الأحد 11/مايو/2025

التطمين والتطبيع مقابل لعلّ وعسى!

التطمين والتطبيع مقابل لعلّ وعسى!

صحيفة القدس العربي اللندنية

حدث اهتمام إعلامي كبير بمطالبة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكاميرات بوجوب تجميد الاستيطان الإسرائيلي. إذ إن مجرد الحديث الأمريكي عن هذه المسألة علناً وبهذه الصراحة هو تطور غير مسبوق. وقد عزز من دلالته الرسمية أن وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون صرحت بأن “الرئيس كان واضحاً تمام الوضوح أمس عندما أعلن رغبته في أن يرى نهاية للاستيطان… لقد استضفتُ رئيس الوزراء نتنياهو، بعد ذلك، للعشاء في مقر وزارة الخارجية وكررتُ القول بأن هذا هو موقف حكومة الولايات المتحدة وأن هذه هي سياستها”.

إلا أن هذا الموقف الأمريكي الجديد يظل، رغم وضوحه الغني عن كل توضيح، ذا أهمية محدودة. أولاً، لأنه يندرج في إطار اختلاف الرجلين حول “حل الدولتين”، والتعامل مع إيران ومدى الارتباط بين الأمرين. وثانياً، لأن هذا الاختلاف يندرج هو أيضاً في سياق اتفاق بينهما، قد يكون هو الأهم والأعم، حول ضرورة مسارعة الدول العربية إلى التطبيع و”التطمين” والتقبيل وفتح الأجواء للطيران والحدود للسياح بمجرد أن تبدأ حكومة نتنياهو في تفكيك أول نقطة تفتيش، أي دون اشتراط التوصل إلى اتفاق تسوية فلسطينية إسرائيلية كاملة. على أن ما يرجح، حالياً على الأقل، فشل هذا المسعى (الذي يسمونه “التطبيع التدريجي” والذي يقولون إن الهدف منه هو تليين موقف الرأي العام الإسرائيلي!) هو أن السعودية قد أبلغت الإدارة الأمريكية أنه غير مقبول. ذلك أن ما تريده السعودية من أوباما هو النسج على منوال بيل كلنتون بإعلان خطة اتفاق للوضع النهائي ثم حمل الطرفين على التفاوض حول تنفيذه. وهذا ما طمأن الأمريكيون الإسرائيليين بأنه لن يكون، حيث إن أوباما لن يعلن أي خطة مفصلة للسلام في الخطاب الذي سيخاطب به أمة العرب من القاهرة في الرابع من الشهر القادم.

فما هو إذن رأي أوباما الحقيقي بشأن تسوية النزاع العربي الإسرائيلي؟ رغم التململ الذي بدا عليه أثناء المؤتمر الصحافي الذي أعقب اجتماعه المطول مع نتنياهو، فإنه لا يمكن طبعاً التعويل على تصريحاته الرسمية لفهم حقيقة موقفه من أحابيل الألعبان الإسرائيلي. بل إن معرفة ما يجول في خاطر أوباما بهذا الشأن ربما تستوجب استحضار الجملة التي تلفظ بها عندما أطلعه محمود عباس في تموز (يوليو) الماضي في رام الله على جوهر مبادرة السلام العربية. ماذا قال أوباما بعد سماع العرض؟ لقد أجاب، بكل بعفوية، أن “الإسرائيليين سيكونون مجانين لو أنهم لم يقبلوا ذلك!”

وسواء كانت هذه “فلتة فرويدية” أقرب إلى لحظة الصدق منها إلى زلة اللسان أم كانت غير ذلك، فإن الثابت أنها قولة “غير مقصودة للنشر”. وهذا بالضبط هو ما ضمن لها أن تكون واضحة كل الوضوح، قاطعة كحد النصل: “سيكونون مجانين لو”… تلخيص بليغ وحكم صائب لا يتنازع فيه عاقلان و”لا يتناطح فيه عنزان”، بل ربما لا يتجادل فيه مجنونان… إذ من المجانين من تفاجئهم نوبات صحو! ومع ذلك فإذا أصر أوباما، مثلما بدا من توتره المكظوم عقب اجتماعه مع نتنياهو، على المضي في هذا الالتزام بما استقرت عليه الإنسانية من معايير الميْز بين المعقول واللامعقول، فليستعدّ إذن لأن يرى عجباً ولأن يشهد في قادم الشهور والأعوام نطاحاً إسرائيلياً بطولياً ضد حائط المنطق البشري، نطاحاً مستميتاً لا تفسير له سوى أنه حرب إيديولوجية دائمة، أي حربُ مواصلة سياسة مناطحة المبكى الميثولوجي بوسائل أخرى. إذا استمر أوباما في الإصرار هكذا على وزن الأمور في مسلسل مبادلة فُتات الأرض بمطلق التطبيع والتطمين (المشهور باسم عملية السلام) بميزان العقل، إذن فليهيئ نفسه للاستمتاع بأعوام من التمارين التطبيقية في الجنون السياسي وفي “التربيع والتدوير”.

ولكن بما أن الجنون فنون، وبما أن هؤلاء المجانين هم “أصدقاؤنا الإسرائيليون”، فإن نتنياهو وأستاذ السياسة والكياسة ًالقبضاي” السابق أفيغدور ليبرمان سوف يتكفلان بأن يراكما أمام أوباما وكلنتون جبالاً من عقبات التواطؤ بين زئبقية الاحتراف التفاوضي وميتافيزيقية التباكي التاريخي. وعندئذ فليذهب المطبعون… وليستأجروا، كما يقول المثل الشعبي، مَن ذا يستطيع أن يَفهمهم! أما لو ذهب بهم حُسن الظن إلى أن المعوَّل هو على الفاهم الأمريكي الذي فهم أو كاد يَفهم، ثم يكاد بعدها أن يُفهم الإسرائيلي المدجج ضد الفهم، فـإنهم سيكونون مجانين لو…”

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....