الإثنين 12/مايو/2025

خرافة التنازلات المؤلمة

خرافة التنازلات المؤلمة

صحيفة البيان الإماراتية

التنازل مفهوماً ومنطقاً يشير إلى تخلي طرف ما كرهاً أو طوعاً عما يُعد حقاً من حقوقه مضموناً له وفقاً لأدوات الشرعية القانونية. عملاً بهذا المعنى، لم يسبق لـ”إسرائيل” منذ وجدت إلى يومنا هذا أن قدمت أي تنازل للعرب أو الفلسطينيين. وكل ما يطرحه “الإسرائيليون” من مقولات عن تنازلات مؤلمة أو غير مؤلمة قدموها أو هم بصدد عرضها، لا يعدو كونه دعاية رخيصة، وبدعة مرّروها على من يحازبونهم أو على من لا دراية لهم بتفاصيل الصراع على أرض فلسطين ومحيطها الإقليمي.

لو انسحبت “إسرائيل” من كل الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها عام 1967 وعن 20 في المائة من مساحتها قبل ذلك العام، لما كان ذلك منها تنازلاً بالمفهوم الحرفي.. ذلك لأن جميع القرارات الدولية الخاصة بالصراع الصهيوني العربي، علاوة على مبادئ القانون والأعراف المنظمة للعلاقات بين الأمم المتحضرة، لا تمنح لـ”إسرائيل” أي حق في هذه الأماكن.

وقياساً بقرار تقسيم فلسطين رقم 181 لعام 1947، وهو الصك الوحيد المحدد لمساحة هذه الدولة، يمسي كل تمدد لها خارج هذه المساحة مجرد توسع مفروض بالقوة لا سند له من الشرعية الدولية.

بالتوازي والقياس ذاته، يظهر العرب والفلسطينيون كمتنازلين عن حقوق ثابتة لهم معززة بالصكوك والمواثيق والقرارات الدولية. فليس ثمة ما يحول قانوناً دون هؤلاء والمطالبة بالعودة لمرجعية القرار 181، وبالتداعي ينكشف التوسع “الإسرائيلي” في 20% من فلسطين التاريخية وفي القدس (شرقها وغربها) زيادة على القسم المخصص لها. هذا حتى إن تراجعت هذه الدولة إلى حدود 1967!.

تجاوز المفاوض الفلسطيني (والعربي) عن صيغة قرار التقسيم يُعد مظهراً أصيلاً للتنازل من أجل سلام يحقن الدماء. والأمر ذاته ينطبق على الاعتراف بـ”إسرائيل” وإقامة العلاقات والتطبيع بكافة أبعاده معها.. فالقرار 242 لعام 1967 لا يقضي بهذه الأمور. ويندرج تحت باب التنازل أيضاً أن يتخلى الفلسطينيون عن المقاومة المسلحة لصالح الاعتماد الكامل على أدوات اللاعنف والبحث عن انتزاع حقوقهم بالطرق السلمية..

ما يجري في غمرة الصراع والتسوية بين “إسرائيل” والعرب بعامة لا يتعلق بحقوق متنازع عليها كما تصور “إسرائيل” أو تسوق.. ما يجري هو طموح “إسرائيلي” لابتلاع حقوق عربية وفلسطينية ودفاع عربي وفلسطيني عن هذه الحقوق. ولذا فإن الاحتجاج بفكرة التنازلات المتبادلة هو كلمة حق في غير موضعها أو سياقها. وعلى المجادلين بغير ذلك أن يعلمونا عما تنازلت عنه “إسرائيل” من حقوق لها حتى نشكرها عليه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات