نتنياهو بين جامعتي القاهرة وبار إيلان

صحيفة القدس العربي اللندنية
لم يكن خطاب أوباما في جامعة القاهرة، مثل خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان، فالخطابان مختلفان تماماً.
فأما خطاب أوباما يوم الرابع من حزيران /يونيو في جامعة القاهرة كان امتداداً لسياسة “الاستشراق” وهي السياسة التي تستمد مبادئها من قانون (البطل المجهول) القادم من وراء البحار، البطل الذي يملك مفاتيح كنوز الأرض ويحتكر المعارف والعقل الراجح، ويملك البصيرة النافذة للحكم على الأمور، وهو المنقذ من الضلال والظلام لينقذ أمة العرب التي تعوم منذ قرون في بحر العالمين على متن قاربٍ مثقوب تتسرب إليه المياه من وسطه ومن جوانبه.
فأوباما اعتلى منصة أقدم الجامعات العربية جامعة القاهرة، أو جامعة فؤاد الأول التي أسست عام 1908 ليخاطب العرب والمسلمين منها باعتبارها كانت رائدة العصرنة والتطور في القرن العشرين، وباعتبارها حلقة الوصل بين الشرق والغرب، وباعتبارها مولودة من رحم الاستشراق، فخاطب العرب من على منبرها كما خاطبهم قواد الجيوش الغازية وكما خاطبهم نابليون بونابرت الذي لخص دهاءه السياسي بجرأة ووضوح حين قال:
“انتصرتُ في مقاطعة الغانديه، عندما صرتُ كاثوليكياً، واحتللتُ مصر عندما صرتُ مسلماً، وربحتُ معاركي في إيطاليا عندما صرتُ جبلياً، وإذا حكمتُ اليهود فسأكون الملك سليمان”.
ولم يخطر على بال أوباما- كما أظن – بأن عبد الناصر ألقى خطاباً في التاريخ نفسه قبل اثنتين وأربعين سنة في 4/6/1967 قبل النكسة بيوم واحد يشتم أمريكا لتحيزها إلى “إسرائيل”، وقال:
“نوجه خطابنا إلى أمريكا ونقول لها أنتم تتحيزون ل”إسرائيل”، و”إسرائيل” مستمرة [ببجاحة] في تجاهل حق الشعب الفلسطيني، وواصل قائلاً: نحن ننتظر المعركة الفاصلة على أحر من الجمر”!!
وقبل خطابه كان أوباما متأكداً بأن أمة العرب ما تزال تعيش في عصرها القديم، عصر [السوبرمانية] عصر السيف والرمح وعصر المطارحات الشعرية والمبارزات الخطابية، وهم ما يزالون يعشقون الخطابات لدرجة أن كل وسائل الإعلام العربية جنّدتْ مراسليها ومذيعيها لمتابعة حركات وسكنات أوباما، وفرضت وسائلُ الإعلام نظام حظر التجول على المشاهدين واعتقلت المحللين السياسيين من قُراء كف الزعماء لتحليل (فقه) خطاب أوباما، ووصل الحال بكثيرٍ من أبناء يعرب أن اعتبروا أوباما هو المنتظر الذي سيُصلح ما فسد من الأيام والسنين في أمة العرب والمسلمين، فها هو يستشهد بآيات من القرآن! إذن فهو أبو حسين!!.
بضاعة للتصدير
والغريب أن معظم المحطات الإعلامية الأمريكية كانت لا تعتبر الزيارة حدثاً استثنائياً يستوجب حتى إلغاء برنامج واحد من برامجها المعتادة، فاستمرت في برامجها التقليدية بدون تغيير، لأنها ببساطة كانت تعلم الحقيقة، وهي أن أقوال أوباما ليست سوى بضاعة مُعدة للتصدير الخارجي! وما أوباما سوى مطربٍ سياسي أمريكي حديث يعزف على أوتارٍ نسجتها التكنولوجيا الأمريكية، يخطب من ورقة وضعها حكماء أمريكا، ويتحرك وفق إيقاع المايسترو الأمريكي الأكبر(الحلم الأمريكي).
أما عن خطاب نتنياهو فهو الرد الرسمي الذي يمثل الإسرائيليين، هو رد على كل من تسول له نفسه أن يفهم خطاب أوباما وكأنه أمرٌ ل”إسرائيل”، أو انتقاصٌ من مكاسبها، قرأه فقط نتنياهو من على منصة جامعة (بار إيلان) في حي رمات غان، فنتنياهو حامل رسالة الدولة اليهودية بعد أن صاغته الأصولية اليهودية الحريدية بعناية، ليقرأه ليس في أي جامعة، بل في الجامعة التي ترمز إلى الدولة اليهودية، ولا ترمز إلى دولة “إسرائيل” لأن مؤسسها هو الحاخام (مائير بار إيلان) المولود في روسيا عام 1880 وهو مؤسس تيار (الصهيونية الدينية) بالمفهوم العقدي الديني لا السياسي، أي حزب مزراحي (المركز الروحي).
اراب مائير بار ايلان
الذي تُنسب له الجامعة تصدّى بشراسة للاقتراح البريطاني الذي كان يهدف لمنح اليهود دولة في شرق إفريقية، وهذا الاقتراح وافق عليه كثير من اليهود ومنهم الأغودات الحريديون المتزمتون، ورفضه الحاخام مائير، فلا دولة لليهود إلا في فلسطين.
وصل إلى القدس 1926 حيث تصدى أيضا للكتاب الأبيض ووقف ضد قرار التقسيم.
ها أنا أقتبس قولين يعكسان آراءه بوضوح، الأول في المؤتمر الصهيوني العشرين عام 1937 قال:
“يجب أن نكون مستعدين لتحمل أقسى الظروف وحتى خوض الحرب لنرث أرض إسرائيل، أرض التوراة الموعودة، ولن نساوم على تقسيم وطننا، فأرض إسرائيل كل إسرائيل هي لنا”.
والثاني في احتفال في تل أبيب عام 1948 قال:
“إن زي الجيش الإسرائيلي لا يشبه أزياء الجنود الآخرين، فجنود إسرائيل يلبسون لباس (مملكة إسرائيل) التي أعيد بناؤها بعد ألفي عام”!
هاهو بنيامين نتنياهو يؤكد لجده مائير بار إيلان تمسكه بأرض “إسرائيل” الكبرى حين طالب الفلسطينيين بالاعتراف بأن دولة “إسرائيل” هي (الدولة اليهودية)!
إذن فمن يعترف بأنها دولة اليهود، فهو يعترف ضمنياً بألا مكان فيها لغيرهم، وما بقاء الآخرين فيها حتى ولو كانوا من سكانها الأصليين سوى بقاءٍ موقوتٌ خاضع للمفاوضات!
ومن يعترف بيهودية الدولة، لا يمكنه بعدئذٍ أن يطالب بحق العودة للاجئين والمشردين والمطرودين من أرض أجدادهم! فتصبح المطالبة بحق العودة تجديفاً وهرطقة!
ومن يعترف بيهودية الدولة، فمن باب أولى فإنه يوافق على شعارها بأن تكون القدس هي عاصمتها الأبدية!
ومن يوافق على يهودية الدولة يوافق على شعارها الأزلي (كمملكة يهودا الكبرى) التي تنتظر مشيحها ليعيد لها حدودها الضائعة الواسعة!
ومن يعترف بيهودية الدولة، يُسقط حقه الضائع إلى أبد الآبدين!
إذن فخطاب نتنياهو هو (نشيد إسرائيل الوطني) ودستورها الأزلي.
كان موجها بالدرجة الأولى إلى الأغلبية اليمينية في “إسرائيل”، وبالدرجة الثانية هو ردٌ (مفحم) على نظرية الاستشراق الأمريكية الجديدة، التي تُسوِّق أحدث إنتاج للمؤسسة السياسية الأمريكية! وهو بالدرجة الثالثة تجاهلٌ متعمد لكل المطالبين بأن تتنازل “إسرائيل” وتفاوض الفلسطينيين على (دولة فلسطينية) فأي تسمية لأي كيانٍ فلسطيني حتى وإن كان دولة سيبدأ أولاً بالاعتراف ب”إسرائيل” كدولة يهودية، ثم على الدولة الفلسطينية المقترحة أن تلبس في يديها وقدميها الأغلال والقيود والألجمة، وتمنح مفاتيحها طوعاً واختياراً إلى ضابط الركن الإسرائيلي الذي يتحكم في حركاتها وسكناتها. فلا مجال جوي أو بحري أو بري، ولا سلاح ولا تسليح، ولا بنية اقتصادية مستقلة، فليس لها من صفات الدول غير اسمها وجوازات سفرها ذات اللونين، الأخضر للكادحين، والأحمر للعلية والساسة الطامحين!
كاتب فلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

