خطاب أوباما.. سلام على (السلام)!

صحيفة الوطن العمانية

قبل أن يجف الحبر الذي كتب به خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة، كان الرئيس الأميركي أوباما يجد عذراً لما انتقده ـ في خطابه ـ من إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على توسيع المستوطنات أو بناء المزيد منها، متذرعاً ـ أي أوباما ـ بالضغوط الكبيرة التي يتعرض لها نتنياهو! ولذلك فهو يتفهم موقفه! كذا.

جاء أوباما إلى ألمانيا من القاهرة، ليزور أحد المعتقلات النازية، ويتذكر معاناة اليهود في ظل الحكم النازي، ويتعاطف معهم.

هل هذا الموقف الذي شاركته فيه مستشارة ألمانيا (ميركل) كان مجرد مصادفة، أم أنه الخطوة التالية لمرحلة الخطاب الجميل الذي ألقاه في القاهرة، وكان موضع ترحيب واسع في الوطن العربي والعالم الإسلامي، لأنه كان كلاماً مختلفاً عما تعودناه من خطاب أميركي في عهد الرئيس الراحل أو المنصرف جورج بوش الابن..؟!

مثل هذا الاعتراض لا يلغي الارتياح الذي لقيه خطاب أوباما، لأنه خطاب منفتح وتصالحي وتوافقي وواقعي (وكل هذه الواوات التي لا يحتاج إليها عطف الصفات). غير أن التوقعات التي سبقت الخطاب كانت أعلى سقفاً، ومنها ما ذهب إلى أن مشكلاتنا كلها سيحلها الخطاب الجديد، غير أن أوباما نفسه وضع لها حداً مسبقاً حين قال إن الخطاب ـ وحده ـ لا يمكن أن يحل كل مشكلات (الشرق الأوسط)؟!

الخطاب الأميركي الجديد واضح، (ونرجو أن يكون جدياً كذلك). وهو يتسم بروح المصالحة، بدلاً من العداء الذي حكم طويلاً العلاقات الأميركية بالعالم العربي والإسلامي. وهي مصالحة مطلوبة من الجانبين، غير أن تحويلها من الكلام إلى الفعل كان يحتاج إلى مصارحة أكثر، ولعله كان مديناً (بالاعتذار) أكثر مما فعل، حين أراد فتح صفحة جديدة ليس غير. فاحتلال العراق وأفغانستان وما تسبب به من دمار وهلاك للبشر والشجر والحجر، لا يمكن التسامح معه بمجرد الحديث عن انسحاب (مجدول) من العراق ووعد بالانسحاب من أفغانستان! ونفي وجود أطماع أميركية في الأرض والثروات!

كما أن الإسلام الذي تحدث عنه أوباما بوضوح وأشاد بسماحته وتسامحه لم يكن هو الذي بدأ أميركا بالعدوان مع أن الحديث عن (أميركا والإسلام) حديث خاطئ، إذ أن العلاقة هي بين المسلمين والولايات المتحدة، والمصالحة بينهما مع الأخذ بالاعتبار تعدد دول المسلمين وتباين سياساتها. وإذا ركزنا على ما سماه أوباما حل (مشكلة الشرق الأوسط) فإن ما اقترحه ليس جديداً، بل إن الحديث عن (حل الدولتين) هو حديث (موارب) جاء بوش به قبل انتهاء ولايته، فالواقع أن المطلوب هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، على التراب الوطني الفلسطيني بعد انسحاب “إسرائيل” منه، والأخيرة (دولة قائمة وموجودة واقعا) وان كانت قامت على الاغتصاب والاحتلال والاستيطان. والمساواة بين هذه وتلك ليست عادلة ولا منصفة بل ليست واقعية.

أما العلاقة الأبدية ب”إسرائيل” حتى وهي تصف نفسها بأنها (دولة يهودية) فلم تكن يوماً أوضح مما كانت في خطاب أوباما الجديد، فهي علاقة لا تقبل (الانفصام)! وهذا واحد من مرابط الفرس في الخطاب الأميركي الجديد.

وعوداً على بدء، فقد تحدث أوباما عن معاناة الفلسطينيين، ولكنه لم يدن العدوان الإسرائيلي، ولم يشر إلى أسباب هذه المعاناة التي تتلخص بوجود الاحتلال الإسرائيلي البغيض!

ومع إشادته بمبادرة السلام العربية في خطابه فقد كان يشير إلى أنها لا تكفي، وأوضح ذلك، في حديثه مع مستشارة ألمانيا، حيث قال إنه يدعو الدول العربية والفلسطينيين إلى مزيد من التنازلات التي وصفها بـ (الصعبة) من أجل السلام. لكنه لم يزد على أنه يتفهم موقف نتنياهو وما يلقاه من ضغوط إزاء استمرار الاستيطان، وهو ما سوف يشجع رئيس الوزراء الإسرائيلي على موقفه الرافض لوقف الاستيطان كلياً أو جزئياً، وهذا الاستيطان من أشد عقبات العملية السلمية.

كنا نريد أن نقول إن خطاب أوباما يشكل (فاتحة طريق) ولعله يعطينا ـ لاحقاً ـ خريطة طريق جديدة للسلام نتفاوض عليها بضعة أعوام أخرى، ونقرأ (السلام) على (السلام)!