اللغة المُستخدمة في صراع الشرق الأوسط

صحيفة الوطن العمانية
منذ أيامٍ، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً كان يجب أن يُنظر إليه ـ بسبب استبعاد إقامة دولة فلسطينية بشكل مُطلق ـ على أنه ضربة مميتة للسعي إلى حل الدولتينِ في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
على أن عناوين الصحف عبر الولايات المتحدة الأميركية أعلنت أن نتنياهو قد وافق على إقامة دولة فلسطينية، كما رحب البيت الأبيض بالخطاب على أنه “خطوة مهمة إلى الأمام”.
إن الحقيقة يمكن أن تطل برأسها بسهولة ووضوح عندما يتعلق الأمر ب”إسرائيل” لأن إساءة قراءة التصريحات الإسرائيلية هو ممارسة قديمة في أوساط المُعلقين السياسيين والصحفيين في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي الواقع، فإن لغة ومفردات خاصة قد تم تطويرها في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني في الولايات المتحدة. وهي تجسد الطريقة التي تُساء فيها قراءة القصص الخبرية هنا في أميركا، مما يجعل من الصعب على القراء أن يفهموا تماماً طبيعة تلك القصص الخبرية – وربما حتى من الصعب على الصحفيين أن يفكروا تفكيراً نقدياً فيما يكتبون.
والنتيجة الأخيرة لهذه اللغة والمفردات الخاصة هي جعل الأمر ممكناً على الأميركيين في أن يقبلوا وحتى يوافقوا ويصدقوا، في حالة “إسرائيل”، على ما يرفضونه في أي بلد آخر.
في الولايات المتحدة الأميركية، تعتمد المناقشة عن الساسة الفلسطينيين والحركات الفلسطينية غالباً على طيفٍ يتراوح من “المتشدد” إلى “المعتدل”. وتبدو الأخيرة رائقة؛ وتنطبق الأولى بوضوح على أولئك الذين لابد أنهم خارج نطاق التعامل. ولكن لا يكاد أحد من الذين يعتمدون على مثل تلك الاصطلاحات أن يتوقف ويسأل ماذا تعني.
وفي الوقت نفسه، يُصنف الساسة الإسرائيليون وفقاً لمعيارٍ مختلف كليةً: فهم إما “حمائم” أو “صقور”. وعلى العكس من الاصطلاحات المحجوزة للفلسطينيين، ليس هناك شيء سلبي متأصل في أي من هذينِ الاصطلاحين.
إذاً لماذا لا يُشار إلى أي زعيم فلسطيني هنا في أميركا على أنه “صقر” ؟ ولماذا نادراً ما يُصنف الساسة الإسرائيليون على أنهم “متشددون”؟
هناك أمثلة أخرى كثيرة لا حصر لها على هذه المعايير اللغوية المزدوجة. إن وسائل الإعلام الأميركية تستخدم ـ بشكل روتيني ـ المصطلح الاستئصالي والمُشوش عن عمدٍ وهو “عرب إسرائيل” للإشارة إلى المواطنين الفلسطينيين في “إسرائيل”، بالرغم من حقيقة أنهم يسمون أنفسهم فلسطينيين وهم كذلك فعلاً.
وبالمثل، فإن الوحدات السكنية المبنية في الأراضي المحتلة في خرقٍ واضح للقانون الدولي تُسمى دائماً “مستوطنات” أو حتى “مجاورات” بدلاً من تسميتها باسمها الحقيقي: وهو “مستعمرات”. وتلك الكلمة يمكن أن تكون قاسية على الآذان، ولكنها أكثر دقة.
وهذه التمييزات الدقيقة تصنع فرقاً كبيراً. فهي تؤطر الطريقة التي يُنظر بها إلى الناس أو الأحداث. وعندما يتعلق الأمر ب”إسرائيل”، يبدو أننا نصل إلى قاموس لا ينطبق على أي أحد آخر، لإضفاء قبول على أفعال أو أقوال تُدان في أي سياق آخر.
وهذا ما سمح بتهنئة نتنياهو على قبول “دولة” فلسطينية، حتى برغم من نوع الدولة التي قال عنها إن الفلسطينيين يمكن أن يُسمح لهم بها.
إن الكيان الذي يتحدث عنه نتنياهو هو دولة بلا سيادة أو سلطة أو وحدة أراض، أي لا ينطبق عليها مصطلح “دولة”. إن أية “دولة” بدون أراضٍ محددة ولا يُسمح لها بالسيطرة على حدودها أو مجالها الجوي ولا يمكنها أن تدخل في معاهداتٍ أو اتفاقاتٍ مع دول أخرى ليست دولة. فكيف يمكن للصحف الأميركية الكبرى أن تقول إن “رئيس الوزراء الإسرائيلي يدعم دولةً للفلسطينيين”، كما قالتها صحيفة “نيويورك تايمز”؟ أو أن “نتنياهو يرق ويلين في هدف الدولتين”، كما قالتها صحيفة “لوس أنجلوس تايمز؟! ذلك لأن لغةً ومفردات مختلفة تُطبق..
وهذا ما جعل كلام نتنياهو غير العادي والأكثر غرابة في خطابه لا يثير الاندهاش، عندما قال “إن الحقيقة هي أن منطقةً من وطننا، في قلب الدولة اليهودية، يعيش فيها الآن مجموعة كبيرة من الفلسطينيين”.
وبعبارةٍ أخرى، وكما قال نتنياهو مراراً، فإن هناك شعباً يهودياً؛ وله وطن ومن ثم دولة. أما بالنسبة للفلسطينيين، فإنهم مجموعة من المُعتدين على الأرض اليهودية!! ونتنياهو يُغفل، بالطبع، أنهم كان لهم وطن يقطنه نتنياهو وبني جلدته الآن.
وعلى العكس، يجب أن يقبل الفلسطينيون ـ كما قال هو ـ بأن “إسرائيل” دولة للشعب اليهودي (وهذا مطلب إسرائيلي جديد نسبياً، بالمصادفة)، ويجب أن يفعلوا ذلك على اعتبار أنهم لا يحق لهم نفس الحقوق.
ثم يسمي متحدث باسم الرئيس الأميركي ذلك بـ”خطوة مهمة إلى الأمام”!
في أي مكانٍ آخر ـ بما في ذلك في الولايات المتحدة ـ كان من الممكن تصنيف ذلك التباين الواضح والفظ بين الذين لهم الحقوق والذين ليس لهم حقوق على أنه عنصرية. ومع ذلك تم قبول كلام نتنياهو ومر مرور الكرام، ليس لأن معظم الأميركيين يوافقون عن علمٍ على العنصرية، ولكن لأن اللغة والمفردات السياسية الخاصة المُستخدمة تمنعهم من أن يكونوا قادرين على إدراكها وتمييزها بالضبط كما هي.
* أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة كاليفورنيا، ومؤلف كتاب “فلسطين بالداخل والخارج: احتلال يومي”.
* خدمة “لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست” ـ خاص بـ”الوطن”
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أنصار الله: الملاحة في المطارات الإسرائيلية غير آمنة
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت القوات المسلحة اليمنية "أنصار الله"، أن الملاحة الجوية في المطارات الإسرائيلية باتت غير آمنة، مشيرة إلى أن...

جيش الاحتلال يقصف مطار صنعاء الدولي ومصنعا للإسمنت ومحطة كهرباء مركزيّة
صنعاء - المركز الفلسطيني للإعلام شنّ جيش الاحتلال الإسرائيليّ، اليوم الثلاثاء، هجوما استهدف من خلاله مطار صنعاء الدوليّ، ومصنعا للإسمنت في منطقة...

مستوطنون يحرقون مساحات زراعية واسعة في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أضرم مستوطنون، اليوم الثلاثاء، النار في أراضٍ زراعية، شمال شرق مدينة رام الله. وأفادت مصادر محلية، بأن عشرات...

حماس: ترامب يردد أكاذيب نتنياهو لتبرير التجويع الممنهج لغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس، أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي اتّهم فيها الحركة بالسيطرة على المساعدات الإنسانية في...

48 شهيدا و142 جريحا في غزة خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الثلاثاء، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 48 شهيدا، و142 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

حماس: قرار الاحتلال توسيع الحرب تضحية صريحة بأسراه
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن مصادقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابنيت" على خطط توسيع الاحتلال عمليته البرية في غزة، ...

الأونروا: 66 ألف طفل في قطاع غزة يعانون سوء تغذية خطيرا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إن أكثر من 66 ألف طفل في قطاع غزة يعانون سوء تغذية خطيرا"،...