الخميس 08/مايو/2025

معضلة نتنياهو نفخ أوباما ضد إيران وتنفيسه مع العرب

معضلة نتنياهو نفخ أوباما ضد إيران وتنفيسه مع العرب

صحيفة القدس العربي اللندنية

تبدو “إسرائيل” حائرة ومتخبطة وقلقة في محاولتها الإجابة عن سؤال مفتاحي: كيف تحمي أمن كيانها واحتلالها الاستيطاني لفلسطين إزاء التحدي الإيراني النووي والتحدي العربي المقاوم والتحدي الأمريكي “التسووي”. فمواجهة التحديات الثلاثة تنطوي على معضلة هي كيفية التوفيق، في التعاطي مع باراك أوباما، بين ضرورتين: نفخه ضد إيران النووية وتنفيسه مع العرب “المعتدلين”. ذلك أن الرئيس الأمريكي يريد من “إسرائيل”، مرحلياً، العكس تماماً: تنفيسها، مؤقتاً، إزاء إيران لضمان نفخ الريح في أشرعة تسويةٍ مقبولة مع العرب والفلسطينيين “المعتدلين”.

ثمة إجماع أو شبه إجماع بين كبار قادة “إسرائيل” على اعتبار إيران النووية الخطر الأول والأكبر على أمن الكيان الصهيوني. لكن تمايزاً يصل أحياناً إلى حد الاختلاف في ما بينهم عندما يتعلق الأمر بطريقة مواجهة هذا الخطر.

الكاتب السياسي في صحيفة “هآرتس” المستقلة ألوف بن عبّر أخيراً عن محور الاختلاف بين هؤلاء القادة بقوله إن بنيامين نتنياهو خرج عن “عقيدة شارون” القائلة إنه محظور على “إسرائيل” أن تتصدر الصراع ضد إيران. فالولايات المتحدة، بحسب رأي شارون، هي الأولى بالقيادة والأنسب والأقدر عليها. لكن نتنياهو لا يشاطر أنصار شارون وتلامذته رأيهم إذ أعلن أخيراً أنه “إذا لم نَقُد نحن الدفاع ضد الخطر الإيراني ونربط الولايات المتحدة ودول العالم به، فإن أحداً لن يفعل ذلك”.

لعل ما يقصد إليه نتنياهو أن تقود “إسرائيل” حملة التوعية بـ “خطر” إيران النووي وتعبئة العالم، لا سيما الرأي العام الأمريكي، لمواجهته، لا أن تتولى هي قيادة الصراع ضد إيران. فالخبراء الإستراتيجيون في “إسرائيل” والعالم يكادون يجمعون على صعوبة، وربما على استحالة، إقدام الكيان الصهيوني على مهاجمة إيران من دون ضوء أخضر أمريكي، بل من دون تعاون ودعم كبيرين من الولايات المتحدة.

رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غابي اشكنازي يبدو أكثر واقعية إزاء التحدي الإيراني من رئيس حكومته. فهو يقرّ بأن إيران هـي “التحدي الأكبر والأهم”، لكنه يشير إلى وجود “حوار بين أمريكا وإيران، نشك في أنه سينجح، إلاّ أنـه يبقى من ناحيتنا السبيل المفضل لوقف المشروع النووي الإيراني”. إلى ذلك، لا يتوانى اشكنازي عن التأكيد أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست بأنه “كرئيس للأركان أرى من واجبي الاستعداد لكل الاحتمالات، وهذا ما نفعله”.

مـن بين الاحتمالات التي يستعد لها اشكنازي استعمال القوة. هنا ينهض سؤال: متى يمكن أن تستعمل “إسرائيل” قوتها، وأين؟

متى؟ ليس قبل أن تفشل أمريكا، من خلال الحوار، في إقناع إيران بوقف برنامجها النووي العسكري، وليس قبل أن تتأكد من فشل برنامج العقوبات الدولية المشددة وبينها الحصار البحري في حمل طهران على القبول بتسوية سياسية للنزاع.

أين؟ ليس ضد منشآت إيران النووية بسبب المخاطر والخسائر والتداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية الهائلة التي يمكن أن تنجم عن قصفها، بل ضد مواقع تعود لحلفاء إيران في لبنان وفلسطين وتحتوي من الأسلحة المتطورة ما يهدد أمن إسرائيل ومصالح أمريكا بأضرار هائلة.

إيران بعيدة عن إسرائيل، لذا فإن ضرب منشآتها جواً بالقنابل أو بالصواريخ البعيدة المدى عملية بالغة التعقيد وعالية التكلفة، وهي تتطلب على كل حال مشاركة فاعلة من الولايات المتحدة التي تبدو غير قادرة، وسط أزمتها المالية والاقتصادية المتفاقمة، على التورط في فتح جبهة جديدة إلى جانب جبهات الحرب المفتوحة في العراق وأفغانستان وباكستان.

يمكن، إذاً، وفق هذا الخط من التفكير الاستراتيجي، التوفيق بين متطلبات الدفاع عن أمن “إسرائيل” على المدى المتوسط والبعيد ومتطلبات أوباما الساعي، مرحلياً، إلى أعطاء أولوية لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قبل الانغماس في صراع معقد ومكلف مع إيران. لكن، هل يمكن أن يوافق أوباما على قيام “إسرائيل” بالاستعاضة عن ضرب منشآت إيران النووية بضرب مواقع ومخازن وقيادات لحلفائها العرب المقاومين كحزب الله في لبنان و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة؟ هل تساعد حرب “إسرائيل” ضد المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية في إنضاج وتمرير التسوية التي يريدها أوباما وأصدقاؤه من العرب “المعتدلين” أم أنها تفسدها وتعطلها؟

جواب أوباما يختلف عن جواب نتنياهو.

أوباما يدرك أن حرباً تشنها “إسرائيل” ضد العرب المقاومين ستحرج العرب “المعتدلين” وقد تتسبب في اندلاع حريق إقليمي واسع النطاق، يُرتّب على أمريكا أعباء مالية واقتصادية إضافية، ويجهز على مقاربته الوليدة لتسوية النزاعات العالقة مع العالم الإسلامي.

نتنياهو ينظر إلى المسألة من زاوية مختلفة. هو لا تهمه البتة التسوية السياسية التي يسعى إليها أوباما بل يهمه أن يعرف سلفاً الثمن الذي يترتب على “إسرائيل” دفعه للولايات المتحدة (ولإدارة أوباما) لقاء إفساد مساعيها التسووية مع العالمين العربي والإسلامي. إذا أظهرت حساباته أن الثمن ممكن احتماله إسرائيلياً وممكن تبريره أمريكياً، فإنه لن يتوانى، عاجلاً أو آجلاً، عن شن الحرب. أما إذا وجد أن الثمن باهظ للغاية على جميع المستويات، فإنه سيجمّد خيار الحرب ويفعّل الخيار الآخر الناشط في تنفيذه حالياً، وهو إفساد مساعي التسوية بالفتنة المذهبية بين أهل السنّة وأهل الشيعة على مدى العالم الإسلامي، ولا سيما في أقطار المشـرق العربي، وتغطية النشاط التوسعي للمستوطنين لجعل “حل الدولتين” مستحيلاً، وتطويق مساعي أوباما نفسه داخل أمريكا بواسطة اللوبي اليهودي “إيباك” وأصدقاء “إسرائيل” في الكونغرس.

على صعيد تخريب مساعي التسوية، يمكن رصد أنشطة إسرائيلية ثلاثة فاعلة:

الأول، إشعال فتنة مذهبية متمادية بين أهل السنّة وأهل الشيعة في كل مكان يضم أتباعاً لهذين المذهبين، ولا سيما في لبنان والعراق والسعودية، وحتى في إيران نفسها (مجزرة زاهدان). وكان لافتاً لجوء “إسرائيل”، عبر مجلة “ديرشبيغل” الألمانية ذات الصلة الحميمة بعالم الاستخبارات، إلى نشر تقرير إخباري مفاده أن مجموعة من حزب الله، وليس سورية، كانت وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. صحيح أن ردود فعل القيادات السياسية اللبنانية كانت عموماً شاجبة ومستنكرة لمحاولة الإيقاع الصهيونية، لكن الواقعة والوقيعة لم تنتهيا بعد، وأن فصولاً أخرى أشد أذى واستهدافاً مرشحة للظهور في المستقبل المنظور، خصوصاً إذا قيض لقوى المعارضة، وبينها حزب الله، أن تفوز بأكثرية مريحة في الانتخابات المقبلة.

الثاني، قيام حكومة نتنياهو بالتحايل على “القوانين” التي أقرتها “إسرائيل” نفسها وذلك بطريق التلاعب بمفهومي المستوطنة “القانونية” والمستوطنة العشوائية. فهي، إلى التغاضي عن إنشاء المستوطنات العشوائية، تمتنع عن وقف توسيع المستوطنات “القانونية”، بحسب طلب أوباما، بالادعاء أن ما يحصل فيها ليس توسيعاً بل مجرد “نمو طبيعي”. وماذا تكون النتيجة؟ المزيد من التوسيع الأفقي وبالتالي المزيد من قضم الأراضي الفلسطينية. فوق ذلك، كشف المعلق الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي نحميا شترسلر في “هآرتس” (22/5/2009) أن المستوطنين ينجحون، بتواطؤ مع الحكومة ولا سيما مع وزارة الدفاع في ظل إيهود باراك، في جعل “حل الدولتين” مستحيلا باعتماد “استراتيجيا تهدف إلى غاية واحدة هي فرض المزيد من حقائق الأمر الواقع على الأرض ما يقضي على إمكان التوصل إلى أي حل جغرافي يرقى إلى مستوى دولة فلسطينية أو حتى مستوى كانتونات”. ويؤكد شترسلر “أن المستوطنين يفعلون ذلك بطريقتين: الأولى، الاستمرار في التوسع طوال الوقت. والثانية، تحويل عملية تفكيك مستوطنات “غوش قطيف” ( في قطاع غزة ) إلى صدمة مستمرة ومرهونة بأعباء مالية باهظة، وذلك كي يتم منع تفكيك مستوطنات أوسع كثيراً في الضفة الغربية”.

الثالث، تطويق مساعي أوباما “التسووية” بواسطة النفوذ الصهيوني الواسع في الإدارة ولدى الرأي العام الأمريكيين. في هذا المجال، قام اللوبي اليهودي “إيباك”، بواسطة غالبية ساحقة من المشترعين في مجلسي الكونغرس، بحضِّ الرئيس أوباما على مواصلة الدفع لتحقيق السلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين ولكن وفقاً “لمبادئ أساسية” تشمل ترك مهمة التفاوض “في شأن تفاصيل أي اتفاق للطرفين”، أي رفض ضمني لأي تدخل أو ضغط أمريكي على إسرائيل ما يعكس مشاعر قلق أصدقائها من تركيز أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون على انتقاد أعمال الاستيطان الإسرائيلية. وجاء أيضاً في الرسالة الموجهة إلى الرئيس الأمريكي التي وقعها 400 مشترع (329 عضواً في مجلس النواب من أصل 435، و 76 عضواً في مجلس الشيوخ من أصل مئة) أن على الولايات المتحدة “أن تكون وسيطاً موثوقاً به وصديقاً وفياً لإسرائيل”، وعلى ضرورة “التزام الفلسطينيين المطلق بإنهاء العنف والإرهاب والتحريض”، وعلى مشاركة أوسع من الدول العربية “بالسير في اتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل…”.

إزاء هذه الخلفية من المناورات والتحايلات والضغوطات، ماذا عساه يقول باراك أوباما في خطابـه إلى العالم الإسلامي من على منبر جامعـة القاهـرة في 4 حزيران (يونيو)؟

ماذا عساه يقول ويبقى قادراً على الالتزام به وتنفيذه في قابل الأيام؟

الجواب يبقى في ملعب محترفي التعامل مع أمريكا والتفاؤل بقدرات رؤسائها.

* كاتب وسياسي من لبنان

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات