الخميس 08/مايو/2025

استحقاقات دايتون الأمنية.. هل حان الوقت لنزع فتيل الفتنة؟

استحقاقات دايتون الأمنية.. هل حان الوقت لنزع فتيل الفتنة؟

صحيفة الشرق القطرية

في مشهد جديد من المشاهد التي تنذر بفتنة توشك أن تطل برأسها في الوسط الفلسطيني يراق دم المقاومة في مدينة قلقيلية بالضفة الغربية على يد أجهزة الأمن التابعة للسلطة في رام الله، ويتم اغتيال خمسة من كوادر “كتائب القسام” في الأسبوع الفائت بينهم قياديون من الصف الأول، بعد أن عجزت قوات الاحتلال عن الوصول إليهم رغم مطاردتهم منذ نحو ست سنوات.

ولا شك أن هذا التحرك المخزي ضد المقاومة ملاحقة واختطافاً واعتقالاً وأخيراً اغتيالاً يذكّر بما سبق أن قامت به أجهزة أمن السلطة بالضفة في التسعينيات من القرن الماضي استجابة لاستحقاقات الشق الأمني من اتفاقية أوسلو والتي تستدعي “التنسيق الأمني” مع جيش الاحتلال ضد ما تسميه إسرائيل “الإرهاب” الفلسطيني، على حساب الإساءة لمصالح الشعب الفلسطيني العليا ووحدته الوطنية، وما يمكن أن تخلفه من آثار سلبية على نسيجه الاجتماعي.

وربما لهذا السبب لم يكن مستغرباً أن يعرب مسؤولون صهاينة في حكومة اليمين المتطرفة عن سعادتهم الغامرة وامتنانهم الكبير من النتائج التي استطاعت السلطة وأجهزتها الأمنية تحقيقها مؤخراً، والأهداف التي استطاعت الوصول إليها بهذه الدقة، فقد قال وزير شؤون الأقليات الصهيوني “أفشاي برافرمان” معبّراً عن رضاه عن جريمة قلقيلية بالقول: “إن محمود عباس يقوم بالتزاماته تجاه أمن إسرائيل”، بينما قال الوزير الصهيوني المتطرف “هير تشيكوفتس”: “اليوم نعرب عن سعادتنا لانضمام أبو مازن إلى “إسرائيل” في مكافحتها الإرهاب”!

والغريب أن ” التنسيق الأمني” مع الاحتلال الذي تتعاطى مع أجهزة السلطة منذ أكثر من 16 عاماً، لا يتم تسميته على المستوى الفلسطيني بمسماه الحقيقي الذي يرقى إلى مستوى “العمالة” ل”إسرائيل”، ولا يتم التعاطي معه من قبل الفصائل على هذا الأساس، رغم أنه وراء كثير من المصائب التي حلت بالفلسطينيين على المستويين الأمني والسياسي، كونه يشرعن للتعامل مع الاحتلال وعلى أعلى المستويات الرسمية، ويلحق تأثيرات كارثية بالقضية الفلسطينية ونضال فصائلها المشروع ضد العدو بكافة السبل المتاحة، والذي كفلته كل الشرائع والقوانين، ويتجاوز ذلك إلى إحداث بؤر فتنة بسبب ما قد يؤدي إلى توتر واقتتال داخلي وتهديد للسلم والأمن جراء ذلك.

إن أهمية تسمية الأسماء بمسمياتها تمكن من نزع القناع عن الذين يريدون تجميل أفعالهم المنكرة بمساحيق خادعة، أو يضللوا الشارع العربي والفلسطيني بأكاذيب الواقعية ومغالطات الحرص على المصلحة الوطنية بينما هم يقومون بنقيض ذلك تماماً.

فمن اتفاقيات أوسلو إلى “دايتون” ـ نسبة إلى الجنرال الأمريكي كيث دايتون ـ يتم الإجهاز على المقاومة تحت عناوين مختلفة منها الانقلاب، أو امتلاك أسلحة غير شرعية، أو تهريب الأموال، وبسبب هذه الادعاءات فإن أجهزة السلطة تعتقل حالياً من 500 ـ 600 شخص محسوب على حركة حماس، وقد قامت باستدعاء 15000 شخص من المقربين للحركة منذ ثلاثة أعوام وحتى الآن.

لم يعد مقبولاً أن يساوي بين الجلاد والضحية (المقاومة التي تم اغتيال عناصرها بدم بارد) عندما يجرى الحديث عما يدور في قلقيلية وغيرها من مدن الضفة باعتبار أن ذلك يسمم أجواء المصالحة الوطنية، كما لم يعد مبرراً أن يتم غض الطرف عن المتحالفين مع الاحتلال المتربصين بالمقاومة بعد كل ما يقومون به، بل المطلوب ـ أكثر من ذلك ـ الدعم الشعبي والجماهيري والفصائلي للمقاومة أمام كل محاولات النيل منها ومن جهادها بصراحة ووضوح.

ولأن الحوار الفلسطيني الذي ترعاه القاهرة على أبواب جولة حاسمة فإن ما يجرى في قلقيلية ضد حماس والجهاد يهدد بنسفه من جذوره، ويدفع بعودة الأمور فيما بينهما وبين حركة فتح إلى المربع الأول، بل ربما يفجر ذلك اقتتالاً داخلياً لأنه ليس من المعقول أن تستمر المقاومة في تسليم رقبتها إلى سكين الاحتلال والمتعاونين معه بعد أن ثبت أن كثيراً ممن جرى اعتقالهم في سجون السلطة تم اختطافهم من قبل سلطات الاحتلال مرة أخرى فور إطلاق سراحهم، والعكس صحيح.

ولأجل ذلك ومن منظور وطني وأخلاقي صرف فإن الأمر يتطلب تدخلاً عاجلاً من ثلاث جهات، الأولى: النظام المصري للضغط على السلطة وحركة فتح ليكفوا أيديهم عن مخططهم الخطير كيلا يفشل الحوار، ويتفجر شلال العنف والدماء بين أتباع الفصائل وأجهزة أمن السلطة من جديد، والثانية: العقلاء في حركة فتح ليأخذوا على يد بعض قادتها ممن يقودون العمل الوطني إلى الهاوية، بمثل هذه التصرفات والتنسيق مع الاحتلال، والثالثة: الفصائل لتقول كلمتها بكل أمانة قبل فوات الأوان فيمن يتحمل المسؤولية عن الأوضاع المتدهورة التي توشك على الانفجار في أي لحظة حتى لا يختلط الحابل بالنابل وتأخذ الأمور منحى لا تحمد عقباه.

[email protected]

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات