الثلاثاء 29/أبريل/2025

بين التطبيع والمعرفة والاختراق

بين التطبيع والمعرفة والاختراق

صحيفة الاتحاد الإماراتية

حالة الجدل الساخنة التي نراها في الصحف والبرامج التلفزيونية الحوارية في مصر، حول قرار وزارة الثقافة بترجمة بعض الكتب الإسرائيلية ليس عن الأصل العبري، ولكن عن الترجمة الإنجليزية أو الفرنسية، تحمل خلطاً واضحاً بين مهمة تحصيل المعرفة عن المجتمع المعادي وبين مسألة التطبيع.

ربما كان الداعي لهذا الخلط هو ترشيح وزير الثقافة المصري لمنصب أمين عام اليونسكو، وهو الترشيح الذي قوبل بمقاومة من “إسرائيل” والدوائر الصهيونية في العواصم الغربية بسبب عبارة نطق بها رداً على أحد أعضاء البرلمان الذي كان يحتج على وجود كتب عبرية في مكتبة الإسكندرية.

في خضم السجال والانفعال، قال الوزير للعضو ما معناه أرني هذه الكتب وأنا سأحرقها. يربط بعض المتحاورين بين محاولة الوزير الاعتذار عن هذه العبارة في مقال نشره منذ أسابيع في “اللوموند” الفرنسية وبين قرار ترجمة الكتب، ومن هنا يُطلق هذا البعض على هذا المشروع صفة التطبيع الثقافي الهادف إلى كسب التأييد لترشيح الوزير. وفي الحقيقة فإن قرار الترجمة نقلاً عن الطبعات الإنجليزية أو الفرنسية يشير بذاته على نحو قاطع إلى أن صفة التطبيع بعيدة كل البعد، وذلك ببساطة لأن لجوء المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة إلى دور النشر الأوروبية والأميركية ليحصل منها على إذن ترجمة الكتب الإسرائيلية منها، باعتبارها صاحبة الحق في الطبعات الإنجليزية والفرنسية، يعني أن المركز يرفض التعامل مع دور النشر الإسرائيلية. ذلك أن وزارة الثقافة كانت تقبل الكتب المترجمة عن العبرية، والتي كان يقدمها أساتذة الدراسات العبرية بالجامعات وكانت تقوم بنشرها حتى عام 2001. حتى ذلك العام لم تكن الوزارة قد وقعت على اتفاقية احترام حقوق الملكية الفكرية، وبالتالي لم تكن مضطرة إلى طلب موافقة الناشرين الإسرائيليين على نشر الترجمات. أما بعد هذا التاريخ، فقد أصبحت ملزمة بطلب موافقة الناشر ومن هنا امتنع مركز الترجمة عن نشر ترجمة الكتب العبرية حتى لا يضطر إلى كسر حالة المقاطعة ل”إسرائيل”، والتي تلتزم بها جميع مؤسسات الوزارة بما في ذلك مهرجان القاهرة السينمائي، الذي ما زال يرفض إشراك أي فيلم إسرائيلي أو استضافة أي ناقد أو سينمائي من “إسرائيل”.

إذن يمكن القول على نحو القطع إن المسألة نائية عن التطبيع أو إقامة علاقات ثقافية مع “إسرائيل”، وتقع في نطاق تحصيل المعرفة عن المجتمع الإسرائيلي لإقناع العالم بأن إحراق الكتب غير وارد.

لقد وجدت نفسي مدعواً بإلحاح إلى أكثر من برنامج تلفزيوني انشغل بمناقشة الموضوع، وفي كل حوار كانت القضية تتسع وتتفرع، وفي أحد الحوارات، أكدت أنني كأستاذ للدراسات العبرية قد اشتغلت على قضية تحصيل المعرفة عن “إسرائيل” منذ تعييني معيداً في الستينيات، وأن هزيمة يونيو 1967 قد ألهبت حماس أبناء جيلي فاندفعنا إلى دراسة المجتمع الإسرائيلي عبر الأدب محاكاة للنموذج الأميركي، الذي طبقته المخابرات الأميركية في دراسة المجتمع الياباني المعادي بعد الهجوم على ميناء بيرل هاربر الأميركي، وذلك اعتماداً على أساتذة الأدب الياباني في الجامعات الأميركية، وهو نموذج تكرر في الدراسات الأميركية للمجتمع السوفييتي المغلق عبر الأدب الروسي في الفترة الستالينية. من هنا استقرت في يقيني ضرورة التمييز بين واجب وطني يحتم علينا تحصيل المعرفة عن العدو وبين إقامة علاقات طبيعية تستهدف المصلحة الشخصية أو إشباع نزوة فكرية.

في حوار صحفي وُجّه لي سؤال مؤداه: هل ترى مشكلة اختراق فكري في أن يطالع القارئ العربي نصاً أدبياً إسرائيلياً مترجماً عن العبرية أو غيرها، كما يمكن أن يطالع نصاً أدبياً مترجماً عن أي ثقافة أخرى أوروبية أو أميركية أو آسيوية؟ أجبت بأن هناك ضرورة لأن يقوم أحد أساتذة الأدب العبري والفكر الصهيوني العرب بكتابة مقدمة للعمل ليضع مضمونه في سياقة الأيديولوجي، ليعين القارئ العربي على إدراك العمل على نحو صحيح.

والحقيقة أن هذه الضرورة تنبع من أن كل الأدب العبري الإسرائيلي محمل بالركائز الأساسية للأيديولوجية الصهيونية التي تهدف إلى إقناع أصحابها بمشروعية المشروع الصهيوني لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه لإقامة وطن قومي لليهود فيها. هذه الركائز تمتد إلى تبرير الجرائم التي أنزلتها الصهيونية بالفلسطينيين من تشريد ومذابح وطرد وحصار، حيث تعتبر الأيديولوجية الصهيونية هذه الجرائم بمثابة الضرورة التي لا مفر منها لإقامة الوطن القومي لليهود على أنقاض شعب آخر.

جميع الأدباء الإسرائيليين حتى أولئك الذين يحاولون إقامة سلام مع العرب والاعتراف بالمأساة الواقعة على الشعب الفلسطيني، لا يتخلون عن أيديولوجيتهم التي تنعكس في أدبهم، ومن هنا يلزم التقديم حتى لا يتحول واجب المعرفة إلى فخ فكري أو اختراق صهيوني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى وباحاته

عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى وباحاته

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام اقتحم عشرات المستوطنين، صباح اليوم الثلاثاء، المسجد الأقصى المبارك وباحاته، بحماية مشددة من قوات الاحتلال...