عن وعد بوش الأهم من وعد بلفور

صحيفة القدس العربي اللندنية
لم يعد يمر يوم دون أن يعلن مسؤول أمريكي أن على “إسرائيل” تجميد الاستيطان. فقد تكاثرت التصريحات وتطابقت إلى حد لم يعد يحتاج معه المرء لأن يكون لبيباً لكي يفهم أن الولايات المتحدة صارت مقتنعة بأن وقف الاستيطان، باعتباره الشرط الأولي بل النقطة الصفر لبدء المفاوضات، قد أصبح يندرج في إطار المصلحة القومية الأمريكية. لا يحتاج المرء لأن يكون لبيباً ليفهم. ولا يمكن لأحد أن يزعم أن ساسة “إسرائيل” لم يفهموا. بل العكس هو الصحيح. ذلك أنهم لم يكتفوا بالفهم، بل إنهم بكروا فيه منذ عام 2004.
ماذا فهم ساسة “إسرائيل”، أو ماذا اختاروا أن يفهموا؟ لقد فهموا “التفاهمات” التي جرت بين الرئيس جورج بوش الأصغر ورئيس الوزراء السابق أرييل شارون في ما يتعلق باستمرار الاستيطان. وبناء على هذا الفهم، طالبت الحكومة الإسرائيلية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بالتزامن مع زيارته للمنطقة هذا الأسبوع، بالالتزام بهذه التفاهمات. فقد قال وزير البيئة جلعاد أردان المقرب من نتنياهو: “حين يطلب الرئيس الأمريكي تجميد الاستيطان، بما في ذلك حدائق الأطفال في المستوطنات، فهو يبتعد عن التفاهمات التي أجرتها “إسرائيل” مع سلفه جورج بوش”. وأضاف: “عام 2004 أفاد بوش، في رسالة، أنه يمكن مواصلة أعمال البناء في مجمعات الاستيطان الكبرى في يهودا والسامرة. وقامت “إسرائيل” بعد ذلك، بناء على هذا النص، بإخلاء عشرين مستوطنة في قطاع غزة عام 2005″. ولمزيد من التوضيح أكد أردان أن موظفي وزارة الخارجية الأمريكية يعلمون بهذه التفاهمات.
وما كان الوزير ليعدو الحقيقة لو أنه قال إن القاصي والداني يعلم بهذه “التفاهمات” التي تعرف بـ”رسالة الضمانات” التي وجهها بوش لشارون في 14 نيسان (أبريل) 2004، والتي لم تكتف بالتسليم بـ”حق” “إسرائيل” في الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى، بل إنها أطلقت يدها في الضفة الغربية نهباً ومصادرة ونمواً طبيعياً واصطناعياً، ثم توجت ذلك كله بأن أسقطت حق العودة الفلسطيني. وعلى هذا فقد فهم شارون الرسالة على أنها تعني الاعتراف الأمريكي بضم الضفة الغربية ضماً رسمياً نهائياً ل”إسرائيل”. وفي هذا السياق المفاهيمي المتماسك، “تكرم” بعد عام بالانسحاب من قطاع غزة، على أساس أن فلسطين ليست سوى غزة، أما كل ما عدا ذلك فهو “إسرائيل”. فلا عجب إذن أن تستمسك “إسرائيل” برسالة ضمانات بوش وتعض عليها بالنواجذ. ألم يعتبر سفير “إسرائيل” السابق في واشنطن داني أيالون، في قولة نالت شهرة واسعة، أن “رسالة بوش تعتبر وثيقة أهم من تصريح بلفور”؟!
ولأن “وعد بوش” هذا ينفي أي إمكانية لتسوية قائمة على حل الدولتين، فإن جريدة “الغارديان” البريطانية نبهت يوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إلى أن غاية الزيارة التي قام بها في ذلك اليوم رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت إلى واشنطن إنما كانت السعي إلى الاستيثاق من استمرار التعهدات التي قدمتها أمريكا ل”إسرائيل” على مدى الأعوام الثمانية من حكم بوش. لكن “الغارديان” ناشدت أوباما الفائز توا بالانتخابات قائلة: “إننا نرى أن على أوباما، إذا كان يَنشد تحقيق أي نجاح يذكر، أن يمزق رسالة الضمانات التي بعثها بوش لشارون”. وأوضحت الصحيفة أن “تسوية قائمة على حدود 1967 ينبغي أن تكون كذلك على وجه الضبط والدقة، بأقل ما يمكن من الحَرْف” والتعديل. فإذا بالمتحدث باسم السفارة الإسرائيلية في لندن يرد يوم 28 من الشهر ذاته بأن “حدود دولة “إسرائيل” المستقبلية لن ترسم على صفحات هذه الجريدة، بل إنها سوف تحدد بالتفاوض بين “إسرائيل” وقيادة الفلسطينيين الشرعية”.
هذا هو دأب الإسرائيليين الذين يريدون الأرض كلها مع السلام كله! قوم لا يزالون يتعجبون لماذا لا يمنحهم العرب “حقوقهم التاريخية” عن طيب خاطر، بل لماذا لا يُقبلون عليهم بشيء من الغزل والعناق والقبل! هذا هو دأب الإسرائيليين الذين فهموا أن وعد بوش أهم من وعد بلفور: كلما أنذرهم أحد، مثلما فعل زبغنيو بريجنسكي، إن تغول الاستيطان يعني أن زمن “حل الدولتين” يوشك أن ينقضي بدون رجعة، ردوا: حذار من استباق المفاوضات! ما خطبكم؟ هل نسيتم أن الوضع النهائي رهن بالمفاوضات؟
يقتلون القتيل بعد أن يسلبوه كل ما عنده، وعندما يشير أحد إلى الجثة، يردون غاضبين: إن المسألة بيننا وبين قتيلنا، وهي لا تحل بالعنف المحلي أو الإملاء الدولي، بل سوف نحلها بالتفاوض مع قتيلنا دون شروط مسبقة… حالما يعترف بحقنا في الوجود.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تهنّئ البابا ليو الرابع عشر لانتخابه رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية
المركز الفلسطيني للإعلام تقدّمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأصدق التهاني والتبريكات إلى البابا ليو الرابع عشر، بمناسبة انتخابه رئيسًا للكنيسة...

الحصاد المر لـ 580 يومًا من الإبادة الجماعية في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشر المكتب الإعلامي الحكومي ينشر تحديثاً لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية...

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى بتفجير القسام مبنى بقوة من لواء غولاني في رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...