أواجَه من مودة وعبد الله بذات السؤال: (هل أبي سيخرج قريبًا؟) ولا أجد ما أقوله إلاّ كلمة: (إن شاء الله”).. عبد الله الصغير لا يفهم معنى الكلمة، ويقول: لماذا لا يريد الله أن يخرج أبي؟! أليس والدي يصلي؟!، أمسح وجنتيه وأضمه إلى صدري وأقول له: ومن أجل ذلك أُسر أبوك”.
وتتابع أم عبد الله السيد الذي يواجه زوجها حكمًا بالمؤبد مدى الحياه 47 مرة: “لم أعد أجد ما أصبِّر به ولديَّ سوى المزيد من الوعود بالمزيد من الهدايا والرحلات”.
نموذج في الصبر والفداء
“هكذا تربينا وها نحن نموذج في الصبر والفداء”.. بهذه الكلمات أجابت نعمة بدران (أم عماد) زوجة حسام بدران المحكوم عليه بالسجن 19 عامًا حينما سُئلت عن سر صمودها وتحملها غياب زوجها، وتتابع قولها: “لم أدرس الشريعة من باب الترف، ولم أعمل في وزارة شؤون الأسرى من باب الحاجة؛ فقد اكتسبت من دراستي الكثير، وتعلمت معاني الصبر، ودومًا أنا أقارن تضحيتي بتضحية نساء غزة الصابرات؛ الواحدة منهن تودع زوجها وولديها شهداء، وتتبعهم بزغرودة، وتطلب منهم الشفاعة، هذه بلاد احتلت، وعلينا أن نقدم الغاليَ والنفيس من أجل تحريرها، وها نحن قدمنا أزواجنا في سبيل الله، ولا يظنَّ أحدٌ أننا نقول ذلك من باب الترف ولا الإعلام.. هذه حقائق تربينا عليها ونزرعها في قلوب أولادنا”.
وتتابع أم عماد أن ولدها عماد قد طلب منها العام الماضي أن يحضر والده حفل تخرجه من الصف الأول، وقالت له: “بإذن الله سيكون والدك العام القادم، وها هو قدم العام بسرعة وأعاد ذات السؤال ولم أستطع أن أمنِّيَه للعام الذي سيأتي؛ حتى لا أكون في نظره كاذبة”.
وتقول: “نحن لسنا أقل من الرجل.. نحن في خندق آخر؛ نصبر ونصابر وندفع وندافع، وبإذن الله سنضرب أجمل الصور في البطولة والعطاء”.
نماذج مشرفة
من جهته قال فؤاد الخفش مدير “مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان” إن المرأة الفلسطينية بصبرها وثباتها ضربت أروع وأجمل الصور في الصمود والنضال، وإن خلف كل قصة مناضلاً فلسطينيًّا، وفي الظل ومن دون أن يكون باديَ للعيان توجد امرأة، قد تكون الزوجة أو الأخت أو الأم.
وأضاف الخفش: “قصص البطولة التي أبدتها المرأة الفلسطينية في كل الميادين، وبالذات ميدان الأسر، كثيرة وكبيرة؛ فكثير من النساء اعتقل أزواجهن ليلة الزواج أو بعد الزواج بأيام، وهن برضا ومن دون ضغوط آثرن الصمود وعدم التخلي، وبقين ينتظرن أزواجهن، ومنهن من كانت في مرحلة الخطبة ورفضن أن يتركن خطابهن، وبقين على العهد ينتظرنهم ويصبِّرنهم ويشددن على أياديهم”.
وأردف الخفش: “وهناك من نساء فلسطين من قبلت أن ترتبط بشاب أسير خلف القضبان في دلالة على نضوج المرأة الفلسطينية والفتاة الفلسطينية وإكبارهن النضال الفلسطيني والمضحين من أجل الوطن”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تعزيزًا للاستيطان.. قانون إسرائيلي يتيح شراء أراضٍ بالضفة
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام تناقش سلطات الاحتلال الإسرائيلي في "الكنيست"، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون يهدف إلى السماح للمستوطنين بشراء...

أطباء بلا حدود: إسرائيل تحول غزة مقبرة للفلسطينيين ومن يحاول مساعدتهم
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من تحوّل قطاع غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يحاول تقديم المساعدة لهم. وقالت المنظمة في...

الثاني خلال ساعات .. أمن السلطة يقتل مسنًّا في جنين
جنين - المركز الفلسطيني للإعلامقتلت أجهزة أمن السلطة -اليوم الثلاثاء - مسنًّا، وأصابت آخرين بإطلاق نار مباشر في الحي الشرقي بمدينة جنين، بعد ساعات...

حماس تحذر من تداعيات سلوك أمن السلطة على النسيج المجتمع
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت حركة حماس من تداعيات سلوكيات أجهزة أمن السلطة وتأثيرها على النسيج الوطني والمجتمعي، حيث قتل شاب برصاص...

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...