معركة المستوطنات

صحيفة الدستور الأردنية
أخيراً اتخذت إدارة الرئيس أوباما موقفاً واضحاً من موضوع الاستيطان: فقد أعلنت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون رفض التوسع الاستيطاني برمّته بما في ذلك ما تطلق عليه “إسرائيل” “النمو الطبيعي”. وطالبت كلنتون بوقف أي بناء جديد. كما طالبت، مُكرّرة بذلك موقف الرئيس أوباما نفسه، إزالة “البؤر الاستيطانية غير القانونية”.
كثيرون اعتبروا هذا الموقف إشارة إلى نهج أميركي جديد، ونهج صارم مع حكومة نتنياهو. وبالمقارنة مع إدارة بوش السابقة وإدارة كلنتون قبلها، فإن هذا النهج هو بالفعل نهج جديد. ومع ذلك فإنه لا يمثل أكثر من تراجع حذر، وبطيء، ومتردد، وخائف عن مواقف خاطئة ومحابية للعدوان باتجاه قدر بسيط من التصويب.
فالمشكلة ليست فقط في توسع المستوطنات بل في مجمل وجودها. والمشكلة ليست فيما يسمى البؤر الاستيطانية غير القانونية، لأن كل المستوطنات التي بنيت على أرض عربية احتلت في حزيران عام 1967 هي غير قانونية، وهي انتهاك صارخ للقانون الدولي، عدا كونها اغتصاباً إضافياً لحقوق أصحاب الأرض الشرعيين، وبالتالي يجب أن تزول، كاستحقاق أساسي من استحقاقات القانون الدولي وكشرط أساسي للعدالة.
مهما كان حجم التنازلات، ومهما بلغ الاستعداد “للواقعية” فلن يكون بالمستطاع التوصل إلى تسوية مقبولة للنزاع دون إزالة كل حجر بُنًيَ على أرض عربية احتلت بعد عام 1967.
فما معنى للحديث عن “حل الدولتين” دون البدء بإزالة المستوطنات، كما حدث في سيناء، وكما حدث في غزّة، وكما يجب أن يحدث في الضفة الغربية وفي الجولان، حتى آخر سنتيمتر عند خطوط الرابع من حزيران 1967 بما في ذلك مدينة القدس.
ليس هذا هو المطروح مع الأسف.. لا أميركياً لا فلسطينياً ولا عربياً ولا دولياً. فعلى مدى “عملية السلام” تآكلت الحقوق العربية من خلال التنازلات، ومن خلال استغلال الضعف العربي، والتهافت الرسمي الفلسطيني، لمحاباة التعنت الإسرائيلي ومواصلة استعمار وتهويد الأرض. وفي ظل أوضاع غير متكافئة تم تمييع الأسس القانونية لأية تسوية عادلة بمواصلة الضغط على الجانبين الفلسطيني والعربي لتقديم المزيد من التنازلات ولتخفيض سقف المطالب ولحل كل عقدة على حساب الطرف الضعيف لصالح المعتدي ولتثبيت مكاسب العدوان.
لا توجد أية دلائل على تغيير هذا النمط في عهد أوباما. فالمعركة التي نترقب نتائجها هذه الأيام بين واشنطن وتل أبيب هي ليست حول الوجود الاستيطاني بل حول عدم توسيعه. وقد رفضت “إسرائيل” الانصياع لطلب واشنطن مصرة على ضرورة البناء في المستوطنات القائمة لاستيعاب زيادة السكان. وتعرض “إسرائيل” بدلاً من ذلك إزالة بعض البؤر العشوائية غير المرخصة. الأمر الذي يلقى مقاومة شرسة من المستوطنين عبرت عن نفسها بمزيد من الاعتداء على العرب وممتلكاتهم (ناهيك عن القوانين العنصرية التي يجري إقرارها لتهديد الوجود العربي برمته في “إسرائيل”).
فبين معركة إسرائيلية داخلية حول إزالة بعض البؤر الاستيطانية، وبين الجدل حول التوسع الاستيطاني ستكون كل الطاقات المحشدة لإحياء ما يسمى بعملية السلام قد نضبت. ولن يبق لا لدى الإدارة الأميركية ولا لدي غيرها، أي رصيد سياسي للمتابعة.
هذا فيما يتعلق بالجانب الأميركي. أما الجانب الفلسطيني فقد قدم تنازلات خطيرة بدءاً باتفاق أوسلو ولا يتسع المجال للتوسع في هذا الموضوع في إطار هذا المقال.
ولكن السلطة الفلسطينية قبلت ضمناً ببقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة ومبادلتها بأراض غيرها، دون مراعاة لأبسط الحقائق وهي أن هذا الموقف يمثل انصياعاً مخزياً للأمر الواقع العدواني، كما يمثل تنازلاً عن حقوق بائنة ولا مجال للمساومة عليها. ثم أين هي الأرض البديلة المساوية للأراضي التي صادرتها “إسرائيل” واستباحتها للاستيطان الاستعماري حول القدس وفي أحسن مواقع الضفة الغربية. وقبلت السلطة الفلسطينية بالتنازل عن أجزاء من القدس، علماً بأن قرارات مجلس الأمن تقضي بالعودة لخطوط الرابع من حزيران كما كانت وليس هنالك أي معنى لتطبيق معايير أخرى كالقول بأن الحي اليهودي مثلاً كان ملكاً لليهود وبالتالي يتم التنازل لهم عنه. فإذا كان المعيار هو الملكية الخاصة فيجب أن يُسْمَح لأهل القدس باستعادة أملاكهم في القدس الغربية التي احتلتها “إسرائيل” عام 1948، أما إذا كان المعيار هو قرار مجلس الأمن فمن المفروض أن ينتهي الاحتلال عن القدس الشرقية بكاملها بغض النظر عن مبدأ الملكية.
ولماذا نلوم المجتمع الدولي عندما يقبل بمثل ما يقبل أصحاب الحق والقضيّة. وهل نتوقع من المجتمع الدولي أن يكون أكثر حرصاً على الحقوق العربية والفلسطينية من العرب أو الفلسطينيين أنفسهم؟.
لقد تضاءل حجم القضيّة، وحجم التوقعات، لدرجة بات معها الاعتقاد بأن الوصول للسلام متوقف على قبول نتنياهو “بحل الدولتين”، أو قبول “إسرائيل” بتجميد الاستيطان.
هذه المطالب هي مطالب مهمة ولكنها هزيلة جداً بالمقارنة مع حجم القضية. وحتى لو تحققت فلن تقطع من مسيرة الألف ميل سوى بضعة بوصات. فلا معنى لتجميد الاستيطان إلا إذا كان ذلك بداية لإزالة كل المستوطنات التي بنيت على مدى أربعة عقود في انتهاك صارخ للقانون الدولي ولحقوق أصحاب الأرض.
حان الوقت للتوقف عن استخدام الشعارات كبديل عن برنامج سياسي جاد واضح المعالم.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تهنّئ البابا ليو الرابع عشر لانتخابه رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية
المركز الفلسطيني للإعلام تقدّمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأصدق التهاني والتبريكات إلى البابا ليو الرابع عشر، بمناسبة انتخابه رئيسًا للكنيسة...

الحصاد المر لـ 580 يومًا من الإبادة الجماعية في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشر المكتب الإعلامي الحكومي ينشر تحديثاً لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية...

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى بتفجير القسام مبنى بقوة من لواء غولاني في رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...