الإثنين 05/مايو/2025

واشنطن الجديدة ونتانياهو القديم!

واشنطن الجديدة ونتانياهو القديم!

صحيفة الاتحاد الإماراتية

في آخر مرة جاء فيها نتانياهو إلى واشنطن أثناء رئاسته الأولى للحكومة الإسرائيلية، كانت الظروف مختلفة أشد الاختلاف. ففي ذلك الوقت كان بيل كلينتون محوطاً بالفضائح، التي بلغت ذروتها بالتحقيق الذي أجريَ معه، وكان “الجمهوريون” الذين شكلوا شراكة مع حزب “الليكود” الإسرائيلي يسيطرون على الكونجرس بمجلسيه. وعلى رغم أن الكثيرين من الأميركيين كانوا يعارضون سياسات نتانياهو فإن تلك المعارضة ظلت خافتة ومحدودة. ولكن، ما الفارق الذي أحدثه مرور ما يزيد على عقد من الزمان تقريباً، على ذلك التاريخ؟

الآن في عام 2009، التقى نتانياهو برئيس أميركي جديد كسب الانتخابات بأغلبية لا بأس بها، ويسيطر حزبه “الديمقراطي” على أغلبية المقاعد في مجلسي الشيوخ والنواب، ويحظى بشعبية جارفة تمنحه قوة دافعة، وتدل تصريحاته وأعماله كلها على أنه رجل صاحب رؤية، وملتزم بتحقيق تغيرات حقيقية في العديد من الموضوعات بما في ذلك مقاربة أميركا تجاه صراع الشرق الأوسط.

وربما يكون نتانياهو قد بدا عنيداً في المؤتمر الصحفي الذي عقد بالبيت الأبيض عقب انتهاء اجتماعه مع أوباما، ولكن هذا الأخير تمسك هو أيضاً بموقفه ووجه ملاحظاته وهو ينظر مباشرة للكاميرا محاضراً على نتانياهو بشأن الخطوات التي يجب أن تتخذ دون تأخير.

لم يكن الالتقاء برئيس جديد، أشد صرامة هو التغير الوحيد الذي واجهه نتانياهو في أميركا، إذ إن الحقيقة هي أنه واجه جالية يهودية مختلفة أيضاً أشد الاختلاف. فقد أظهر استطلاع للرأي تم بتكليف من “جيه ستريت”، وهو لوبي يهودي مناصر للسلام، أن أغلبية كاسحة من اليهود الأميركيين (تدور في حدود 70 في المئة) تؤيد أوباما، وتدعم حل الدولتين، وتؤيد إقامة عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية، وحقاً “محدوداً” للعودة. وتعارض التوسع في عمليات الاستيطان.

وقد كان من الواضح منذ سنوات عديدة أن (لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية) “إيباك” لم تعد معبرة عن آراء غالبية اليهود في أميركا، وأن التوجه نحو تأييد عملية السلام في أوساط الجالية اليهودية في أميركا قد اتخذ شكلاً مؤسسياً، وبات أكثر قوة وأكثر علانية مما كان عليه منذ عقد تقريباً. فهناك في الوقت الراهن مجموعات ومنظمات مثل “جيه ستريت”، و”إسرائيل بوليسي فورام” و”أميركان فوربيس ناو” و”بريت تزيديك فشلومير”، تعمل ليس داخل الجالية اليهودية فحسب، وإنما بالتحالف أيضاً مع الأميركيين العرب من أجل تغيير السياسة تجاه الشرق الأوسط.

وقبل وصول نتانياهو لواشنطن، كان منتدى “إسرائيل بوليسي فورام” قد نشر إعلاناً بحجم صفحة كاملة في الصحف الأميركية الرئيسية حث فيه أوباما على استغلال فرصة اجتماعه مع زعماء المنطقة للإصرار على عدد من الخطوات تشمل: تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتفكيك المستوطنات العشوائية، وإزالة نقاط التفتيش التي لا داعي لها. وإعادة تعمير غزة فوراً، مع التركيز على احتياجات المدنيين والاقتصاد المحلي، والسعي من أجل إقامة سلام شامل بين “إسرائيل” وجيرانها بما في ذلك سوريا، وتبني مبادرة السلام العربية كأساس لتلك المفاوضات.

وفي الأسبوع الماضي أيضاً، وحدت مجموعات داعية للسلام صفوفها مطالبةً الكونجرس بإرسال خطاب إلى أوباما، وهو خطاب صيغ بحيث يكون رداً على خطاب سابق وزعته “إيباك” يطالب أوباما بترك الأطراف المعنية تتفاوض فيما بينها دون تدخل من الولايات المتحدة. ويدل هذا الخطاب، على أن “إيباك”، لم تعد تمارس نشاطها دون منافس في واشنطن، وعلى أن واشنطن تتغير، وعلى أن البيئة الملائمة لصنع السلام أفضل الآن مما كانت عليه منذ عقد من الزمان، مع وجود رئيس قوي لديه التصميم على التصدي للقضايا الكبرى، وجماعات مؤيدة للسلام بين الجالية اليهودية تتعاون مع الأميركيين العرب من أجل دعم جهود الرئيس، وهو ما يدعونا لأن نتمنى أن تصل الأجواء بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى هذا المستوى من النضج والملاءمة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات