الخميس 08/مايو/2025

كي يستعيد أوباما المصداقية الأميركية المهدورة

كي يستعيد أوباما المصداقية الأميركية المهدورة

صحيفة البيان الإماراتية

بعيداً عن تداعيات خطاب الرئيس أوباما الإسلامية التسامحية التصالحية المعززة بالآيات القرآنية التي أخذ بها لباب قطاعات واسعة من المسلمين، والتي انطوت بالتأكيد على جديد ملموس في اللغة والأسلوب، وعلى انتقال واضح من اللغة الخشبية التي اعتمدها بوش إلى اللغة الناعمة الأخاذة، فالمقاربة الحقيقية التي يمكن محاكمة مدى جوهرية وجدية أوباما في وعوده التغييرية الجذرية، هي القضية الفلسطينية وذلك الانحياز الأميركي التاريخي السافر لصالح تلك الدولة الصهيونية التي أقيمت بقوة السطو المسلح على فلسطين.

كان برنت سكوكروفت المستشار السابق للأمن القومي الأميركي في عهد بوش الأب قد ثبت حقيقة كبيرة آنذاك حول العلاقة الإسرائيلية ـ الأميركية حينما أكد أن شارون يحرك بوش الابن على أصبعه الصغير، وهو الذي حركه لغزو العراق، وعززه الرئيس الأميركي الأسبق كارتر حينما أوضح: لقد بتنا في مرحلة أصبح يبيت فيها شارون في سرير بوش، لينضم إليهما الأدميرال المشاكس توماس مورير، مسؤول غرفة العمليات البحرية في الولايات المتحدة (1967 ـ 1970) ورئيس الأركان العامة المشتركة (1970 ـ 1974) مؤكداً بدوره: لا يستطيع أي رئيس أميركي مواجهة “إسرائيل”، يضاف إلى ذلك الحقيقة الكبيرة التي كان أوري أفنيري أحد كبار أقطاب السلام الآن الإسرائيلي قد أعلنها وهي: أن البيت الأبيض محتل عملياً من قبل اللوبي اليهودي، والحقيقة الكبيرة الأخرى التي زودنا بها البحث الذي أعده البروفسوران وولت وميرشهايمر من جامعتي هارفارد وشيكاغو عن أن «اللوبي الصهيوني هو الذي يسيطر على السياسة الخارجية الأميركية».

إذن ـ جملة من الحقائق الكبيرة التي توثق لنا طبيعة ذلك التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي، ولكن ـ ونحن اليوم أمام هذا الخطاب الجديد للرئيس أوباما الذي بعث التفاؤل والآمال لدي الكثيرين من الفلسطينيين والعرب نتساءل: هل نحن يا ترى أمام تغيير وتحول حقيقي في سياسات الإدارة الأميركية في بعدها الإسرائيلي…؟!

ـ هل نرى في هذه الأيام صحوة ضميرية هناك في البيت الأبيض تنصف الشعب الفلسطيني وتضع نهاية للعدوان والجموح الإسرائيلي؟!.

ـ هل نصدق الخطاب الأميركي الجديد بعد عقود من الظلم والافتراء الأميركي…؟!

ـ وهل بقي لدى الإدارة الأميركية بالأصل شيء من المصداقية..؟.

ففي الخطاب الأميركي كما تعودنا البيانات والخطابات والوعود والأقوال الاستهلاكية للعرب، بينما الأفعال الحقيقية ل”إسرائيل”.

-هل تنتقل هذه السياسات حقاً من الوعد والتعهدات والخطاب التوراتي البوشي مثلاً إلى الحسم والحل وإقامة الدولة الفلسطينية في عهد أوباما.. أم سيبقى هناك وراء الأكمة ما وراءها..؟!.

في خطابه التاريخي في جامعة القاهرة أكد أوباما على أن العلاقة القوية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” غير قابلة للكسر، الأمر الذي تمسكت به وكرسته من قبله إدارة بوش السابقة، ودعا إلى «الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف»، وهي الأجندة الإسرائيلية التي حملتها إدارة بوش أيضاً، التي كانت تصرح على مدار الساعة أن على الفلسطينيين والعرب الاعتراف ب”إسرائيل” والتطبيع معها، بينما كانت تطالب الفلسطينيين بالعمل ضد الإرهاب ـ العنف ـ، وأشار إلى «أحقية إسرائيل في امتلاك وطن».

وهو الالتزام الأميركي الأوروبي القديم الجديد المتجدد والذي يعني من ضمن ما يعنيه الاعتراف ب”إسرائيل” كدولة يهودية، وحينما تطرق إلى «إطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين في سديروت» تجاهل تماماً المحرقة الإسرائيلية التي اقترفت ضد أطفال ونساء وشيوخ غزة، وتجاهل الآلة الحربية الإسرائيلية، ولدى تطرقه إلى معاناة اللاجئين الفلسطينيين منذ 60 عاماً لم يتطرق إلى حقهم بالعودة إلى وطنهم المغتصب، بل واصل الحديث بشكل متواز عن «طرفين» ينبغي تحقيق «تطلعاتهما» في إطار دولتين. وأي دولتين…؟.

إلى ذلك، لم يحدد الرئيس اوباما حدود وطبيعة الدولة الفلسطينية إن كانت على كامل مساحة الأراضي المحتلة عام/67 أم على جزء منها…؟!

وبالنسبة لهذا الإصرار من قبل الرئيس الأميركي ومعه كلينتون وميتشل على وقف وتجميد الاستيطان اليهودي، فهذا في الحقيقة نهج مختلف إعلامياً عن عهد بوش، ولكنه يبقى كلام إعلام حتى الآن، فالإدارة السابقة كانت عارضت الاستيطان وطالبت بتجميده وكان كل ذلك ضريبة كلامية للعرب…!.

فالمطلوب في قضية الاستيطان موقف أميركي واضح صريح يعتبر أن كل أشكال الاستيطان غير شرعية، فليس هناك مستوطنات قانونية وأخرى غير قانونية. إدارة بوش كانت طرحت رؤية وحل الدولتين وخارطة الطريق منذ أكثر من خمس سنوات، ولم تلتزم “إسرائيل” بها ولم تنفذ شيئاً منها على الأرض، ولم تفكك بؤرة استيطانية واحدة، بل واصلت حروبها ضد الفلسطينيين، على كل المستويات، وخاصة على جبهة الاستيطان والتهويد.. وفي البعد السياسي التسووي، هل ننتظر أفقاً سياسياً حقيقياً في عهد أوباما…؟!

المؤرخ الفلسطيني الأميركي البروفيسور رشيد الخالدي استبعد تحقيق تقدم باتجاه حل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني في ظل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقال الخالدي وهو صديق شخصي لأوباما في مقابلة أجرتها معه صحيفة هآرتس الإسرائيلية «إنه لا يعتقد حدوث تغير في توازن القوى بواشنطن في كل ما يتعلق بالموضوع الإسرائيلي الفلسطيني».

يتطلع الفلسطينيون والعرب إلى عهد أميركي جديد مختلف عن عهد آل بوش (الأب والابن) التي تميزت بالعداء السافر للأمة العربية والإسلامية، وبالانحياز الطاغي لصالح العدوان والاستيطان الإسرائيلي، ويتطلعون إلى مصداقية أميركية حقيقية في سياسات الإدارة الأميركية.

ولكن ـ كي يستعيد الرئيس أوباما شيئاً من المصداقية الأميركية المهدورة بقسوة في عهد آل بوش، عليه أن يغير من السياسات الأميركية وان يتدخل مباشرة في المفاوضات وان يضع نهاية للانحياز السافر لصالح “إسرائيل” وأن يخاطبها بمنتهى الوضوح أن: كفى للاحتلال.. عليكم تفكيك المستعمرات والمعسكرات وحقائق الأمر الواقع على الأرض. عليكم أن تحملوا جيوشكم وإداراتكم وترحلوا عن الأراضي المحتلة إلى الأبد.. عليكم أن تنفذوا القرارات الدولية المتعلقة بالشعب الفلسطيني ـ وهل نحلم ـ عليكم أن تنسحبوا خلال ستة شهور ـ مثلاً ـ من الأراضي المحتلة حتى حدود يونيو 67.!.

هذه أقل المطالب والمواقف التي يمكن أن تؤشر إلى تحول حقيقي وجاد في السياسات الأميركية تجاه الاحتلال الإسرائيلي…!

كاتب فلسطيني

[email protected]

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات