الأحد 11/مايو/2025

ما لم يلتزم به المتطرف نتانياهو أمام الرئيس أوباما

ما لم يلتزم به المتطرف نتانياهو أمام الرئيس أوباما

صحيفة الوطن القطرية

مازال بعض المعلقين الأميركيين يواصلون تعليقاتهم وتحليلاتهم لما دار في اللقاء الأول بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في البيت الأبيض. كان التوقع العام قبل اللقاء يتجه نحو الاعتقاد بأن اللقاء قد يشهد تجاذبات وتوترات بين الرجلين بسبب التصريحات السلبية التي بادر بها رئيس الوزراء الإسرائيلي فور أدائه لليمين الدستورية والتي رفض فيها الدولة الفلسطينية، مستعيضاً عنها بما يشبه الهبات الاقتصادية للفلسطينيين، مع إعطائهم بعض الكانتونات المعزولة على غرار ما قدمته جنوب إفريقيا العنصرية ذات يوم للأغلبية السوداء. بالطبع أفكار من ذلك القبيل ستنسف أي مشروع قد يفكر فيه الرئيس أوباما لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط. ولاحظ المراقبون بعد اللقاء أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يقدم للرئيس أوباما أية تنازلات فيما يختص برفضه للدولة الفلسطينية ورفضه لإيقاف توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية أو في القدس الشرقية. ولا في مسألة عودة بعض المهاجرين إلى ديارهم التي جلوا عنها في عام 1948. صحيفة النيويورك تايمز الذائعة الصيت نشرت تحليلاً لأحد كتابها جاء فيه أن الرئيس أوباما تنازل لرئيس الوزراء الإسرائيلي أكثر من اللازم ليعطي المراقبين انطباعاً مؤداه أن المستر نتانياهو كانت له اليد العليا في ذلك اللقاء.

تجيء هذه الملاحظات في الوقت الذي تتعرض فيه مخططات الرئيس أوباما للشرق الأوسط إلى هجمة عنيفة من الحلف اليميني العريض المكون من اليمين الجمهوري واليمين الكنسي واليمين اليهودي وجماعات المحافظين الجدد المتنفذين في العديد من المواقع المفصلية في جسم الدولة الأمريكية وفي الجسم السياسي للمجتمع الأميركي. ما دار بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي في لقائهما المشار إليه هذا لابد من أن ينظر إليه من منظور تأثير هذا الحلف العريض على الساحة السياسية الأمريكية. وهو التأثير الذي يتحتم على الرئيس أوباما أن يحسب له ألف حساب. ولا يعرف حتى الآن مدى حجم الدقة فيما زعم به بعض المحللين من أن الرئيس أوباما قد تنازل في ذلك اللقاء عن العديد من المواقف المعلنة تفاديا لصدام محتمل مع المعسكر اليميني المتعدد الجبهات.

في ذلك اللقاء، راوغ المتطرف بنيامين نتانياهو كثيراً ورفض بأساليب لولبية أن يقبل بالدولة الفلسطينية. بل تفادى أن يجري ذكرها على لسانه. ووضح أنه ينوي تقديم بديل عنها في شكل مجمعات استيطانية للفلسطينيين لا صلة بينها وبين شكل أو حجم الدولة. ورغم خطورة المنحى الذي يريد المتطرف نتانياهو السير فيه، إلا أنه لم يسمع توبيخاً أو احتجاجاً من الرئيس أوباما. بالطبع حالات التوبيخ الأميركي ل”إسرائيل” هي حالات قليلة في التاريخ الأميركي القريب. وإذا تصفحنا تاريخ العلاقة بين الدولتين، فقد يكون الرئيس بوش الأب هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي منع عن “إسرائيل” ضمانات القروض بسبب خلافه معها حول حقوق الشعب الفلسطيني. ومعروف طبعاً الثمن الباهظ الذي دفعه الرئيس بوش الأب لقاء موقفه ذلك. فقد حرم الرجل من العودة إلى البيت الأبيض بعد أن أطاح به شاب كان مغموراً حتى قبل سنوات قليلة قبل أن يكون حاكماً لولاية صغيرة وفقيرة في الغرب الأوسط الأميركي اسمه وليام جفرسون كلينتون. أما إذا انتقلنا إلى الحديث عن الرئيس بوش الابن، وهو رئيس لا يمكن أن يعتبر صديقاً للعرب أكثر من صداقته للإسرائيليين لتذكرنا أنه الرئيس الأميركي الذي جمع خمسين دولة في مؤتمر أنابوليس لكي تبحث عن السلام في الشرق الأوسط. ولتذكرنا أيضاً أنه ابتدر ذلك المؤتمر بمطالبته بدولة فلسطينية قابلة للحياة، وغير مخرمة مثل الجبن السويسري. ومطالبته بتعويضات مجزية للفلسطينيين مقابل ممتلكاتهم التي أجبروا على تركها وراءهم عند قيام دولة “إسرائيل”. ومطالبته بوقف الاستيطان الإسرائيلي في القدس الشرقية، إشارة ضمنية إلى أنها ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية القادمة، وفي الضفة الغربية. ومطالبته بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية (يجب أن لا ننسى أن الإسرائيليين يرفضون الإشارة إلى وجودهم هناك كاحتلال. ويفضلون عنه وصف (التنازع على الأرض).

في لقاء الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي لم يستطع الرئيس أوباما أن يتحدث بتلك الحميمية عن المطالب الفلسطينية حتى بعد أن قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي تصوراته الكفيلة بنسف مبادرات الرئيس أوباما للشرق الأوسط حتى قبل أن تبدأ، بالرغم من أن الرئيس أوباما مؤمن بالمطالب الفلسطينية أكثر من الرئيس بوش. موقف الرئيس أوباما الناعم مع رئيس الوزراء نتانياهو سببه هو أن ظهر الرئيس أوباما مكشوف أمام يمين يتربص به الدوائر ويبحث عن أصغر الثغرات في مواقف الرئيس المتهم يمينياً بإسلامه (المخفي!)

الصلف الذي تحدث به نتانياهو وسكت عليه أوباما لم يكن مريحاً للذين جهدوا أنفسهم، وأخذوها بالشدة، مآذرة للشاب الملون ذي الأصول العائدة إلى الأقاصي الإفريقية. وكم تمنى كاتب هذه السطور، بعد مشاهدته للقاء غير المريح، لو أرسل كل الذين دعموا السيناتور باراك حسين أوباما الانتخابية حتى أوصلوه إلى المكتب البيضاوي ليصبح الرئيس رقم 44 باراك أوباما، في البلد المعمور المسمى الولايات المتحدة الأمريكية، حاكم العالم الفعلي، ورجل الشرطة الدولي الذي يقدم خدماته للمحتاجين لها حسب التساهيل. لقد حمل المتحمسون من جميع أطياف المجتمع الأميركي، السيناتور الشاب على أكتافهم الناهضة ووضعوه في المكتب البيضاوي رغم أنف جميع العنصريين في طول ولايات الجمهورية الفتية الديمقراطية الخمسين وعرضها. ولم تنجح حملة التخويف الجبارة التي كان محورها اسم الشاب الغريب، ودين آبائه، وربما دينه المخفي، لم تنجح في كسر إرادة أولئك المصممين.

نعم، تمنيت لو حررت تلك الملايين ملايين الرسائل الاليكترونية شديدة اللهجة إلى البيت الأبيض تقول فيها إن ما سمعه المتطرف نتانياهو من الرئيس في لقائهما الأول رداً على أفكاره غير البناءة لحل النزاع الإسرائيلي – العربي ليس كافياً. احتجاجات من هذا القبيل ستؤتي أكلها سريعاً، خصوصاً أن ألوفاً مؤلفة من هؤلاء هم أعضاء مسجلون في الحزب الديمقراطي. ويحملون ملايين البطاقات التي تثبت عضويتهم في الحزب العتيد، وتثبت نشاطهم الحزبي، وما يقومون به من مهام في مناطق سكنهم وأعمالهم. ومعروف أن رأي العضو في الأحزاب الأمريكية هو رأي محترم ومقدس ولا يمكن الاستهانة به بعدم الرد عليه أو تجاهله. بل إن الأحزاب والحكومات تعمل، عن طريق استطلاعات الرأي، تعمل على معرفة رأي جماهيرها في نوع السياسات التي تتخذها، حتى على مسايرة ميول عضويتها، وتحقيق رغباتها كسبا لتأييدها في المواسم الانتخابية وغيرها.

لقد راوغ رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف نتانياهو، راوغ الرئيس أوباما في ذلك اللقاء ورفض بوضوح ومكر قيام الدولة الفلسطينية وإن لم يقل ذلك صراحة. وكان واضحاً أنه يهدم كل ما بنته الأسرة الدولية عبر عقود وعقود.

لو حرر كل واحد من الملايين التي تقاطرت نحو مراكز الاقتراع في نوفمبر الماضي رسالة احتجاج، إذن لوجد الرئيس أوباما ألوفاً مؤلفة من الرسائل الداعمة لموقفه، ولعرف أن لقاءه الأول مع المتطرف نتانياهو فشل في إيصال رسالة ذات دلالة ايجابية للملايين التي صوتت له وهي جزلة. ولعرف إضافة إلى ذلك أن الجماهير التي كانت معراجه الذي سما به إلى المكتب البيضاوي، غير راضية عما سمعت، خصوصاً لجهة تأكيد نتانياهو المتزمت أن القدس ستبقى عاصمة أبدية ل”إسرائيل”. ولعرف أيضاً أنه لم يكن جميلاً منظر الرئيس الذكي والأخاذ وهو يستمع في سكون وهدوء للمتطرف الأخرق وهو يداور رافضاً الدولة الفلسطينية. ويضع الشرط بعد الشرط للتحاور مع الفلسطينيين بينما يرفض في عنجهية أن يشترط عليه الفلسطينيون.

مداورات رئيس الوزراء الإسرائيلي، أعادتني إلى آخر أيام الرئيس بوش في البيت الأبيض. وهو رجل لم يكن يحبه العرب الأميركيون من أمثالي، بعد أن خدعهم بمعسول الحديث، فاقبلوا نحوه مصوتين ذرافات ووحداناً، حتى إذا تمكن في المكتب البيضاوي، قلب لهم ظهر المجن. قلت أعادني صلف المتطرف نتانياهو إلى آخر أيام جورج بوش في البيت الأبيض، وقد كان على أعتاب الرحيل، يوم أخرج للناس مبادرته الأخيرة في أنابوليس. حيث حدث العالم حديثاً لم يخل من شجاعة وإن كانت شجاعة مجروحة، باعتباره رئيساً مغادراً وليست أمامه منافسة انتخابية قادمة. ولكن الرجل حسم أمره بقوة وهو يطالب “إسرائيل” بمغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبتعويض الفلسطينيين عن ممتلكاتهم، وبالابتعاد عن القدس الشرقية والضفة الغربية وأن تقلع عن المخططات التي تجعل الدولة الفلسطينية القادمة مخرمة مثل الجبن السويسري. لقد بدت نبرات صوت الرئيس صادقة يومها، حتى إن بعض الصحفيين العرب الكبار، من أمثال الأستاذ الكبير جهاد الخازن، أخذوا بتلك الجدية الظاهرة في نبرات الرئيس بوش. فنبه لها. صحيح أن الأماني الطيبة في أحاديث الرئيس الأميركي لم تمر دون أن يثار حولها بعض غبار من شك. ولكن العرب أعطوا الرئيس بوش فسحة بين اليقين والشك وباركوا سعيه لتحقيق تلك الأماني التي بدت غالية وصعبة المنال دفعة واحدة. بالطبع كان الصلف والغرور الإسرائيلي حاضراً هناك في ذلك الوقت في أنابوليس مثلما كان حاضراً في لقاء في البيت الأبيض غير المريح. ومثلما دمر ذلك الغرور أنابوليس، فهو في طريقه لأن يدمر مبادرة أوباما التي سوف تذاع من القاهرة قريباً إذا لم تأخذ الأسرة الدولية على يد المتطرف الأخرق ومنعه من التخريب المتعمد.

صحيح أن عدداً من المحللين اعتبروا التشدد الذي أظهره رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء لقائه مع الرئيس أوباما – اعتبروه نوعاً من المساومة وموقفاً تفاوضياً يريد أن يقايض به الموقف الأميركي من برنامج إيران النووي. إنه يريد تشدداً أميركياً تجاه إيران مقابل تقليل تشدده تجاه الفلسطينيين. ويقول المراقبون إن الإسرائيليين يريدون تحديد تاريخ محدد لإيران لكي تقلع عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم. على أن تطلق الولايات المتحدة أيديها بعد ذلك التاريخ لتفعل ما تراه إذا لم تلتزم إيران بذلك التاريخ. ويبدو أن الرئيس أوباما قد خطى خطوات كبيرة نحو الاستجابة للرغبة الإسرائيلية. فقد أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي في نهاية ذلك اللقاء أن الأسرة الدولية لن تظل تفاوض إيران إلى الأبد حول برنامجها النووي. وعلى إيران أن تستجيب لمطالب الأسرة الدولية بنهاية العام الحالي. إذن لقد استجاب الرئيس أوباما لطلب “إسرائيل” الأهم وهو حصار إيران بفترة زمنية محددة تصبح بعدها كل الخيارات ضدها مفتوحة. والحال كذلك، فلا بد من القول إن الذين ذكروا أن الرئيس الأميركي قد قدم تنازلات أكثر من اللازم للمتطرف نتانياهو بدون أن يقدم هذا الأخير أية تنازلات، لم يبرحوا الحقيقة. فقد قدم الرئيس أوباما تنازلات كثيرة لرجل لم يلتزم بشيء. وهذا يدفع إلى القول إن مسيرة السلام في الشرق لن تكون سالكة بالصورة التي تشتهيها جميع الأطراف.

لقد كان لتراكم الكثير من السلبيات في فترة إدارة الرئيس بوش القدح المعلى في أن تتضاءل صورة الرجل في وجدان الإنسان العربي. فبالنسبة للإنسان العربي، الرئيس جورج بوش هو حاكم ولاية تكساس الذي زار “إسرائيل” عام 1998، وبعد أن صلى في كنيسة المهد، أعلن على رؤوس الأشهاد أنه صار مسيحياً مولوداً للتو جديداً وناصعاً وكاملاً. وصار يرى إسرائيل هي الحق والحق ما

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....