الثلاثاء 13/مايو/2025

حماس وفتح.. القاهرة ودمشق.. الأحداث لا تنتظر

حماس وفتح.. القاهرة ودمشق.. الأحداث لا تنتظر

صحيفة البيان الإماراتية

لابد أن القارئ العزيز قد أصابه الملل من هذا الطوفان من الحديث عن خطاب الرئيس الأميركي أوباما.. خاصة وهو يعرف أن البعض كان جاهزاً بالرفض أو التأييد قبل إلقاء الخطاب، وأن البعض سارع بالتعليق عليه ربما قبل أن يقرأه بالعناية الواجبة، والبعض أقام حفلة زار مبكرة يهتف فيها «الله حي.. أوباما جاي».. ومعه بالطبع الحلول لكل مشكلاتنا! بينما البعض كان مصراً على أنه لا فرق بين بوش وأوباما إلا في لون البشرة.. لينتهي الأمر بالخلاف حول طعام الإفطار الذي تناوله في القاهرة.. وماذا أكل؟ وماذا شرب؟ وكيف كانت أحوال شهيته في حر القاهرة؟

ولن أزيد ملل القارئ بالاستفاضة في الحديث عن الخطاب الذي ينبغي أن يخضع للتحليل العلمي والسياسي الهادئ في مراكز صنع القرار العربي. ولكن دعونا نتفق هنا على أن الرجل القادم لتحقيق مصلحة بلاده أولاً وأخيراً قد قدم لنا في الجزء الأول من خطابه كلاماً مهماً عن الإسلام كرسالة تدعو للتسامح وعن المسلمين كصانعي حضارة أهدوا للإنسانية جزءاً مهماً من حضارتها وعوامل تقدمها حين فهموا الإسلام فهماً صحيحاً.

هذا الحديث الذي فشلنا في إيصاله للرأي العام العالمي على مدى سنوات كانت الساحة فيها خالية لأعدائنا كي يقدموا صورة مزيفة للإسلام ويصورونه كدعوة للعنف والإرهاب. وكنا نساعدهم بإعلام مشبوه حريص على أن يقدم بن لادن على أنه الممثل الشرعي والوحيد للمسلمين (وقد استمر ذلك في بعض الفضائيات العربية حتى يوم إلقاء أوباما لخطابه!!)..

فهل يمكن أن نبني على حديث أوباما من هذه الزاوية لنعرف كيف نخاطب العالم برسالة تصحح الصورة وتقدم الحقيقة وتقضي على الأكاذيب التي وصلت إلى أن يتبنى البيت الأبيض في عهد بوش نظرية «فاشية الإسلام» ليبرر جرائمه ضدنا؟ باقي الخطاب بما تناوله من قضايا عربية في مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي لابد من التعامل معه والخلاف حوله..

ولكن دون انبهار يفقدنا التوازن، ودون تهوين مما احتواه من إشارات إيجابية أو سلبية على سياسة الإدارة الأميركية الجديدة نحو المنطقة.. ولا شك أن المهم هو أن تتحول الأقوال إلى أفعال، وأن نرى أمامنا خطة تحقق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني، ولكن الكل يعرف أن إدارة أوباما منخرطة من اليوم الأول في هذه القضية، وأن مهمة ميتشيل لم تأت من فراغ، بل من تصور مسبق بالحل الذي يتم التفاوض على تفاصيله، وأن هذا التحرك لا يأتي من أجل سواد عيون العرب، بل من أجل المصلحة الأميركية أساساً، وبتصور جديد للدور الأميركي في المنطقة وفي العالم.

وما ينبغي أن يزعجنا هنا أن هذا التحرك قد بدا في ظل انقسام فلسطيني وعربي يضعنا في موقف أضعف على مواجهة أي مشروعات، وما ينبغي أن يزعجنا أكثر إشارة أوباما في خطاب القاهرة إلى أن ما يقال للإدارة الأميركية من جانبنا داخل الغرف يختلف عما يقال خارجها!!

وهناك يكمن الخطر الأكبر، خاصة حين يكون المشروع الأميركي (فيما تم تسريبه حتى الآن) يقوم على الصفقة الشاملة التي تريد بها الإدارة الأميركية إدماج كل الدول العربية في الحل، بينما الخلافات العربية مازالت تمنع بلورة الموقف العربي الواحد، وتعطي الفرصة للتلاعب على المسارات المختلفة لانتزاع المزيد من التنازلات!

وأظن أن الجميع يحس الآن بخطورة الموقف، ويدرك أن واشنطن ستبلور خطتها خلال أسابيع، وأنها تسعى لحشد تأييد دولي لها، وأنه رغم النوايا الطيبة فإن قدرة اللوبي الصهيوني في أميركا على الضغط من خلال الكونجرس والإعلام سيضع حدوداً لمراعاة العدل في خطط الإدارة الأميركية ويضمن بقاء الانحياز ل”إسرائيل” وأن بصورة أقل مما سبق. وأن الموقف العربي الموحد القادر على استخدام الأوراق المتاحة عربياً (وهي كثيرة) هو وحده المؤهل للتعامل مع الموقف.

ولعل استقبال القاهرة للأخ خالد مشعل في هذا التوقيت علامة على شعور الجميع بضرورة بناء هذا الموقف العربي الموحد وإلا كانت خسارة الجميع فادحة. هذه الزيارة لا تجسد فقط تجاوز تداعيات الأحداث التي أثرت في العلاقة بين القاهرة وحماس، والتي حاولت أطراف عديدة استغلالها لدفع الأمر بين الطرفين لحد الصدام أو القطيعة.

ولكن هذه الزيارة تجسد أيضاً المخاوف من اتساع الصراع بين فتح وحماس، والاقتناع بأن اتفاق المصالحة الوطنية لا ينبغي أن يتأخر عن الموعد الذي حددته القاهرة في بداية الشهر المقبل رغم محاولات هنا وهناك ستقوم بها “إسرائيل” لإشعال الموقف والاحتفاظ بورقة الانقسام الفلسطيني في ترسانة أسلحتها لرفض السلام. لكن المهم أيضاً أن زيارة مشعل تأتي أيضاً دليلاً على انخراط دمشق في عملية المصالحة الفلسطينية، بعد أن ساهمت أيضاً في تمرير الانتخابات اللبنانية بسلام.

كاتب صحافي مصري

[email protected]

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات