ما نوع الدولة الفلسطينية التي يريدها أوباما؟

صحيفة البيان الإماراتية
استقراء ردود الفعل العربية والدولية حيال خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في جامعة القاهرة الخميس 4 يونيو، ترينا كيف أن التفاؤل المفرط يمكن أن يذهب إلى حد رسم صورة تقرب من الخيال لحل طال انتظاره في منطقتنا هذه.
لقد ذهب شعور التفاؤل الذي أشاعه الخطاب إلى حد بعيد عكسته عناوين الصحف العربية التي اعتبر غالبها أن «أميركا جديدة» تتشكل من مفردات خطاب أوباما، تماماً مثلما ذهب بعضها الأخر إلى القول إن (الخطاب) يخلو من أي جديد سوى ألفاظ ومفردات ينطق بها رئيس أميركي للمرة الأولى.
إن أوباما جذاب بلا شك وكلماته خلابة، لولا إننا سرعان ما نتذكر أنه رئيس الولايات المتحدة الأميركية فإن جرعة السحر والجاذبية تخف قليلاً لتفضي بنا إلى مجرد شعور بالترقب مثلما يخلص إليه روبرت فيسك في صحيفة الاندبندنت وصفاً لأوباما بأنه «..واعظ أو مؤرخ أو مدرس أو ناقد أو فارس أو إمام أو إمبراطور» قبل أن يستدرك بمقولة شهيرة لونستون تشيرشل «الكلمات سهلة وكثيرة، أما الأعمال العظيمة فصعبة ونادرة». (الاندبندنت البريطانية 5 يونيو).
أما في “إسرائيل” فيبدو الأمر مثل النكبة.. «بنيامين نتانياهو سينثني.. بعد أسبوع، بعد شهر، سيخضع للضغط الأميركي وسيضطر لقبول («حل الدولتين») وكذلك الموافقة على تنازل ما في المستوطنات… (ألوف بن: «اختبار مصداقية أوباما» – المستقبل اللبنانية مترجماً عن هارتس، 5 يونيو). أو ما كتبه بن كسبيت في صحيفة معاريف: «نتنياهو يغرق، في هذه الأثناء، في بحر من الإحباط.. فهو سينظر اليوم بعينين تعبتين إلى أوباما، المشرق والاحتفالي في جامعة القاهرة، بعد زيارة إلى الرياض، دون أن يستطيع لمسه». (بن كسبيت: «بحر الإحباط»، المستقبل اللبنانية مترجماً عن معاريف، 5 يونيو).
لكن هذا المشهد الذي خلفه شعور التفاؤل حيال خطاب أوباما وسحره، مازال يبدو بالنسبة لي مشهداً من الخداع البصري. أود مثل غيري أن أكتفي بالقول إننا ننتظر أفعالاً. لكن ثمة الكثير من نوازع القلق.
إن حل الدولتين ليس ابتكاراً ولا مقاربة جديدة تطرحها إدارة أوباما، إنها مطلب عربي قديم، جاء جورج دبليو بوش في آخر أيامه في البيت الأبيض وطرحه لكن دون رؤية واضحة بل غدا وعداً أجوفاً تماماً مثل سياسته.
لكن القراءة المتأنية لمجمل الحركة التي بدأها أوباما منذ توليه مقاليد البيت الأبيض رسمياً، تدفعني للقول إن المحصلة النهائية لهذه السياسة «الجديدة» ترتب مسؤوليات على متلقي هذه الرسائل، العرب والمسلمين.
ثمة سؤال يلي هذا التبشير بحل الدولتين: ما هو شكل ونوع الدولة الفلسطينية التي تقترحها إدارة أوباما؟
ستختلف الصورة تماماً عندما يبدأ النقاش الحقيقي حول شكل الدولة الفلسطينية وكنهها والملفات الأخرى الشائكة: حدود الدولة الفلسطينية، القدس، اللاجئين. ليس هذا فحسب، بل إذا كان القول بان الدولة الفلسطينية المرتقبة يجب أن تكون قابلة للحياة هو العنوان المتفق عليه، فإن المعنى الذي يمكن يترجم هذا الفهم على الأرض قد يقود إلى النزاع. سيفضي هذا كله إلى سؤال أساسي:
ما هو شكل الدولة التي يريد أوباما أن يقبل بها الفلسطينيون: منزوعة السلاح؟ أم بجيش وسيادة كاملة؟
لقد كانت إدارة جورج دبليو بوش منحازة في تبنيها للموقف والرؤية الإسرائيلية حيال كل قضايا وعناصر النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فهل يمكن أن يذهب باراك أوباما أبعد من هذا ليتمثل على الأقل دور الوسيط النزيه؟
ليس هناك معنى متفق عليه للعدالة والنزاهة بين العرب والإسرائيليين والأميركيين أيضاً وغيرهم. وليس في قاموس السياسة ما يدفع للاعتقاد أن ثمة مكسباً يمكن الحصول عليه دون ضغط من أي نوع أو دون قوة تسنده. والمشكلة هنا أن كل مشاعر التفاؤل هذه تصور الأمر كما لو أن المطلوب يبقى بيد أوباما وأوباما وحده.
ثمة مشكلة هنا أيضاً مع اللهجة التصالحية والنيات الحسنة واللفتات الطيبة التي أبداها أوباما: التضحيات المطلوبة للوصول إلى حل ليست مطلوبة من الإسرائيليين وحدهم بل من الفلسطينيين والعرب أيضاً.
هنا بالضبط سيتقرر المسار القادم لكل هذا التفاؤل، هل الفلسطينيون مستعدون لتقديم التضحيات التي يتطلبها الحل الذي يبشر به أوباما؟ وهل بإمكان العرب أيضاً دعم أي موقف فلسطيني في المفاوضات لا لجهة القبول بما يعرض عليهم فقط بل لتمتين الموقف الفلسطيني وتقويته أمام “إسرائيل” والولايات المتحدة نفسها..؟
هل بدأت أحلم قليلاً؟ أشعر بأنني استعيد درساً قديماً، فما جرى منذ اتفاق أوسلو عام 1994 يعطينا جواباً واضحاً: حالة احتراب فلسطينية في لحظات تاريخية حاسمة، يزيده ضعف عربي وغياب رؤية.
من منظار التاريخ فحسب، فهي مساومة شاقة على مر العقود الطويلة للصراع العربي الإسرائيلي: الثمن يرتفع قليلاً في كل مرحلة بدأ إنكار وجود شعب فلسطيني وحلول لا تزيد على حكم ذاتي وصولاً إلى الإقرار بحق الفلسطينيين في دولة. نعم إنه قانون الثورات الذي علمنا إياه التاريخ.
وطالما أن إدارة أوباما تؤيد حل الدولتين فلن يفسد هذا التفاؤل المفرط سوى أن نرى ما هو شكل ونوع الدولة قبل أن نقرر ما إذا كان علينا أن ننتظر أكثر أم نجترح اختراقاً آخر تاريخياً يليق بكل الجاذبية التي تحيط بأوباما.
كاتب وصحافي بحريني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قتلى وجرحى في تفجير مبنى بقوة من لواء غولاني برفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...

الاحتلال يحول الصحافي الفلسطيني علي السمودي إلى الاعتقال الإداري
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، الصحافي الفلسطيني علي السمودي من جنين، شمالي الضفة الغربية،...

“موت ودمار لا يمكن تصوره”.. منظمة دولية تطلق نداءً لوقف النار في غزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت "منظمة أوكسفام الدولية"، نداءً مفتوحًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، محذّرة من استمرار الكارثة...

شهيد وإصابات برصاص الاحتلال في البلدة القديمة بنابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شاب، متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحام البلدة القديمة من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية...