أين العرب من دعم من يفضحون جرائم إسرائيل؟

صحيفة البيان الإماراتية
في فضحهم لجرائم “إسرائيل”، يتعرض الكثيرون من أصحاب الضمائر حول العالم للتشهير والعقاب، ولكن للأسف دون حتى أن نشعر بهم نحن العرب، هذا ناهيك عن أن ندعمهم. آخر هؤلاء هو الأكاديمي الأميركي وليام روبنسون الذي يخضع الآن للتحقيق في جامعة كاليفورنيا ـ سانتا باربارا التي يعمل بها بشأن «التزامه بالسلوك الأكاديمي».
والقصة بدأت في يناير الماضي حين رفض طالبان الاستمرار في حضور مادة «سوسولوجيا العولمة» التي يدرسها روبنسون احتجاجاً على القراءات التي اختارها الرجل للمناقشة في قاعة الدرس لأنها تضمنت انتقادات لجرائم “إسرائيل” في غزة واعتبرتها أشبه بما فعله النازيون في وارسو.
وما هي إلا أسابيع قليلة حتى كانت تفاصيل الحملة الشرسة التي استهدفت روبنسون قد اتضحت. فقد تبنت مجموعة من المنظمات الصهيونية الكبرى في أميركا حملة واسعة هدفها الضغط على إدارة الجامعة لعقاب الرجل. وقد نجحت الحملة فعلاً وتم تحويل الأستاذ للتحقيق بتهمتين الأولى هي العداء للسامية وهو الاتهام الجاهز ضد كل من تسول له نفسه انتقاد السياسات الإسرائيلية.
أما الاتهام الثاني فكان أنه أقحم موضوع غزة بلا مبرر في مادة دراسية لا علاقة لها بالموضوع. وهو اتهام مثير للشفقة في واقع الأمر لأنه لا يليق بجامعة تحترم نفسها خصوصاً إذا كانت المادة المذكورة تتعلق بالشؤون العالمية.
لكن البروفسور روبنسون ليس أول أكاديمي أميركي يتعرض لمثل تلك الحملة ولن يكون الأخير. فهناك مجموعة من المنظمات الصهيونية التي أخذت على عاتقها ملاحقة كل من تسول له نفسه مهاجمة السياسة الإسرائيلية.
وقد تخصصت بعض تلك المنظمات في ملاحقة الأكاديميين تحديداً، بل صار بعضها كتلك التي يرأسها الصهيوني المتطرف دانيال بايبس تشجع الطلاب على التجسس على أساتذتهم وإخطار المنظمات الصهيونية فوراً بأية انتقادات ل”إسرائيل” في قاعات الدرس. وهو ما حدث في الواقع في حالة وليام روبنسون.
ويعتبر الهدف الرئيسي لتلك المنظمات جزءاً من «صناعة الهولوكست» التي تحدث عنها الأكاديمي الأميركي نورمان فينكلستاين، والذي كان هو الآخر أحد ضحايا تلك الحملات طوال العقد الأخير. لكن قصة فنكلستاين نفسها ذات دلالة بالغة. فوالداه كانا من الناجين من معسكرات النازي في بولندا والمجر، وهربا إلى الولايات المتحدة وأنجبا نورمان الذي نشأ في نيويورك ودرس في أعرق الجامعات الأميركية.
وقد تخصص الرجل في الصهيونية ثم عمل بالتدريس في عدد من الجامعات المهمة إلى أن نشر كتابه الشهير «صناعة الهولوكست». وأطروحة الكتاب الرئيسية تفضح تلك الآلة الصهيونية الضخمة التي تستخدم ما حدث لليهود لتحويل “إسرائيل” إلى ضحية وابتزاز العالم للحصول على مكاسب سياسية ومادية ل”إسرائيل” لا لليهود بالمناسبة.
وقد فتح الكتاب النار على فنكلستاين الذي اتهم من جانب تلك المنظمات الصهيونية بأنه «يهودي كاره للذات» وهو الاتهام الموازي «لمعاداة السامية» الذي يستخدم ضد منتقدي “إسرائيل” من اليهود. وقد شنت تلك المنظمات حملة شرسة ضد الرجل ضغطت على الجامعة التي كان يعمل بها وقتها حتى تحرمه من الترقيات والتعيين بالجامعة وانتهى الأمر بتركه الجامعة فعلاً!.
ولماذا نذهب بعيداً. فقد حدث الشيء نفسه مع أسماء كبرى يعرفها الكثيرون في عالمنا العربي مثل المفكر الكبير ناعوم تشومسكي. فمنذ سنوات كانت منظمة مكافحة التشهير اليهودية قد أعدت عنه ملفاً يقع في مئة وخمسين صفحة يضم كل ما يمكن أن يستخدم للتشهير به.
وهو ما وصفه تشومسكي وقتها بأنه ملف يشبه في مضمونه ما تعده الأجهزة الأمنية ضد أعداء الدولة لا ما تعده هيئة مدنية يفترض أن هدفها الأساسي هو مكافحة التشهير!
والقائمة لا تقتصر على من جاء ذكرهم هنا، إذ أنها قائمة طويلة يقع ضحيتها يومياً الكثيرون من أصحاب الضمائر وخصوصاً في أميركا التي يهم تلك الآلة الصهيونية أن تظل بعيدة قدر الإمكان عن انتقاد “إسرائيل”.
تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ التعليقات العربية على الجزء الذي تضمنه خطاب أوباما عن الهولوكست في صحفنا. فقد انصرف البعض يجادل طويلاً بشأن رقم الستة ملايين الذي ذكره أوباما بينما هاجم آخرون المحرقة من أساسها وشكك فيها. الواضح أننا مستغرقون تماماً في جدل عقيم حول جريمة حدثت منذ عقود لم يكن للعرب أية علاقة بها بدلاً من الاهتمام بجرائم “إسرائيل” الحالية والتفكير في خلق شبكة عالمية لفضحها ودعم كل من يسهم في ذلك.
بالعربي الفصيح، الاستغراق في الحديث عن الهولوكست سلباً وإيجاباً لا يخدم سوى تلك الآلة الصهيونية الضخمة التي تعمل على تغيير الموضوع بالحديث عن الماضي بعيداً عن جرائم “إسرائيل” الحالية وتحويل الأخيرة إلى ضحية. لقد آن الأوان لنسأل أنفسنا، ماذا فعلنا لمناصرة أصحاب الضمائر الذين يفضحون “إسرائيل” حول العالم ويتعرضون للتشهير والعقاب والملاحقة؟
ومناصرة هؤلاء جزء من مقاومة «صناعة الهولوكست»، وهي مهمة لا نحتاج فيها إلى الحكومات العربية، فهي مهمة المجتمع المدني العربي بامتياز. ولتكن البداية قضية البروفسور روبنسون مثلاً. فنحن في حاجة لحملة مدنية عربية ترسل أولاً رسائل دعم ومناصرة للرجل ثم التماسات للجامعة. لكن المهم في كل ذلك هو لغة الخطاب. فالرجل لن يكسب في هذه القضية إلا إذا خاض المعركة على أرضية الحرية الأكاديمية وليس على أرضية دعم فلسطين.
والضغط على الجامعة لابد أن ينفذ لجوهر ما تخشاه وهو فقدان سمعتها ومن ثم طلابها. مضمون الرسالة إذن لابد أن يكون مؤداه «أية حرية أكاديمية تلك التي تتشدقون بها إذا كان يستحيل على الأستاذ أن يناقش مع طلابه سياسات دولة من دول العالم، أيا كانت تلك الدولة!».
كاتبة مصرية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى بتفجير القسام مبنى بقوة من لواء غولاني في رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...

الاحتلال يحول الصحافي الفلسطيني علي السمودي إلى الاعتقال الإداري
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، الصحافي الفلسطيني علي السمودي من جنين، شمالي الضفة الغربية،...

“موت ودمار لا يمكن تصوره”.. منظمة دولية تطلق نداءً لوقف النار في غزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت "منظمة أوكسفام الدولية"، نداءً مفتوحًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، محذّرة من استمرار الكارثة...