الرد على استخفاف اليمين الصهيوني بالأردن

صحيفة الدستور الأردنية

إذا كان اقتراح النائب اليميني المتطرف أرييه الداد باعتبار الأردن دولة للفلسطينيين كتطبيق عملي لحل الدولتين نوعاً من الجنون اليميني غير المستبعد من نائب موغل في التطرف (عضو في حزب موليديت)، فإن قيام الائتلاف الحاكم بتبني تحويل الاقتراح إلى لجنة الخارجية والأمن في الكنيست وليس إسقاطه مباشرة بوصفه شكلاً من أشكال الهذيان السياسي، هذا الموقف يشكل استخفافاً ببلدنا هذا وجميع مواطنيه.

ليس لدينا خوف من مثل هذه الاقتراحات، فالأردنيون والفلسطينيون وسواهم من أبناء هذه الأمة ليسوا قطعاناً من الأغنام يسوقها الصهاينة إلى حتوفها وهي طائعة، وها إن عقوداً من القتل والعقاب الجماعي لم تزد الفلسطينيين إلا تمسكاً بحقوقهم، بينما فشل المشروع الصهيوني وتراجع في كل معاركه بعد عام :67 من معركة الكرامة هنا على أرض الأردن، وصولاً إلى المعركة الأخيرة في قطاع غزة، وبينهما جولات كبيرة في أكتوبر 73، وأيار 2000، وتموز 2006.

لكن ذلك لا ينبغي أن يغض النظر عن حجم الاستخفاف الصهيوني، فضلاً عن قراءة ما يرشح من مقترحات صهيونية يمكن أن تتحول إلى مخططات بمرور الوقت، لا سيما أن مثل تلك المواقف لا تنحصر في أمثال (الداد)، فضلاً عن أن عزلة هذا الأخير اليوم، لا تنفي إمكانية تصدره المشهد في جولات مقبلة، وإلا فمن ذا الذي كان يتوقع أن يصبح المتطرف ليبرمان وزيراً لخارجية الكيان الصهيوني في يوم من الأيام؟.

في مقابلة مع موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” على الإنترنت نشرت خلال شهر آذار الماضي قبل تشكيل الحكومة الجديدة، قال عوزي أراد، وكان يومها مرشح نتنياهو لمنصب مستشار الأمن القومي: إن الحل الأمثل للقضية الفلسطينية هو إقامة كونفدرالية بين الضفة الغربية وقطاع غزة والمملكة الأردنية الهاشمية.

وقد تضمن مشروع عوزي أراد نقاطاً أخرى من بينها – للمفارقة – ما سبق أن طرحته، ربما على نحو أوسع، زعيمة كاديما تسيبي ليفني عندما قالت: إن حلم الفلسطينيين الموجودين “داخل إسرائيل” سيتجسد عملياً في الدولة الفلسطينية، وإن حاولت التراجع عنه بعد ذلك، الأمر الذي تبناه نتنياهو علناً بحديثه عن الدولة اليهودية قبل وبعد لقائه مع الرئيس الأمريكي.

يقول “أراد” إن بالإمكان ضم سكان المدن والقرى العربية في المثلثين الشمالي والجنوبي (عدد سكانها ربع مليون نسمة) إلى الدولة الفلسطينية، وذلك بترحيلهم إلى أراض تضم إليها في صحراء النقب، تمنح لها كبديل عن الأراضي التي أقيمت عليها الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية (قيادة السلطة وافقت على مبدأ مبادلة الأراضي على قاعدة نسبة واحد إلى واحد، مع العلم أن مستوطنات الضفة لا تكتفي بتقسيم الكيان الفلسطيني العتيد إلى كانتونات يجري ربطها عبر الأنفاق والطرف الالتفافية، بل تضيف إلى ذلك سرقة الأراضي التي تسيطر على أهم أحواض المياه في الضفة).

هذا الكلام الذي ردده “أراد” أكثر خطورة من هذيان “أرييه الداد”، لكن الدلالة واحدة، وهي أن المخاطر لا تزال قائمة، لا سيما أن الخطة الجديدة المتوقع الإعلان عنها في القاهرة يوم الرابع من حزيران تنطوي على تهديد للأردن، ليس فقط لأنها تتضمن شطباً كاملاً لحق العودة للاجئين الذي يعيش أكثرهم في الأردن (بحسب الخطة يجب منحهم جميعاً جنسيات الدول التي يعيشون فيها)، بل أيضاً لأن دولة الكانتونات التي يفترض أن تفضي إليها الخطة ستكون طاردة للفلسطينيين، وستؤدي إلى شكل من أشكال الترانسفير الطوعي.

إننا إزاء واقع معقد ليس ثمة من رد ناجع عليه سوى دعم خيار المقاومة في الأراضي المحتلة، أما التسوية في ظل الوضع القائم فلا يمكن إلا أن تكون على حساب فلسطين والأردن، والفلسطينيين والأردنيين في آن، ما يفرض عليهم التوحد، ومعهم شرفاء الأمة في مواجهة موجة التسوية والتطبيع الجديدة وتداعياتها.