العفو الدولية تطالب بخطوات جادة لوقف جرائم إسرائيل في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام دعت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار، جميع الجهات الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الاتحاد...

كتائب القسام تعلن عن كمين مركب لقوة هندسة صهيونية شرق خانيونس
المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الاثنين، تنفيذ كمين مركب لقوة هندسة صهيونية وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح...

حماس تُثمن حصار اليمن الجوي على دولة لاحتلال
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ثمّنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إعلان القوات المسلحة اليمنية فرضها حصاراً جوياً شاملاً على كيان الاحتلال...

القوات المسلحة اليمنية تُعلن فرض حصار جوي شامل على إسرائيل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأحد، فرض حصار جوي على كيان الاحتلال الإسرائيلي، رداً على التصعيد...

حماس تثمن إعلان اليمن فرض حصار جوي على كيان الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمّنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إعلان القوات المسلحة اليمنية فرضها حصاراً جوياً شاملاً على العدو الصهيوني، رداً على...

منظمات أممية تعلن رفضها الخطة الإسرائيلية لتوزيع المساعدات بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام رفضت منظمات أممية وغير حكومية، المشاركة في الخطة التي يستعد الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذها في قطاع غزة بخصوص توزيع...

الاتصالات تُحذر من انقطاع الخدمة جنوب ووسط قطاع غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية، مساء اليوم السبت، أنها ستُنفذ أعمال صيانة اضطرارية على أحد المسارات الرئيسية في قطاع...